09 نوفمبر 2024
خاشقجي.. القضية أُغلقت؟
بمعزل عن صفة الصحافي، الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وبمعزل عن أدواره المهنية التي أدّاها في حياته، وبمعزل عن علاقته بالنظام السعودي وبولي العهد محمد بن سلمان، وبمعزل عن زيارته قنصلية بلاده في اسطنبول. بمعزل عن ذلك كله، هل تدركون كيف يتصرّف العالم اليوم تجاه القضية، المُفترض أن يكون محفزّها الأساسي "العامل الإنساني" لا "العامل المصلحيّ"؟
بداية، ظهرت الأمم المتحدة، كالعادة، الطرف الأضعف في تلك المعادلة، وكما أنها لم تنجح في معالجة القضايا، الفلسطينية والسورية واليمنية والعراقية والمهاجرين والخلافات السياسية، فإنها لم تفرض وجودها في ملف خاشقجي. لا يمكن إطلاقاً الاعتماد على تلك المنظمة، ولو أصدرت ملايين القرارات، ولو رفعت الصوت إعلامياً. ثم، هناك الولايات المتحدة، عبر رئيسها دونالد ترامب. يتصرّف الرئيس الـ45 للولايات المتحدة على قاعدة "شخص مقابل مليارات الدولارات؟ لنتمهّل قليلاً". حتى أنه اعتبر يوم الخميس أنه "في حال لم تدخل الـ110 مليارات دولار من السعودية للاقتصاد الأميركي، فإنها ستذهب إلى الصين وروسيا". لا يريد ترامب إزعاج خزينته، ولا الوضع الاقتصادي الأميركي، إذا اتخذ موقفاً متشدّداً من النظام السعودي. يرغب ترامب، لا بل يصلي، لتنتهي الأزمة من دون المساس بالتحويلات المالية السعودية إلى بلاده، سواء صفقات أسلحة أو عمليات تجارية.
تتصرف تركيا وكأنه أُمسك بها. تريد الحقيقة لاعتباراتٍ متعلقة بالسيادة التركية، وإن كانت عملية الإخفاء و/أو القتل تمّت تقنياً على أرضٍ سعودية. لا تريد تركيا أيضاً مراكمة خلافاتها مع السعوديين، على الرغم من علمها أنه خيار مرجّح للغاية حتى هذه اللحظة. وقد برزت ملامحه مع موافقتها على إطلاق سراح القس الأميركي، أندرو برونسون، في سياق التفاهم مع الأميركيين. أما روسيا، فقد اختارت الصمت الضمني، خصوصاً أن تاريخها لا يشجع في إعلان موقف مطالب بمعرفة مصير خاشقجي. لا تنسوا اللائحة الطويلة من ألكسندر ليتفينينكو إلى بوريس نيمتسوف إلى سيرغي سكريبال، استمرارية بوتينية لعهدٍ ستالينيّ بتصفية المعارضين الروس داخل بلادهم وخارجها، من المجر إلى بريطانيا. للروس أيضاً مصالحهم الخاصة التي تعلو على ربطها بمصير إنسان. أوروبا، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تبدو في وضعية الانتظار. جدّدت برلين علاقتها مع الرياض أخيراً، بعد اشتباك دبلوماسي دام نحو العام بسبب احتجاز السعودية رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري. أما باريس ولندن فأكّدتا على "قلقهما من الاختفاء"، وطالبتا بمعرفة مصير خاشقجي بصوت خافتٍ، قياساً على حجم الحدث.
ماذا يعني ذلك كله؟ يعني أن لا أحد سيهتم بمصير إنسان، مهما كان صفته، ولا أحد سيبالي كيف اختفى أو قُتل. هناك أموالٌ ومصالحُ على المحكّ. القصة أقرب إلى عملية بيع أسلحة في السوق الأفريقية. رصاصة مقابل ألماسة. لا اكتراث بحيوات البشر، هناك فقط عمليات بيع وشراء تقضي بتحويل الناس إلى مجرّد أرقام لدى أصحاب المصالح. يدرك الجميع ذلك، والجميع يتصرّف على هذا الأساس. لا أحد يبالي فعلاً بمصير خاشقجي سوى مقرّبين منه. تماماً كما أن أحداً لم يهتم بمصير نصف مليون ضحية في سورية، ولا بمصير ملايين اللاجئين، ولا أحد يبالي بشأن مصير 50 ألف ضحية في اليمن، عدا عن تعرّض الملايين للمجاعة. لا أحد يريد فعلاً رؤية تأثير حصار قطاع غزة على أهلها، ولا أحد يودّ إنهاء الملف العراقي القاتم. عملياً، وفي عام 2018، لا تزال الإنسانية مجرّد كلمة شعرية، تتمّ الاستعانة بها في كل مرة يُراد منها تحقيق مصالح مالية أو سياسية.
لن يكون مصير خاشقجي واضحاً، إلا بعد تأمين مصالح الجميع، وهو سيدفع أثمان هذه المصالح. أما في العام المقبل، مثل هذه الأيام، فسيحضر بضعة أشخاص من المقرّبين أمام القنصلية السعودية في اسطنبول، ويضعون الورود للذكرى، ويشعلون الشموع، لأن "القضية أُغلقت".
بداية، ظهرت الأمم المتحدة، كالعادة، الطرف الأضعف في تلك المعادلة، وكما أنها لم تنجح في معالجة القضايا، الفلسطينية والسورية واليمنية والعراقية والمهاجرين والخلافات السياسية، فإنها لم تفرض وجودها في ملف خاشقجي. لا يمكن إطلاقاً الاعتماد على تلك المنظمة، ولو أصدرت ملايين القرارات، ولو رفعت الصوت إعلامياً. ثم، هناك الولايات المتحدة، عبر رئيسها دونالد ترامب. يتصرّف الرئيس الـ45 للولايات المتحدة على قاعدة "شخص مقابل مليارات الدولارات؟ لنتمهّل قليلاً". حتى أنه اعتبر يوم الخميس أنه "في حال لم تدخل الـ110 مليارات دولار من السعودية للاقتصاد الأميركي، فإنها ستذهب إلى الصين وروسيا". لا يريد ترامب إزعاج خزينته، ولا الوضع الاقتصادي الأميركي، إذا اتخذ موقفاً متشدّداً من النظام السعودي. يرغب ترامب، لا بل يصلي، لتنتهي الأزمة من دون المساس بالتحويلات المالية السعودية إلى بلاده، سواء صفقات أسلحة أو عمليات تجارية.
تتصرف تركيا وكأنه أُمسك بها. تريد الحقيقة لاعتباراتٍ متعلقة بالسيادة التركية، وإن كانت عملية الإخفاء و/أو القتل تمّت تقنياً على أرضٍ سعودية. لا تريد تركيا أيضاً مراكمة خلافاتها مع السعوديين، على الرغم من علمها أنه خيار مرجّح للغاية حتى هذه اللحظة. وقد برزت ملامحه مع موافقتها على إطلاق سراح القس الأميركي، أندرو برونسون، في سياق التفاهم مع الأميركيين. أما روسيا، فقد اختارت الصمت الضمني، خصوصاً أن تاريخها لا يشجع في إعلان موقف مطالب بمعرفة مصير خاشقجي. لا تنسوا اللائحة الطويلة من ألكسندر ليتفينينكو إلى بوريس نيمتسوف إلى سيرغي سكريبال، استمرارية بوتينية لعهدٍ ستالينيّ بتصفية المعارضين الروس داخل بلادهم وخارجها، من المجر إلى بريطانيا. للروس أيضاً مصالحهم الخاصة التي تعلو على ربطها بمصير إنسان. أوروبا، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تبدو في وضعية الانتظار. جدّدت برلين علاقتها مع الرياض أخيراً، بعد اشتباك دبلوماسي دام نحو العام بسبب احتجاز السعودية رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري. أما باريس ولندن فأكّدتا على "قلقهما من الاختفاء"، وطالبتا بمعرفة مصير خاشقجي بصوت خافتٍ، قياساً على حجم الحدث.
ماذا يعني ذلك كله؟ يعني أن لا أحد سيهتم بمصير إنسان، مهما كان صفته، ولا أحد سيبالي كيف اختفى أو قُتل. هناك أموالٌ ومصالحُ على المحكّ. القصة أقرب إلى عملية بيع أسلحة في السوق الأفريقية. رصاصة مقابل ألماسة. لا اكتراث بحيوات البشر، هناك فقط عمليات بيع وشراء تقضي بتحويل الناس إلى مجرّد أرقام لدى أصحاب المصالح. يدرك الجميع ذلك، والجميع يتصرّف على هذا الأساس. لا أحد يبالي فعلاً بمصير خاشقجي سوى مقرّبين منه. تماماً كما أن أحداً لم يهتم بمصير نصف مليون ضحية في سورية، ولا بمصير ملايين اللاجئين، ولا أحد يبالي بشأن مصير 50 ألف ضحية في اليمن، عدا عن تعرّض الملايين للمجاعة. لا أحد يريد فعلاً رؤية تأثير حصار قطاع غزة على أهلها، ولا أحد يودّ إنهاء الملف العراقي القاتم. عملياً، وفي عام 2018، لا تزال الإنسانية مجرّد كلمة شعرية، تتمّ الاستعانة بها في كل مرة يُراد منها تحقيق مصالح مالية أو سياسية.
لن يكون مصير خاشقجي واضحاً، إلا بعد تأمين مصالح الجميع، وهو سيدفع أثمان هذه المصالح. أما في العام المقبل، مثل هذه الأيام، فسيحضر بضعة أشخاص من المقرّبين أمام القنصلية السعودية في اسطنبول، ويضعون الورود للذكرى، ويشعلون الشموع، لأن "القضية أُغلقت".