06 نوفمبر 2024
خلط جديد من عفرين
بعد شهور من الاستعدادات والمقايضات والمفاوضات، أطلقت تركيا عمليتها العسكرية في كانتون عفرين، الذي شكل، منذ سقوطه بيد وحدات حماية الشعب الكردية صيف عام 2012، شوكة في خاصرتها الجنوبية. العملية العسكرية التركية "غصن الزيتون"، كما عملية "درع الفرات" من قبل، ما كانت لتتم لولا ضوء أخضر روسي. وجاءت الموافقة الروسية واضحةً مع سحب موسكو مراقبيها المنتشرين في عفرين إلى منطقة تل رفعت الاستراتيجية، بموجب اتفاق وُضعت لمساته الأخيرة في زيارة رئيس الأركان التركي، خلوصي آكار، موسكو الأسبوع الماضي، صحبة مدير المخابرات التركية، حاقان فيدان.
بالنسبة إلى روسيا التي يعدها بعض الأكراد حليفاً تاريخياً، أخذاً بالاعتبار العلاقات القوية التي كانت تربط عموم القوى السياسية الكردية، وخصوصاً حزب العمال الكردستاني، ذا التوجه الماركسي، في موسكو، يعد تعاون تركيا جوهرياً في تحويل "نصرها" العسكري إلى اتفاق سياسي يؤمن لها وجوداً غير مكلف في سورية، ويحقق مصالحها فيها. وقد ازدادت أهمية تركيا بالنسبة الى روسيا أكثر، واتسعت رقعة المصالح المشتركة معها، بعد إعلان وزير خارجية الولايات المتحدة، ريكس تيلرسون، الأسبوع الماضي عن استراتيجية أميركية "جديدة" في سورية، عمادها الاحتفاظ بوجود عسكري في مناطق شرق الفرات، بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وتشكيل قوة محلية (كردية) وتجهيزها لحماية الحدود، قوامها 30 ألف مقاتل، في مسعى إلى تحويل سورية إلى مسرح رئيس لمواجهة النفوذ الإيراني، عوضاً عن تسليمها لإيران، بحسب تيلرسون، كما حصل في العراق بعد الانسحاب غير المدروس عام 2011، ولضمان تحقيق انتقال سياسي في سورية، يمثل خطوة أخرى على طريق إضعاف إيران.
وتعتمد الولايات المتحدة في مسعاها للاضطلاع بدور رئيس في تقرير شكل الحل، ومنع روسيا من الانفراد في فرض رؤيتها، على سيطرتها على نحو ثلث مساحة سورية البالغة 185 ألف كم مربع تقريباً، في منطقة تضم أكثر ثرواتها من النفط والغاز والمياه والسدود ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية، إلى درجة أن واشنطن لم تترك تحت سيطرة روسيا في سورية إلا فوسفات حمص، وبعض حقول الغاز الواقعة إلى الشرق منها. وتدرك موسكو أن أي نظام في دمشق لن يكون في مقدوره الاستمرار من دون استعادة مناطق شرق البلاد والثروات الكبيرة التي تحويها، وإلا سيغدو حينها مثل الأردن، معتمداً كلياً على المساعدات الخارجية في بقائه وتمويل حكمه، ما يعني أن موسكو التي تعاني نفسها من صعوبات اقتصادية، بسبب العقوبات الغربية عليها وانخفاض أسعار النفط، سوف تتورّط في تمويل نظام كسيح سنوات طويلة، بدل أن تنضح ثروات سورية تعويضاً عن تكاليف عملياتها العسكرية فيها. لم نتحدث بعد عن استخدام واشنطن لتمويل إعادة إعمار المناطق المدمرة، والتي يقع معظمها في نطاق سيطرة النظام، سلاحاً سياسياً للضغط باتجاه الحل الذي يرضيها.
يضع هذا الأمر روسيا في مأزق عويص، ويزيد الحاجة إلى تركيا المتضرّرة أيضًا من السياسة الأميركية في سورية، ومن دعمها الأكراد. بدون تركيا، لن تكون هناك إمكانية لإقناع فصائل المعارضة السياسية والعسكرية السورية، بالتعاون في التوصل الى حل ينقذ روسيا من ورطتها السورية، ويمكن الرئيس، فلاديمير بوتين، من تحويل خطاب "النصر" الذي ألقاه في حميميم في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى فوز يريده كبيراً في انتخابات مارس/ آذار المقبل.
مع احتدام حدة الصراع في المنطقة، وخفوت الاستقطاب الطائفي والمذهبي، وتنامي التوتر القومي والإثني، ستخلط أوراق التحالفات في سورية والمنطقة من جديد، وسيظهر معسكران إقليميان متقابلان، تجتمع فيهما تركيا وإيران على دعم السوريين العرب، في مقابل مساندة السعودية والإمارات الأكراد في محاولة لاحتواء نفوذ كل من إيران وتركيا في العراق وسورية، أو إضعافه، حتى لو اقتضى الأمر تفتيتهما. ستكون روسيا طبعاً ظهيراً للمعسكر الأول، في حين ستقود الولايات المتحدة الثاني. على أن هذا الخلط لن يكون نهاية المطاف في المخاض العسير الذي تمر به المنطقة، فالصراع السوري لن ينتهي، على ما يبدو، إلا وقد هزَّ أركان المنطقة، وقلب قيمها السياسية التي ألفناها، وطوى قرناً من تاريخ سياساتها وتحالفاتها.
بالنسبة إلى روسيا التي يعدها بعض الأكراد حليفاً تاريخياً، أخذاً بالاعتبار العلاقات القوية التي كانت تربط عموم القوى السياسية الكردية، وخصوصاً حزب العمال الكردستاني، ذا التوجه الماركسي، في موسكو، يعد تعاون تركيا جوهرياً في تحويل "نصرها" العسكري إلى اتفاق سياسي يؤمن لها وجوداً غير مكلف في سورية، ويحقق مصالحها فيها. وقد ازدادت أهمية تركيا بالنسبة الى روسيا أكثر، واتسعت رقعة المصالح المشتركة معها، بعد إعلان وزير خارجية الولايات المتحدة، ريكس تيلرسون، الأسبوع الماضي عن استراتيجية أميركية "جديدة" في سورية، عمادها الاحتفاظ بوجود عسكري في مناطق شرق الفرات، بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وتشكيل قوة محلية (كردية) وتجهيزها لحماية الحدود، قوامها 30 ألف مقاتل، في مسعى إلى تحويل سورية إلى مسرح رئيس لمواجهة النفوذ الإيراني، عوضاً عن تسليمها لإيران، بحسب تيلرسون، كما حصل في العراق بعد الانسحاب غير المدروس عام 2011، ولضمان تحقيق انتقال سياسي في سورية، يمثل خطوة أخرى على طريق إضعاف إيران.
وتعتمد الولايات المتحدة في مسعاها للاضطلاع بدور رئيس في تقرير شكل الحل، ومنع روسيا من الانفراد في فرض رؤيتها، على سيطرتها على نحو ثلث مساحة سورية البالغة 185 ألف كم مربع تقريباً، في منطقة تضم أكثر ثرواتها من النفط والغاز والمياه والسدود ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية، إلى درجة أن واشنطن لم تترك تحت سيطرة روسيا في سورية إلا فوسفات حمص، وبعض حقول الغاز الواقعة إلى الشرق منها. وتدرك موسكو أن أي نظام في دمشق لن يكون في مقدوره الاستمرار من دون استعادة مناطق شرق البلاد والثروات الكبيرة التي تحويها، وإلا سيغدو حينها مثل الأردن، معتمداً كلياً على المساعدات الخارجية في بقائه وتمويل حكمه، ما يعني أن موسكو التي تعاني نفسها من صعوبات اقتصادية، بسبب العقوبات الغربية عليها وانخفاض أسعار النفط، سوف تتورّط في تمويل نظام كسيح سنوات طويلة، بدل أن تنضح ثروات سورية تعويضاً عن تكاليف عملياتها العسكرية فيها. لم نتحدث بعد عن استخدام واشنطن لتمويل إعادة إعمار المناطق المدمرة، والتي يقع معظمها في نطاق سيطرة النظام، سلاحاً سياسياً للضغط باتجاه الحل الذي يرضيها.
يضع هذا الأمر روسيا في مأزق عويص، ويزيد الحاجة إلى تركيا المتضرّرة أيضًا من السياسة الأميركية في سورية، ومن دعمها الأكراد. بدون تركيا، لن تكون هناك إمكانية لإقناع فصائل المعارضة السياسية والعسكرية السورية، بالتعاون في التوصل الى حل ينقذ روسيا من ورطتها السورية، ويمكن الرئيس، فلاديمير بوتين، من تحويل خطاب "النصر" الذي ألقاه في حميميم في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى فوز يريده كبيراً في انتخابات مارس/ آذار المقبل.
مع احتدام حدة الصراع في المنطقة، وخفوت الاستقطاب الطائفي والمذهبي، وتنامي التوتر القومي والإثني، ستخلط أوراق التحالفات في سورية والمنطقة من جديد، وسيظهر معسكران إقليميان متقابلان، تجتمع فيهما تركيا وإيران على دعم السوريين العرب، في مقابل مساندة السعودية والإمارات الأكراد في محاولة لاحتواء نفوذ كل من إيران وتركيا في العراق وسورية، أو إضعافه، حتى لو اقتضى الأمر تفتيتهما. ستكون روسيا طبعاً ظهيراً للمعسكر الأول، في حين ستقود الولايات المتحدة الثاني. على أن هذا الخلط لن يكون نهاية المطاف في المخاض العسير الذي تمر به المنطقة، فالصراع السوري لن ينتهي، على ما يبدو، إلا وقد هزَّ أركان المنطقة، وقلب قيمها السياسية التي ألفناها، وطوى قرناً من تاريخ سياساتها وتحالفاتها.