27 سبتمبر 2018
إيران تنفجر
كانت نهاية سنة 2017 فاتحةً لحراكٍ شعبي في إيران، حيث انطلقت الشعلة من مشهد، على ضوء إفلاس عشرات آلاف الأشخاص، بعد أن وظّفوا أموالهم في بنوك وشركات مالية، أعلنت إفلاسها. لكن الأمر لم يتوقف عند "عملية نصب" حدثت نتيجة شره الربح ووهم التوظيف من أفراد. لهذا توسعت إلى عشرات المدن والقرى، وظهر أن قطاعاً كبيراً من الشعوب الإيرانية يعاني من الفقر الشديد (قيل إن الأمر يتعلق بـ 40 مليون شخص)، وارتفاع نسبة البطالة، خصوصاً في القرى والمناطق المهمشة، حيث تصل إلى 60%. وتوضّح من الشعارات التي رفعت أن الشعب يعتبر أن تدخلات النظام، في سورية خصوصاً، كما في اليمن والعراق ولبنان، جعلته ينفق مداخيل النفط هناك، وأن لا يلتفت الى وضع الطبقات الشعبية، على العكس فقد سعى إلى زيادة الضرائب ورفع الأسعار، كما ظهر في ميزانية السنة الجارية.
هذا وضع مثالي للثورة، فمهما كانت طبيعة النظام، ومهما كانت سياساته، فإن إيصال الشعب إلى هذه الوضعية يعني أن الشعب سوف يصنع ثورة. هذه حتمية تكرّرت في كل التاريخ الحديث. وشهدتها البلدان العربية منذ نهاية سنة 2010. وسنشهدها في بلدان كثيرة في السنوات المقبلة، فحين يصل قطاع كبير من الشعب إلى حالةٍ من الفقر مزرية، ولا يعود قادراً على العيش، سوف ينفجر، وحين ينفجر لن يتوقف الأمر عند مطالب اقتصادية باتت تعرف أن النظام لا يحققها. لهذا يصبح هدفها "إسقاط النظام". وهذا ما ظهر واضحاً في التظاهرات في مدن إيران، حيث أصبح شعار الموت للدكتاتور أساسياً، وقد جرى حرق صور الولي الفقيه، وحتى الخميني.
لكن، هل يقتنع نظام بأن سياساته هي التي أوصلت إلى ذلك؟ بالتأكيد ليس من نظامٍ يقتنع بذلك، لأن الفئة التي تحكم وتتحكّم بالاقتصاد ترسم السياسات التي تخدم مصالحها، وهذه السياسات هي التي توصل الشعوب إلى حافة الموت جوعاً. لهذا، لن تفكّر في خطأ سياساتها، بل سوف تبحث عن "عدو" ترمي عليه سبب الثورة. النظام السوري، وقبله الأنظمة، التونسي والمصري والليبي واليمني والبحريني، فعل ذلك. ولهذا بدأنا نسمع الخطاب نفسه الذي تكرّر في دمشق بداية الثورة: مندسّون، ومؤامرة خارجية، وعملاء، وتدخل جهات أجنبية. كرّر الولي الفقيه ذلك كله، وقبله الرئيس حسن روحاني ومسؤولون كثيرون في النظام. هذا هو منطق "الدفاع عن الذات"، والبحث عن "كبش فداء" الذي يحكم النظم، ويحكم النظام الإيراني الآن. إنها مؤامرة خارجية، وأعداء يريدون تغيير النظام.
سوف يدفع حدوث الثورة دولاً وقوىً لتحديد موقفها مما يجري، فمن هو متحالفٌ مع النظام سوف يكرّر خطابه. ومن هو في صراع معه سوف يبحث كيف يستفيد من الحدث. لهذا أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تأييد المحتجين، وأعلنت دول خليجية دعم حركة الاحتجاج، ودخلت قوى معارضة تابعة لأميركا أو أوروبا على خط الثورة. ليكون ذلك كله الإثبات بأن ما يجري مؤامرة. ألقى الولي الفقيه خطبة عصماء يدعم فيها الثورات في تونس ومصر، فهل كان يتدخل، أو أنه هو من صنع الثورات هذه؟ لكنه يحتاج إلى مبرّر لتشديد القمع، وللقتل، وممارسة الوحشية، كما فعل حليفه النظام السوري.
كانت السياسة الاقتصادية، والصرف على مشروع إمبراطوري فاشل، هما سبب الثورة، وهذا ما فهمته الشعوب في إيران، وهو سبب انفجارها. لكن النظام يريد أن لا يعترف بهذه الحقيقة، لأن ما قام به هو في خدمة فئاتٍ اجتماعيةٍ تسيطر على النظام، فهي التي راكمت المليارات، وهي تستغل التوسع الخارجي للتفاوض مع "الشيطان الأكبر"، لكي تفرض دوراً إقليمياً يحقق مصالح هذه الفئات. هذا جوهر الأمر. ولهذا تميل إلى ممارسة كل الوحشية دفاعاً عن سلطتها.
كانت ثورة سنة 2009 ثورة فئات وسطى تُقاد من جناح في النظام، الآن هي ثورة جياع.
هذا وضع مثالي للثورة، فمهما كانت طبيعة النظام، ومهما كانت سياساته، فإن إيصال الشعب إلى هذه الوضعية يعني أن الشعب سوف يصنع ثورة. هذه حتمية تكرّرت في كل التاريخ الحديث. وشهدتها البلدان العربية منذ نهاية سنة 2010. وسنشهدها في بلدان كثيرة في السنوات المقبلة، فحين يصل قطاع كبير من الشعب إلى حالةٍ من الفقر مزرية، ولا يعود قادراً على العيش، سوف ينفجر، وحين ينفجر لن يتوقف الأمر عند مطالب اقتصادية باتت تعرف أن النظام لا يحققها. لهذا يصبح هدفها "إسقاط النظام". وهذا ما ظهر واضحاً في التظاهرات في مدن إيران، حيث أصبح شعار الموت للدكتاتور أساسياً، وقد جرى حرق صور الولي الفقيه، وحتى الخميني.
لكن، هل يقتنع نظام بأن سياساته هي التي أوصلت إلى ذلك؟ بالتأكيد ليس من نظامٍ يقتنع بذلك، لأن الفئة التي تحكم وتتحكّم بالاقتصاد ترسم السياسات التي تخدم مصالحها، وهذه السياسات هي التي توصل الشعوب إلى حافة الموت جوعاً. لهذا، لن تفكّر في خطأ سياساتها، بل سوف تبحث عن "عدو" ترمي عليه سبب الثورة. النظام السوري، وقبله الأنظمة، التونسي والمصري والليبي واليمني والبحريني، فعل ذلك. ولهذا بدأنا نسمع الخطاب نفسه الذي تكرّر في دمشق بداية الثورة: مندسّون، ومؤامرة خارجية، وعملاء، وتدخل جهات أجنبية. كرّر الولي الفقيه ذلك كله، وقبله الرئيس حسن روحاني ومسؤولون كثيرون في النظام. هذا هو منطق "الدفاع عن الذات"، والبحث عن "كبش فداء" الذي يحكم النظم، ويحكم النظام الإيراني الآن. إنها مؤامرة خارجية، وأعداء يريدون تغيير النظام.
سوف يدفع حدوث الثورة دولاً وقوىً لتحديد موقفها مما يجري، فمن هو متحالفٌ مع النظام سوف يكرّر خطابه. ومن هو في صراع معه سوف يبحث كيف يستفيد من الحدث. لهذا أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تأييد المحتجين، وأعلنت دول خليجية دعم حركة الاحتجاج، ودخلت قوى معارضة تابعة لأميركا أو أوروبا على خط الثورة. ليكون ذلك كله الإثبات بأن ما يجري مؤامرة. ألقى الولي الفقيه خطبة عصماء يدعم فيها الثورات في تونس ومصر، فهل كان يتدخل، أو أنه هو من صنع الثورات هذه؟ لكنه يحتاج إلى مبرّر لتشديد القمع، وللقتل، وممارسة الوحشية، كما فعل حليفه النظام السوري.
كانت السياسة الاقتصادية، والصرف على مشروع إمبراطوري فاشل، هما سبب الثورة، وهذا ما فهمته الشعوب في إيران، وهو سبب انفجارها. لكن النظام يريد أن لا يعترف بهذه الحقيقة، لأن ما قام به هو في خدمة فئاتٍ اجتماعيةٍ تسيطر على النظام، فهي التي راكمت المليارات، وهي تستغل التوسع الخارجي للتفاوض مع "الشيطان الأكبر"، لكي تفرض دوراً إقليمياً يحقق مصالح هذه الفئات. هذا جوهر الأمر. ولهذا تميل إلى ممارسة كل الوحشية دفاعاً عن سلطتها.
كانت ثورة سنة 2009 ثورة فئات وسطى تُقاد من جناح في النظام، الآن هي ثورة جياع.