10 نوفمبر 2024
حتى لا تتحول إلى ثورة مهدورة
بعد سبع سنواتٍ من خلع زين العابدين بن علي عن رئاسة بلدهم، لا يزال التونسيون مصرّين على التظاهر. وعلى الرغم من أن هناك من يعتقد أن مشروع الثورة قد سُرق، وتراجع كليا لصالح الحنين إلى الماضي، بعد أن عاشت البلاد في الأسبوع الماضي ثلاثة أيام قاسية، طغت عليها اشتباكات ليلية، حصلت في أغلب المدن والقرى بين قوات الأمن ومجموعات شبابية، تخللتها عمليات نهب وحرق وسرقة، وذكّرت الرأي العام المحلي والدولي بأجواء الملحمة الشعبية التي امتدت من 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 إلى 14 يناير/ كانون الثاني 2011. وعلى الرغم من تلك المظاهر المشينة التي دانتها جميع الأطراف السياسية، ومنها المعارضة التي دعت إلى التظاهر ليلا، وهو ما أثار مخاوف التونسيين، فقد نزل التونسيون إلى شارع بورقيبة في العاصمة، المكان الرمز، للاحتفال بنجاحهم في إسقاط نظام كان يبدو قويا ومنيعا وصامدا إلى الأبد.
هناك حاجة ملحة وعاجلة لوقفة تأمل، إذ على الرغم من الأجواء الاحتفالية، يهيمن حاليا شعور حاد بالقلق والحيرة. تبدو البلاد أشبه بعربةٍ معطوبةٍ، تريد التحرك، لكن شيئا ما يمنعها من التقدم. صحيح إن هناك من لا يريد خيرا لتونس، وهناك من يجتهد ليعاقب شعبها على ثورته، ورغبته في استقلالية قراره، وهناك أطرافٌ داخليةٌ وخارجيةٌ تعمل على إشاعة اليأس لدى التونسيين، من خلال ضخ الأموال الطائلة، والعلاقات المريبة التي ينسجونها مع مجموعات مصالح متنوعة. مع ذلك، لا يمكن تفسير الأزمة المتواصلة بهذه الاعتبارات الخارجية والتآمرية. هناك عوامل داخلية وذاتية وفرت المناخ الملائم لكي تستغله هذه الشبكات المافيوزية أو أطراف أجنبية.
سبع سنوات كافية حتى لتدفع من تبقى يناضل من أجل تحقيق أهداف الثورة، والعمل على حمايتها من التزييف والانقلاب عليها. أصبح المأزق واضحا وهيكليا. لقد تم تحويل وجهة الثورة، إذ بعد أن كانت فرصة لإقامة نظام سياسي واجتماعي بديل، تحول الهدف إلى تسيير يومي لدولةٍ مرهقة، وإيهام الشعب بأن عليه أن يقنع بالحد الأدنى والمتبقي من ثرواتٍ وطنيةٍ، تدار حتى الآن بطرق سيئة أو محدودة الجدوى.
لا تستمر الثورات إلا عندما تكون مستندةً على قاعدة اجتماعية واسعة. والمشكلة في الحالة التونسية أن الطبقتين، الفقيرة الوسطى، وهما اللتان ثارتا على النظام السابق، تتعرّضان، منذ سبع سنوات، لهرسلة اجتماعية خطيرة، بسبب ارتفاع الأسعار، وانهيار الدينار، واستفحال البطالة، وتدهور معدلات الإنتاج. لقد أصبح جزء واسع من الرأي العام يعيش تحت وقع كابوس حقيقي، نتيجة اتساع المسافة بين المأمول والواقع المعاش، فالثورة تكاد تفقد قاعدتها الاجتماعية التي بدأ جزء منها يحنّ إلى المرحلة السابقة، عندما كان بن علي يقايض التونسيين، ويضعهم بين خيارين: الخبز مقابل الحرية. فتراجع القدرة الشرائية للمواطن تخفض من نسبة حماسه للديمقراطية، وتجعل منها كائنا سياسيا مهيئا لقبول المغالطات والأوهام المعسولة التي يروجها المستفيدون من الأزمة الراهنة، والمتحسّرون على "مجدٍ" سحب منهم، وعلى عهدٍ ذهب بدون رجعة.
وعد رئيس الحكومة يوسف الشاهد بأن تكون سنة 2018 آخر السنوات العجاف. ويراهن في ذلك على ما ستنتجه الإصلاحات التي شرع في تنفيذها. لا أحد يمكن أن يتأكد من صحة قوله. ففي الاقتصاد هناك هامش واسع للخطأ، وهناك مجال أوسع لتدخل عناصر أخرى غير اقتصادية، من شأنها أن تؤدي إلى تغيير النتائج، وتحويلها إلى أشباح وكوارث.
مع ذلك، لا يزال الأمل قائما، ولم يسحب التونسيون ثقتهم بشكل كامل من نخبتهم السياسية، على الرغم من أدائها الضعيف والرديء أحيانا. ويحسب للثورة التونسية أنها صمدت، طوال السنوات السبع التي مضت، على الرغم من تراكم أخطاء الحكومات المتلاحقة، ومن موجة الإرهاب التي مرت بها البلاد، ومن استمرار تداخل السياسي مع الأيديولوجي، ومن انهيار الوضع الليبي وأزمة الاقتصاد العالمي، والأوروبي خصوصا. على الرغم من ذلك كله، صمدت تونس، وهي تواصل انتقالها الديمقراطي، بقدر لا بأس بها من الثبات، على الرغم من الفشل الاقتصادي المخيف.
هناك حاجة ملحة وعاجلة لوقفة تأمل، إذ على الرغم من الأجواء الاحتفالية، يهيمن حاليا شعور حاد بالقلق والحيرة. تبدو البلاد أشبه بعربةٍ معطوبةٍ، تريد التحرك، لكن شيئا ما يمنعها من التقدم. صحيح إن هناك من لا يريد خيرا لتونس، وهناك من يجتهد ليعاقب شعبها على ثورته، ورغبته في استقلالية قراره، وهناك أطرافٌ داخليةٌ وخارجيةٌ تعمل على إشاعة اليأس لدى التونسيين، من خلال ضخ الأموال الطائلة، والعلاقات المريبة التي ينسجونها مع مجموعات مصالح متنوعة. مع ذلك، لا يمكن تفسير الأزمة المتواصلة بهذه الاعتبارات الخارجية والتآمرية. هناك عوامل داخلية وذاتية وفرت المناخ الملائم لكي تستغله هذه الشبكات المافيوزية أو أطراف أجنبية.
سبع سنوات كافية حتى لتدفع من تبقى يناضل من أجل تحقيق أهداف الثورة، والعمل على حمايتها من التزييف والانقلاب عليها. أصبح المأزق واضحا وهيكليا. لقد تم تحويل وجهة الثورة، إذ بعد أن كانت فرصة لإقامة نظام سياسي واجتماعي بديل، تحول الهدف إلى تسيير يومي لدولةٍ مرهقة، وإيهام الشعب بأن عليه أن يقنع بالحد الأدنى والمتبقي من ثرواتٍ وطنيةٍ، تدار حتى الآن بطرق سيئة أو محدودة الجدوى.
لا تستمر الثورات إلا عندما تكون مستندةً على قاعدة اجتماعية واسعة. والمشكلة في الحالة التونسية أن الطبقتين، الفقيرة الوسطى، وهما اللتان ثارتا على النظام السابق، تتعرّضان، منذ سبع سنوات، لهرسلة اجتماعية خطيرة، بسبب ارتفاع الأسعار، وانهيار الدينار، واستفحال البطالة، وتدهور معدلات الإنتاج. لقد أصبح جزء واسع من الرأي العام يعيش تحت وقع كابوس حقيقي، نتيجة اتساع المسافة بين المأمول والواقع المعاش، فالثورة تكاد تفقد قاعدتها الاجتماعية التي بدأ جزء منها يحنّ إلى المرحلة السابقة، عندما كان بن علي يقايض التونسيين، ويضعهم بين خيارين: الخبز مقابل الحرية. فتراجع القدرة الشرائية للمواطن تخفض من نسبة حماسه للديمقراطية، وتجعل منها كائنا سياسيا مهيئا لقبول المغالطات والأوهام المعسولة التي يروجها المستفيدون من الأزمة الراهنة، والمتحسّرون على "مجدٍ" سحب منهم، وعلى عهدٍ ذهب بدون رجعة.
وعد رئيس الحكومة يوسف الشاهد بأن تكون سنة 2018 آخر السنوات العجاف. ويراهن في ذلك على ما ستنتجه الإصلاحات التي شرع في تنفيذها. لا أحد يمكن أن يتأكد من صحة قوله. ففي الاقتصاد هناك هامش واسع للخطأ، وهناك مجال أوسع لتدخل عناصر أخرى غير اقتصادية، من شأنها أن تؤدي إلى تغيير النتائج، وتحويلها إلى أشباح وكوارث.
مع ذلك، لا يزال الأمل قائما، ولم يسحب التونسيون ثقتهم بشكل كامل من نخبتهم السياسية، على الرغم من أدائها الضعيف والرديء أحيانا. ويحسب للثورة التونسية أنها صمدت، طوال السنوات السبع التي مضت، على الرغم من تراكم أخطاء الحكومات المتلاحقة، ومن موجة الإرهاب التي مرت بها البلاد، ومن استمرار تداخل السياسي مع الأيديولوجي، ومن انهيار الوضع الليبي وأزمة الاقتصاد العالمي، والأوروبي خصوصا. على الرغم من ذلك كله، صمدت تونس، وهي تواصل انتقالها الديمقراطي، بقدر لا بأس بها من الثبات، على الرغم من الفشل الاقتصادي المخيف.