01 نوفمبر 2024
متوالية المهانة والبلطجة
أشار مقال سابق لصاحب هذه السطور إلى أن بابا جديدا في حقل العلوم السياسية يجب أن يُلحق بهذا العلم، بعدما تصاعدت أشكالٌ من الأحداث لا يمكن تسكينها في تلك الأبواب المعهودة في حقل العلوم السياسية، ذلك أن بعض الدول قد جعلت من أشكالٍ شتى من البلطجة ضمن أدواتها السياسية بالتعامل مع موضوعاتٍ ذات طبيعة سياسية محضة، وصار ذلك منهج تلك الدول، سياسة ثابتة لا يمكن بأي حال إلا التوقف عند هذه الأحداث، وتلك الأمور التي تستعصي على التسكين في علم السياسة، ويستحيل معها التحليل بالأدوات البحثية المتعارف عليها.
هل أتاك حديث دولة تختطف رئيس وزراء لدولة صغيرة هي لبنان، وتجبره أن يصدِر خطابا على الهواء، يقدم فيه استقالته، ليس في دولته، ولكن في دولة كان يزورها، هي السعودية، أو إن شئت الدقة كان مختطفا فيها، بدت عليه إمارات الارتباك، وقرأ ما أُملي عليه وكُتب له، ثم استنجد بدولة أخرى أوروبية، وهي فرنسا، توسطت لإخراجه والسفر إليها، فأصرّت تلك الدولة، وهي السعودية التي كانت تتحفظ عليه، أن يترك أولاده رهنا حتى يمكن أن تطلق سراحه، وتستجيب لمطلب فرنسا، وحينما كشفت فرنسا النقاب عن هذا كذبتها السعودية، مع أن الحقيقة واضحة فاضحة.
هل أتاك حديث دولة أخرى لجأ إليها رئيس وزراء سابق في أخريات عهد حسني مبارك
المخلوع في مصر، وإبّان حكم الرئيس محمد مرسي، بعدما آلت الرئاسة إليه، فقد لجأ إلى دولة الإمارات خوفا وتأمينا بعد سقوط حكم الطاغية مبارك، وقد أعلن عن نيته وخطته للترشح لانتخابات الرئاسة السابقة في مصر، لم يعجب ذلك تلك الدولة (الإمارات) ولم يعجب المنقلب في دولة مصر، فلم يكن من دولة الإمارات إلا أن شحنته (؟!) بناء على طلب السيسي إلى مصر لتسليمه، وقيام أجهزة السيسي بمهمة تأديبه، فكانت بعد ذلك الضغوط بعد وصوله مرغما، وحُددت إقامته جبريا وفق شروط جديدة لإقامته في مصر، حتى عبر بشكل قاطع أنه ارتكب خطأ فادحا وهو يتراجع عن ذلك الخطأ الفادح الذي ارتكبه، ليعلن أن غيابه عن مصر جعل أشياء كثيرة قد غابت عنه، وأنه لا يصلح لقيادة مصر في تلك المرحلة إلا السيسي.
يحدث ذلك كله بأشكال مختلفة، لا نرى لها تسمية في حديث السياسة إلا أن يكون ذلك ممارسة للبلطجة السياسية على أشكال عدة، تقوم بالاختطاف تارة، والاعتقال تارة أخرى، حتى اعتمدت هذه الأساليب وتعاملت معها. ومن المؤسف حقا أن تتعامل دول غربية، ظننا أنها تعبر عن الديمقراطية وعن حماية للحقوق الإنسانية، لكنها لمصالحها الأنانية صارت تقر أفعال البلطجة تلك، متغاضية عن حقوق الإنسان. إذا أردت شواهد فلتنظر إلى مواقف الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، حتى أن إيطاليا لم تواصل موقفا من مقتل أحد طلبتها من مواطنيها، جوليو ريجيني.
هل أتاك حديث المنقلب السيسي، حينما أراد أن يختار من يترشّح أمامه فأزاح كل من ترشّح أمامه، ولم يعجبه، تارة بالاعتقال في السجن الحربي لرتبة عسكرية لرئيس أركان أسبق للقوات المسلحة المصرية، واعتقل عقيدا في القوات المسلحة لمجرد تفكيره بالترشح للانتخابات الرئاسية. فعل ذلك كله بكل أشكال البلطجة، وتوجه أحد السفراء القدامى (معصوم مرزوق)، بنداء للسيسي لحلحلة الأمر، فإذا به يعتقله ويودعه السجن وبعض من صحبه أو مؤيديه، ثم هو يصادر الأموال والأملاك، يقول إن ذلك بأوامر قضائية، ويقوم بضمها إلى خزينة الدولة. بلطجة سياسية تتعدد مفرداتها في مشاهد كثيرة، يمارسها هؤلاء، أحدهم في السعودية، محمد بن سلمان، والآخر في الإمارات، محمد بن زايد، والثالث في مصر، المنقلب السيسي.
وعلى الرغم من استئساد هؤلاء الذين احترفوا البلطجة، قبل بعض هؤلاء السياسيين في ممارسات سياسية أو حقوقية تتعلق بحرية الرأي والتعبير، فإنهم اتسموا بالمهانة، وتقبلوا الإهانة في مشهد شديد الضعف والوهن، ضمن وصف أحدهم بالقاتل الملعون والآخر الذي لم يجرؤ أن تطأ قدمه الولايات المتحدة، حتى لا يقع تحت طائلة القضاء بعدما هُدّد بذلك، وثالث وقف أمام ترامب، قائلا له إنه لم يتحمّل أن يعطيه "حبات السوداني"، وأنه لا يقبل إلا أن يأخذ أموالا طائلة من بلد غني كالسعودية. مورست الإهانة بحق البلاطجة الصغار الثلاثة، ولم ينبس أحدهم ببنت شفة، لكنهم آثروا صمت القبور، والسكوت الرهيب، والتقبل والخضوع، فكان ذلك هوانا ومهانة وإهانة.
ثم كانت الإهانات الكبرى التي استمر ترامب يردّدها، ناقلا محادثة دارت بينه وبين ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، في جولات الانتخابات النصفية في الولايات الأميركية فأهانه في ثلاث مرات متوالية، (صارت أربعا وأنا أراجع المقال)، مؤكّدا له أن نظام حكمه لا يمكن أن يمكث أسبوعين من دون تأييد منه، وحماية من الولايات المتحدة، ومطالبته بأن يدفع من أموال بلده مقابل حمايته. صدرت كل تلك الإهانات ولم نجد ردا إلا أن يقال إنه "عهد الأصدقاء أن نتقبل منهم المدح والنقد"، ولم يدرِ هذا الذي عقب أو علق أن هذه اللغة الصفيقة لا تعد أو تحسب في مجال النقد. هي لغة إذلال تعبر عن مقام هؤلاء في عقل هذا البلطجي الأكبر. إنها متوالية البلطجة ومتوالية الإهانة، حينما يبلطج على هؤلاء ترامب، فإن هؤلاء لا يبلطجون على من هم أدنى، ويمارسون البلطجة على مواطنيهم وغير مواطنيهم.
ثم يأتي مشهد جديد من البلطجة الغشيمة. هذه المرّة، يقرر أحدهم أن ينتقم من أحد الصحافيين الذي يكتب في صحيفة "واشنطن بوست"، جمال خاشقجي، فيستدرج إلى القنصلية السعودية ويختفي قسريا، ولا يعرف له من مصير، إلا أن معظم التكهنات تؤكد قتله من دون أدنى اعتبار لأعرافٍ دبلوماسيةٍ على أرض دولة ثالثة، وهي تركيا. ممارسة هذه البلطجة المركبة إنما تعبر عن سياسية ممنهجة، حينما يمارس القتل والخطف في حق أحد المواطنين والصحافيين على نحو مزرٍ، ما يؤكّد اعتماد البلطجة السياسية نهجا وأسلوبا، غشما وطغيانا، فجورا ومراهقة واستبدادا.
يؤكد ما تكشف عنه الأحداث والأخبار أن أنظمة لم تعد تستحق إلا وصف "العصابة"، ليس ذلك على سبيل المجاز، لكنها الحقيقة المرّة التي جعلت هؤلاء يعتمدون هذه الأساليب في القتل، وفي الاعتقال والاختطاف التي لا تشكل فقط خروجا على القوانين والأعراف، وإنما تشكل ممارسة بلطجة عبر الحدود، واعتداء على حرمات النفوس، وانتهاك سيادة دول، وتصفية حساباتٍ من المؤسف أن تتم على هذا النحو وبتلك الأساليب.
إنها متوالية البلطجة والمهانة لنظمٍ استبداديةٍ، آن الأوان أن نعلنها عاليةً مدوية، أن حركة التغيير لا بد أن تطاولها، هؤلاء الذين اغتصبوا كل شيء، ومارسوا كل إجرام، وحكموا كالعصابات ومجرمي المافيا. ماذا يمكن أن ننتظر، وماذا يمكن أن ينتظر العالم، فإن قبل هؤلاء البلاطجة الصغار المهانة، فكيف يمكن قبول إجرام هؤلاء في حق شعوبهم ومواطنيهم ومستقبل أوطانهم، بل والإنسانية كلها.
هل أتاك حديث دولة تختطف رئيس وزراء لدولة صغيرة هي لبنان، وتجبره أن يصدِر خطابا على الهواء، يقدم فيه استقالته، ليس في دولته، ولكن في دولة كان يزورها، هي السعودية، أو إن شئت الدقة كان مختطفا فيها، بدت عليه إمارات الارتباك، وقرأ ما أُملي عليه وكُتب له، ثم استنجد بدولة أخرى أوروبية، وهي فرنسا، توسطت لإخراجه والسفر إليها، فأصرّت تلك الدولة، وهي السعودية التي كانت تتحفظ عليه، أن يترك أولاده رهنا حتى يمكن أن تطلق سراحه، وتستجيب لمطلب فرنسا، وحينما كشفت فرنسا النقاب عن هذا كذبتها السعودية، مع أن الحقيقة واضحة فاضحة.
هل أتاك حديث دولة أخرى لجأ إليها رئيس وزراء سابق في أخريات عهد حسني مبارك
يحدث ذلك كله بأشكال مختلفة، لا نرى لها تسمية في حديث السياسة إلا أن يكون ذلك ممارسة للبلطجة السياسية على أشكال عدة، تقوم بالاختطاف تارة، والاعتقال تارة أخرى، حتى اعتمدت هذه الأساليب وتعاملت معها. ومن المؤسف حقا أن تتعامل دول غربية، ظننا أنها تعبر عن الديمقراطية وعن حماية للحقوق الإنسانية، لكنها لمصالحها الأنانية صارت تقر أفعال البلطجة تلك، متغاضية عن حقوق الإنسان. إذا أردت شواهد فلتنظر إلى مواقف الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، حتى أن إيطاليا لم تواصل موقفا من مقتل أحد طلبتها من مواطنيها، جوليو ريجيني.
هل أتاك حديث المنقلب السيسي، حينما أراد أن يختار من يترشّح أمامه فأزاح كل من ترشّح أمامه، ولم يعجبه، تارة بالاعتقال في السجن الحربي لرتبة عسكرية لرئيس أركان أسبق للقوات المسلحة المصرية، واعتقل عقيدا في القوات المسلحة لمجرد تفكيره بالترشح للانتخابات الرئاسية. فعل ذلك كله بكل أشكال البلطجة، وتوجه أحد السفراء القدامى (معصوم مرزوق)، بنداء للسيسي لحلحلة الأمر، فإذا به يعتقله ويودعه السجن وبعض من صحبه أو مؤيديه، ثم هو يصادر الأموال والأملاك، يقول إن ذلك بأوامر قضائية، ويقوم بضمها إلى خزينة الدولة. بلطجة سياسية تتعدد مفرداتها في مشاهد كثيرة، يمارسها هؤلاء، أحدهم في السعودية، محمد بن سلمان، والآخر في الإمارات، محمد بن زايد، والثالث في مصر، المنقلب السيسي.
وعلى الرغم من استئساد هؤلاء الذين احترفوا البلطجة، قبل بعض هؤلاء السياسيين في ممارسات سياسية أو حقوقية تتعلق بحرية الرأي والتعبير، فإنهم اتسموا بالمهانة، وتقبلوا الإهانة في مشهد شديد الضعف والوهن، ضمن وصف أحدهم بالقاتل الملعون والآخر الذي لم يجرؤ أن تطأ قدمه الولايات المتحدة، حتى لا يقع تحت طائلة القضاء بعدما هُدّد بذلك، وثالث وقف أمام ترامب، قائلا له إنه لم يتحمّل أن يعطيه "حبات السوداني"، وأنه لا يقبل إلا أن يأخذ أموالا طائلة من بلد غني كالسعودية. مورست الإهانة بحق البلاطجة الصغار الثلاثة، ولم ينبس أحدهم ببنت شفة، لكنهم آثروا صمت القبور، والسكوت الرهيب، والتقبل والخضوع، فكان ذلك هوانا ومهانة وإهانة.
ثم كانت الإهانات الكبرى التي استمر ترامب يردّدها، ناقلا محادثة دارت بينه وبين ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، في جولات الانتخابات النصفية في الولايات الأميركية فأهانه في ثلاث مرات متوالية، (صارت أربعا وأنا أراجع المقال)، مؤكّدا له أن نظام حكمه لا يمكن أن يمكث أسبوعين من دون تأييد منه، وحماية من الولايات المتحدة، ومطالبته بأن يدفع من أموال بلده مقابل حمايته. صدرت كل تلك الإهانات ولم نجد ردا إلا أن يقال إنه "عهد الأصدقاء أن نتقبل منهم المدح والنقد"، ولم يدرِ هذا الذي عقب أو علق أن هذه اللغة الصفيقة لا تعد أو تحسب في مجال النقد. هي لغة إذلال تعبر عن مقام هؤلاء في عقل هذا البلطجي الأكبر. إنها متوالية البلطجة ومتوالية الإهانة، حينما يبلطج على هؤلاء ترامب، فإن هؤلاء لا يبلطجون على من هم أدنى، ويمارسون البلطجة على مواطنيهم وغير مواطنيهم.
ثم يأتي مشهد جديد من البلطجة الغشيمة. هذه المرّة، يقرر أحدهم أن ينتقم من أحد الصحافيين الذي يكتب في صحيفة "واشنطن بوست"، جمال خاشقجي، فيستدرج إلى القنصلية السعودية ويختفي قسريا، ولا يعرف له من مصير، إلا أن معظم التكهنات تؤكد قتله من دون أدنى اعتبار لأعرافٍ دبلوماسيةٍ على أرض دولة ثالثة، وهي تركيا. ممارسة هذه البلطجة المركبة إنما تعبر عن سياسية ممنهجة، حينما يمارس القتل والخطف في حق أحد المواطنين والصحافيين على نحو مزرٍ، ما يؤكّد اعتماد البلطجة السياسية نهجا وأسلوبا، غشما وطغيانا، فجورا ومراهقة واستبدادا.
يؤكد ما تكشف عنه الأحداث والأخبار أن أنظمة لم تعد تستحق إلا وصف "العصابة"، ليس ذلك على سبيل المجاز، لكنها الحقيقة المرّة التي جعلت هؤلاء يعتمدون هذه الأساليب في القتل، وفي الاعتقال والاختطاف التي لا تشكل فقط خروجا على القوانين والأعراف، وإنما تشكل ممارسة بلطجة عبر الحدود، واعتداء على حرمات النفوس، وانتهاك سيادة دول، وتصفية حساباتٍ من المؤسف أن تتم على هذا النحو وبتلك الأساليب.
إنها متوالية البلطجة والمهانة لنظمٍ استبداديةٍ، آن الأوان أن نعلنها عاليةً مدوية، أن حركة التغيير لا بد أن تطاولها، هؤلاء الذين اغتصبوا كل شيء، ومارسوا كل إجرام، وحكموا كالعصابات ومجرمي المافيا. ماذا يمكن أن ننتظر، وماذا يمكن أن ينتظر العالم، فإن قبل هؤلاء البلاطجة الصغار المهانة، فكيف يمكن قبول إجرام هؤلاء في حق شعوبهم ومواطنيهم ومستقبل أوطانهم، بل والإنسانية كلها.