22 أكتوبر 2024
البحث العربي في قلب الأزمة
أنهى عشرات الباحثين والخبراء من نحو 50 مركز دراسات عربياً وغربياً (موجودة في المنطقة العربية) جلسات مؤتمر عقد في الأردن (البحر الميّت) لمناقشة التحديات والأولويات والتهديدات والفرص التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن مشروع تأطير لمراكز دراسات وتفكير عالمية. وكان محزناً أن نجد انزلاقاً شديداً، من باحثين وخبراء وأكاديميين، يفترض بهم أن يناقشوا بمنهجية علمية صارمة ما يحدث في المنطقة، إلى التماهي مع الدعاية السياسية وحالة الاستقطاب في المنطقة وترويج أنظمتهم، وتكرار مقولاتٍ معلّبة مسبقة، فيما يتعلّق بملفات عديدة، من أبرزها ملف أعاصير الإرهاب والراديكالية والتطرّف التي تجتاح المنطقة.
لا يخفى الفرق بين الباحثين الغربيين (ممن يفترض أن يكونوا أكثر تحيّزاً تجاه سياسات دولهم)، على قلتهم في المؤتمر، وأغلبهم غير معروفين، والباحثين العرب الذين غرقوا في نظريات المؤامرة والاتهام والتخوين، وإطلاق الأحكام بلا دراسات علمية أو نقاشات منهجية واضحة!
تمركز "الخطاب البحثي العربي"، عموماً، على دور السياسات الغربية تجاه المنطقة العربية في تحريك المارد المتطرّف وصناعته، أو حقبة الإخوان المسلمين في مصر، ودور الإخوان بوصفهم حزاما ناريا ناقلا للتطرّف، من دون أن نرى أرقاماً أو حالاً أو منهجيات وصل إليها الباحثون الذين يملأون مراكز الدراسات في العالم العربي، ويستنزفون ميزانياتٍ بالملايين، ليقنعونا بنتائجهم، أو حتى مواقفهم السياسية تلك.
لم نجد بحثاً علمياً محكماً عن تعريف تلك الجماعات أو تصنيفها، والغور في تحرّي أسباب صعودها وقدرتها على الجاذبية والإقناع، والمفاهيم التي تبني عليها سرديتها، وسرّ إقبال آلاف الشباب العرب عليها، ولم نقرأ عن دراساتٍ عن السجون والقمع وإغلاق الأفق السياسي ودوره في توليد هذه الحركات وصناعتها وتطويرها، ومسؤولية الأنظمة الاستبدادية العربية وفشل التجربة الحزبية، ما أدى إلى هجرة شبابٍ إلى تلك الجماعات والاتجاهات.
قلّة من الباحثين العرب المتميّزين، وكثير من الغربيين (للأسف)، من يغوصون عميقاً لتفكيك الظواهر ودراسة الأسباب والبحث الميداني الحقيقي المعمّق، في العلوم الاجتماعية. وربما لو قارنا بين مقالين فقط لباحثين عربيين ومؤتمرات عديدة، لوجدنا أنّ في المقالين القصيرين مادة معرفية وفرضياتٍ علميةً أعمق من مؤتمرات وهمية كثيرة تدرس الإرهاب والتطرّف ومكافحتهما، وتنفق عليها المليارات، من دون نتيجة.
المقالان للصديقين، خليل العناني وحسن أبو هنية، فالعناني يشير، في مقاله في "العربي الجديد"، الخميس، "عن ضحايا القمع في منطقتنا" إلى دراسة يقوم بها عن تأثير التعذيب والسجون، أي القمع، على الذاكرة، وربما توليد العنف، وهو مشروعٌ مبني على دراساتٍ واقعيةٍ وحالاتٍ متعددة، وخصوصا لجيلٍ من الشباب المصري ممن شاهد مجزرتي ميداني رابعة العدوية والنهضة، أو تعرّض للتعذيب في مصر بعد ذلك.
هذه الفرضية مهمة جداً، لأنّها تناقش قضيةً يغفلها السياسيون والإعلاميون والمثقفون كثيراً، "أنّ العنف يولّد العنف"، والدور الخطير للسجون والمعتقلات والتعذيب في إيجاد حوافر الراديكالية والانتقام أو اليأس، والتوجه نحو الجماعات الراديكالية، وهي حالة يمكن تطبيقها على دول عربية كثيرة، وإيجاد نماذج دراسية عديدة عنها.
أما أبو هنية فيقارب ما يحدث في المنطقة من صعود "جماعات العنف" بمفهوم الحركات الاجتماعية، وهو مفهوم طالما دافعنا عنه وطرحناه، أنا وإياه، في دراساتنا وأبحاثنا عن تنظيم داعش والنسوية الجهادية والتطرّف في الأردن والعالم العربي، ويضعنا حسن في إطار التنظير لمفهوم تلك الحركات ضمن الأدبيات الغربية، وتفسير الباحثين الغربيين الربيع العربي ضمن هذا الإطار، أي أنّ ما يحدث ناجمٌ، في الأصل، عن حركاتٍ اجتماعيةٍ قامت احتجاجاً على عنف سلطوي، لكن استخدام العنف الشديد ضدها هو الذي أدّى إلى توليد الجماعات البديلة التي تتبنّى العنف، وتطرّفت في أفكارها ومواقفها.
العالم العربي والمجتمعات اليوم مادة خصبة للبحث العلمي والدراسات، وهناك قصور كبير، لكن ذلك يتطلب أولاً الاستقامة المنهجية والموضوعية العلمية وأدوات بحثيةً حقيقية، وذلك يفترض أن يكون المموّل أو الداعم طرفا يريد الاستفادة، وليس طرفاً في الأصل في الصراع، أو سببأ من أسباب صعود تلك الظواهر والكوارث التي نمر بها!
لا يخفى الفرق بين الباحثين الغربيين (ممن يفترض أن يكونوا أكثر تحيّزاً تجاه سياسات دولهم)، على قلتهم في المؤتمر، وأغلبهم غير معروفين، والباحثين العرب الذين غرقوا في نظريات المؤامرة والاتهام والتخوين، وإطلاق الأحكام بلا دراسات علمية أو نقاشات منهجية واضحة!
تمركز "الخطاب البحثي العربي"، عموماً، على دور السياسات الغربية تجاه المنطقة العربية في تحريك المارد المتطرّف وصناعته، أو حقبة الإخوان المسلمين في مصر، ودور الإخوان بوصفهم حزاما ناريا ناقلا للتطرّف، من دون أن نرى أرقاماً أو حالاً أو منهجيات وصل إليها الباحثون الذين يملأون مراكز الدراسات في العالم العربي، ويستنزفون ميزانياتٍ بالملايين، ليقنعونا بنتائجهم، أو حتى مواقفهم السياسية تلك.
لم نجد بحثاً علمياً محكماً عن تعريف تلك الجماعات أو تصنيفها، والغور في تحرّي أسباب صعودها وقدرتها على الجاذبية والإقناع، والمفاهيم التي تبني عليها سرديتها، وسرّ إقبال آلاف الشباب العرب عليها، ولم نقرأ عن دراساتٍ عن السجون والقمع وإغلاق الأفق السياسي ودوره في توليد هذه الحركات وصناعتها وتطويرها، ومسؤولية الأنظمة الاستبدادية العربية وفشل التجربة الحزبية، ما أدى إلى هجرة شبابٍ إلى تلك الجماعات والاتجاهات.
قلّة من الباحثين العرب المتميّزين، وكثير من الغربيين (للأسف)، من يغوصون عميقاً لتفكيك الظواهر ودراسة الأسباب والبحث الميداني الحقيقي المعمّق، في العلوم الاجتماعية. وربما لو قارنا بين مقالين فقط لباحثين عربيين ومؤتمرات عديدة، لوجدنا أنّ في المقالين القصيرين مادة معرفية وفرضياتٍ علميةً أعمق من مؤتمرات وهمية كثيرة تدرس الإرهاب والتطرّف ومكافحتهما، وتنفق عليها المليارات، من دون نتيجة.
المقالان للصديقين، خليل العناني وحسن أبو هنية، فالعناني يشير، في مقاله في "العربي الجديد"، الخميس، "عن ضحايا القمع في منطقتنا" إلى دراسة يقوم بها عن تأثير التعذيب والسجون، أي القمع، على الذاكرة، وربما توليد العنف، وهو مشروعٌ مبني على دراساتٍ واقعيةٍ وحالاتٍ متعددة، وخصوصا لجيلٍ من الشباب المصري ممن شاهد مجزرتي ميداني رابعة العدوية والنهضة، أو تعرّض للتعذيب في مصر بعد ذلك.
هذه الفرضية مهمة جداً، لأنّها تناقش قضيةً يغفلها السياسيون والإعلاميون والمثقفون كثيراً، "أنّ العنف يولّد العنف"، والدور الخطير للسجون والمعتقلات والتعذيب في إيجاد حوافر الراديكالية والانتقام أو اليأس، والتوجه نحو الجماعات الراديكالية، وهي حالة يمكن تطبيقها على دول عربية كثيرة، وإيجاد نماذج دراسية عديدة عنها.
أما أبو هنية فيقارب ما يحدث في المنطقة من صعود "جماعات العنف" بمفهوم الحركات الاجتماعية، وهو مفهوم طالما دافعنا عنه وطرحناه، أنا وإياه، في دراساتنا وأبحاثنا عن تنظيم داعش والنسوية الجهادية والتطرّف في الأردن والعالم العربي، ويضعنا حسن في إطار التنظير لمفهوم تلك الحركات ضمن الأدبيات الغربية، وتفسير الباحثين الغربيين الربيع العربي ضمن هذا الإطار، أي أنّ ما يحدث ناجمٌ، في الأصل، عن حركاتٍ اجتماعيةٍ قامت احتجاجاً على عنف سلطوي، لكن استخدام العنف الشديد ضدها هو الذي أدّى إلى توليد الجماعات البديلة التي تتبنّى العنف، وتطرّفت في أفكارها ومواقفها.
العالم العربي والمجتمعات اليوم مادة خصبة للبحث العلمي والدراسات، وهناك قصور كبير، لكن ذلك يتطلب أولاً الاستقامة المنهجية والموضوعية العلمية وأدوات بحثيةً حقيقية، وذلك يفترض أن يكون المموّل أو الداعم طرفا يريد الاستفادة، وليس طرفاً في الأصل في الصراع، أو سببأ من أسباب صعود تلك الظواهر والكوارث التي نمر بها!