11 أكتوبر 2024
رئيس يُسْتَعَرُّ منه وخطير
تقول تقارير إعلامية إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بلغ به الاستياء من وزير خارجيته، ريك تيلرسون، مبلغه. وحسب موقع “Axios” الإخباري الأميركي، فإن ترامب قال لبعض مساعديه، بعد أن عاد من اجتماع يناقش إستراتيجية إدارته في أفغانستان: "ريكس عاجز عن الاستيعاب، إنه يفكر مثل مؤسسة الحكم". طبعا، معلوم أن ترامب يقدّم نفسه المرشح القادم من خارج عالم واشنطن المخاصم مؤسسة الحكم التقليدية، أو ما يعرف بالـ “establishment”. ومعروف أن خلافات ترامب وتيلرسون غير محصورة في أفغانستان، بل تمتد من تعيينات المناصب الرئيسية في وزارة الخارجية الأميركية، والتي لا زالت شاغرةً بعد أكثر من سبعة أشهر على تولي إدارة ترامب الحكم، مرورا بالخلافات بشأن مقاربة الأزمة الخليجية وحصار قطر، ولا تنتهي في المواقف من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو في كيفية التعامل مع التحدي الكوري الشمالي.
ما سبق كله في كفة ونأي تيلرسون بنفسه عن الرئيس في موقفه من جماعات العنصرية والكراهية البيضاء في الولايات المتحدة في كفّة أخرى. في مقابلة مع محطة فوكس نيوز، يوم الأحد الماضي، سئل تيلرسون عن إدانة لجنة تابعة للأمم المتحدة تعامل السلطات الأميركية مع مظاهرات عنيفة لعنصريين يمينيين أميركيين في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا منتصف الشهر الماضي. دافع تيلرسون بقوة عن منظومة "القيم" لدى الشعب والحكومة الأميركيين. ولكنه عندما سئل عن "قيم" الرئيس ترامب، جاء جوابه صادما: "الرئيس يتكلم عن نفسه". وهي إشارة واضحة إلى أنه يشعر بالعار من موقف ترامب الذي ساوى في الإدانة بين المتظاهرين البيض العنصريين العنيفين، بمن فيهم النازيون الجدد، ومن خرجوا إلى الشوارع من أهل المدينة ومن جاء لمؤازرتهم من خارجها للدفاع عن قيم المساواة والعدل والاستيعاب لكل مكونات الشعب الأميركي، وتعدّديته العرقية والدينية والثقافية.
ولكن الشعور بالعار من رئاسة ترامب وأدائه لا ينحصر في تيلرسون، فهذا وزير دفاعه،
جيمس ماتيس، يخاطب جنودا أميركيين: "بلدنا الآن يواجه تحديات لا نعرفها في الجيش. حافظوا على خطوطكم، حتى يعود بلدنا إلى استيعاب واحترام بعضهم بعضا ويظهروا ذلك". وقد قرأ مراقبون كثيرون تصريح ماتيس هذا على أنه غمز من قناة ترامب الذي لا يبدي قدرة على استيعاب التعدّدية في أميركا واحترامها ورفض العنصرية. وقد عبر قادة القوات المسلحة الأميركية عن الموقف نفسه المدين للعنصرية وجماعات الكراهية الأميركية. كما أن مستشار ترامب للشؤون الاقتصادية، غيري كوهين، وهو يهودي، لم يتمكّن من كظم غيظه من موقف رئيسه المتذبذب من تيارات الكراهية والعنصرية الأميركية، فهو يقرّ بأنه كتب رسالة استقالته، غير أن غيّر رأيه بعد أن اجتمع بترامب، وقرّر أن لا يستقيل حتى "لا يسمح، كيهودي أميركي، للنازيين الجدد، الذين كانوا يردّدون شعار: اليهود لن يستبدلونا، بالتسبب باستقالة هذا اليهودي من عمله". ولم تتوقف موجة التمرّد ضد ترامب عند ذلك الحد، حيث قدم أعضاء كثيرون في "مجلس الصناعة" الاستشاري استقالاتهم لترامب، احتجاجا على محاولاته استرضاء العنصريين البيض الأميركيين، وهو ما دفعه إلى حل المجلس، وهو الذي كان قد شكله من كبار رؤساء الشركات الأميركية، لإعطاء انطباع عن الأولوية الاقتصادية لإدارته. وفي المحصلة، كل المواقف الواردة هنا تشير، بوضوح، كما يقول مايكل مكفول، السفير الأميركي السابق إلى روسيا، إلى أن "عددا قليلا في إدارة ترامب يحترمون رئيسهم".
ولكن ترامب لا يتوقف عند ذلك الحد في ديماغوجيته، ففي خضم إعصار هارفي المدمر الذي اجتاح ولاية تكساس، أصدر أمرا بالعفو عن رئيس الشرطة السابق في مقاطعة ماريكوبا في ولاية أريزونا، جون أربايو، الذي دين بتهمة عصيان قرار قاضٍ في قضية متعلقة بتنظيم دوريات لملاحقة من يشتبه بأنهم مهاجرون غير شرعيين. وأربايو هذا يعد أحد أقبح وجوه العنصرية في أميركا، وقد طاول شرّه كل من يظهر من ملامحه أنه ليس أميركيا أبيض. ولم يمر قرار العفو هذا مرور الكرام، إذ سارع جمهوريون كثيرون في الكونغرس، حزب الرئيس نفسه، إلى منافسة الديمقراطيين في إدانة قرار ترامب، كما سبق لهم أن دانوا موقفه الغامض من النازيين الجدد، وغيرهم من جماعات الكراهية البيضاء العنصرية الأميركية.
باختصار، يمثل ترامب الكابوس الأكبر الذي أرّق مضاجع المؤسسة التقليدية الحاكمة. هذه الأخيرة دائما ما خشيت من وافد من خارجها إلى الحكم، وهو ما كان يتمناه أميركيون كثيرون في المقابل. ولكن، لربما لم يحسب كثيرون من أنصار فكرة رئيسٍ من خارج مؤسسة الحكم
"الفاسدة"، ولا أركان المؤسسة نفسها، أن يكون الوافد شعبويا أرعن وفوضويا. ولعل في الهمس الذي تحول إلى جهر الآن في واشنطن، بشأن قدرات ترامب العقلية واستقراره النفسي، ما يغني عن تفصيل كثير. وحسب الصحافي الأميركي، كرس بريان ستيلتر، وهو أحد الصَحَفِيَّيْنِ اللذين أطاحا الرئيس الأسبق، ريتشارد نيكسون، في فضيحة ووتر غيت، فإن: "الجمهوريين في الكونغرس، كبار المسؤولين في الاستخبارات، كبار ضباط الجيش في بلدنا، وقادة مجتمع الأعمال، ممن تعاملوا مع البيت الأبيض، وكثير منهم تعامل مع دونالد ترامب شخصيا، خلصوا إلى أنه غير صالح للرئاسة". وأضاف: "خصوصا بين الجمهوريين في الكونغرس، فإنهم يثيرون مسألة استقراره وسلامته العقلية ليكون رئيسا للولايات المتحدة". وهو الأمر الذي صرّح به علنا، ومن دون رتوش، السناتور الجمهوري النافذ، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب كوركر. وعمليا، إنك لا تملك أن تلوم من يشكّك في قدرات ترامب العقلية والذهنية، واستقراره النفسي. هذا رجل يظن رئاسة الدولة الأميركية مصلحةً تجاريةً عائلية، ولا يزال مهووسا بأعداد من يحضرون مهرجاناته الخطابية، حتى وهو يخاطب ضحايا إعصار هارفي، ويظن أن التعامل مع قوى نووية مارقة، ككوريا الشمالية، يكون بمنطق صناعة حلبات المصارعة الأميركية، والتي كان يوما، هو شخصيا، من أقطابها. حقّ لأميركا وللعالم أن يقلقا، خصوصا أنه يملك مفاتيح الأسلحة النووية، وهو إن قرّر فعل شيئا أحمق حيال كوريا الشمالية، كما يقول رئيس الاستخبارات الأميركية السابق، جيمس كلابر، أو حيال أي دولة أخرى، فإن ثمّة القليل الذي يمكن فعله لإيقافه.
ما سبق كله في كفة ونأي تيلرسون بنفسه عن الرئيس في موقفه من جماعات العنصرية والكراهية البيضاء في الولايات المتحدة في كفّة أخرى. في مقابلة مع محطة فوكس نيوز، يوم الأحد الماضي، سئل تيلرسون عن إدانة لجنة تابعة للأمم المتحدة تعامل السلطات الأميركية مع مظاهرات عنيفة لعنصريين يمينيين أميركيين في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا منتصف الشهر الماضي. دافع تيلرسون بقوة عن منظومة "القيم" لدى الشعب والحكومة الأميركيين. ولكنه عندما سئل عن "قيم" الرئيس ترامب، جاء جوابه صادما: "الرئيس يتكلم عن نفسه". وهي إشارة واضحة إلى أنه يشعر بالعار من موقف ترامب الذي ساوى في الإدانة بين المتظاهرين البيض العنصريين العنيفين، بمن فيهم النازيون الجدد، ومن خرجوا إلى الشوارع من أهل المدينة ومن جاء لمؤازرتهم من خارجها للدفاع عن قيم المساواة والعدل والاستيعاب لكل مكونات الشعب الأميركي، وتعدّديته العرقية والدينية والثقافية.
ولكن الشعور بالعار من رئاسة ترامب وأدائه لا ينحصر في تيلرسون، فهذا وزير دفاعه،
ولكن ترامب لا يتوقف عند ذلك الحد في ديماغوجيته، ففي خضم إعصار هارفي المدمر الذي اجتاح ولاية تكساس، أصدر أمرا بالعفو عن رئيس الشرطة السابق في مقاطعة ماريكوبا في ولاية أريزونا، جون أربايو، الذي دين بتهمة عصيان قرار قاضٍ في قضية متعلقة بتنظيم دوريات لملاحقة من يشتبه بأنهم مهاجرون غير شرعيين. وأربايو هذا يعد أحد أقبح وجوه العنصرية في أميركا، وقد طاول شرّه كل من يظهر من ملامحه أنه ليس أميركيا أبيض. ولم يمر قرار العفو هذا مرور الكرام، إذ سارع جمهوريون كثيرون في الكونغرس، حزب الرئيس نفسه، إلى منافسة الديمقراطيين في إدانة قرار ترامب، كما سبق لهم أن دانوا موقفه الغامض من النازيين الجدد، وغيرهم من جماعات الكراهية البيضاء العنصرية الأميركية.
باختصار، يمثل ترامب الكابوس الأكبر الذي أرّق مضاجع المؤسسة التقليدية الحاكمة. هذه الأخيرة دائما ما خشيت من وافد من خارجها إلى الحكم، وهو ما كان يتمناه أميركيون كثيرون في المقابل. ولكن، لربما لم يحسب كثيرون من أنصار فكرة رئيسٍ من خارج مؤسسة الحكم