01 نوفمبر 2024
تهدئة غزة بين الضرورة والمحاذير
لا تزال الأوضاع في قطاع غزة تراوح بين الحرب العدوانية الشاملة والتهدئة، مع جنوح واضح لحركة حماس وفصائل مقاومة أخرى نحو تجنيب القطاع المنهَك بآثار حروب سابقة، لم تندمل، عدواناً جديداً. أما محاولات التهدئة، أو الهدنة التي تنشط فيها مصر، فلا تزال تطفو على سطحها عقدةُ الموقف الفلسطيني في رام الله، الرافض لتجاوزه، ولو أدّت الهدنة إلى رفع الحصار عن غزة.
وفيما انقضت الجمعة الفائتة بـ 130 إصابة، بعد دعوات من "حماس"، وقادة فصائل المقاومة في غزة، إلى عدم الانجرار إلى عسكرة مسيرات العودة، صرّح مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية بأنه كان الاحتجاج الأكثر هدوءًا، منذ بدء مسيرات العودة في 30 مارس/ آذار الفائت.
وعلى المستوى السياسي، قال رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في كلمته، في افتتاح موسم الشتاء، أمام الكنيست، الاثنين الفائت، (15 /10) "أنا أفعل كلّ ما في وسعي لمنع حروب غير ضرورية"، قبل أن يضيف أن "إسرائيل لن تتردّد في القتال عند الضرورة."
وكانت دولة الاحتلال قد أوحت بأنها على شفير حرب واسعة ضد القطاع، وذلك عبر موقف
مجلس الوزراء الذي جعل ما يجري في الجمعة الأخيرة حاسماً في تقرير الخيار نحو الحرب، أو غيرها، وعبْر تهديدات كلٍّ مِن رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان، بشنِّ ضرباتٍ "كبيرة جدًّا" على قطاع غزة، وليس هذا مستبعداً على العقلية العدوانية الاحتلالية، ولا سيما في هذا الطاقم الذي يزاوِد على نفسه في الدموية، وادَّعاءات توفير الأمن، ومع أجواءٍ عالمية وإقليمية تتجه نحو مزيدٍ من النَّزَق والتهوُّر، والاستهتار بالقوانين الدولية، وبالحقوق الإنسانية، على الرغم من تلك التهديدات، إلا أنَّ احتمالات نجاح التهدئة بين حركة حماس ودولة الاحتلال لا تزال قائمة.
تتزايد الأخبار عن تجاوزٍ دوليٍّ أُمميٍّ وإقليميّ، لموقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يُهدِّد بفرْضِ مزيدٍ من الإجراءات العقابية على حركة حماس، محمولةً إليها عبْرَ الفلسطينيين في غزة، بحجَّة أنَّ التعاطي مع الحركة يعمِّق الانقسام، أو أنه قد يُؤَبِّده.
وتُعَبِّر اللحظةُ الراهنة عن المأزِق الكبير الذي آلتْ إليه القضيةُ الفلسطينية، وهو نتاجُ مأزِقٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ، وإنسانيّ، من قبل، ولا يتحمَّل الفلسطينيون وحدَهم أسبابه، وإن كان لا يُؤتي ثماره النهائية إلا بهم.
ولذلك فإن ما تبدو أنها خيارات فلسطينية ليست في الحقيقة خيارات، بقدر ما هي إكراهات التاريخ والراهن والجغرافيا. وفي ضوء هذه الخلفية، ينبغي أن تُقرَأ المواقف الفلسطينية، بصفة عامة، إلا من فئة خارجة من المستثمرين بمصائر شعبهم الذين لا يرون ضيراً من الاتّجار السياسي والوطني بفلسطين وقضيتها.
ومع إدراك لتلك الإكراهات، إلا أنه يؤمل أن لا تقود إلى حلقات أضْيَق، وأبْعَد عن جذور القضية، وقد كان اندلاع مسيرات العودة الكبرى، بزخمها وشعاراتها بالعودة، وغيرها، علامةَ عافيةٍ وحيويَّة في الشعب الفلسطيني، بعد ما يزيد عن سبعين عاماً على نكبته وتشرّده عن وطنه.
مؤكَّد أن حركة حماس حقَّقت مكاسب ليست لها فقط، ولكن للكلِّ الفلسطيني، بتلك البنية العسكرية المقاوِمة التي تركت، في اشتباكاتها السابقة، إبّان الحروب الثلاث التي شنّها الاحتلالُ على غزة، تركت علاماتٍ فاخرة، ومجيدة؛ بنية عسكرية منضبطة، وذكيَّة، وشجاعة، على الرغم من كلِّ المعيقات، حيث كان كلُّ تطوُّر تحرزه المقاومةُ يُنقِص من أمان الاحتلال ومستوطنيه، كما يأكل من رصيد زعمائه السياسيين في مسألةٍ لا مزاح فيها عند إسرائيل، وهي الأمن.
ومؤكَّد أيضاً أنه يحقُّ لغزة أن تستبقي حياتَها؛ لأنها حقّها الطبيعي، وتالياً؛ حتى تستطيع أن تؤدّي دورَها في الحفاظ على حياة قضيَّتها الفلسطينية، بالصمود والثبات في الوطن، عوض الهجرة، أو الاختناق البطيء. وممَّا تستطيع "حماس" أن تقوله إنها لم تتنازل عن أيٍّ مِن ثوابتها؛ فلم تعترف بإسرائيل، ولم تقبل أن تكون في تنسيقٍ أمنيٍّ معها، ولم تُعْطِ أيَّ تعهُّدٍ بالتخلِّي عن سلاحها. في مقابل تحسين حياة الفلسطينيين في غزة.
وفي المقابل، لإسرائيل دوافعُها، منها رغبتُها في تهدئة غزة، وتحييدها في هذه الفترة؛ تحسُّبًا لأيِّ تصعيد، أو مواجهة محتملة، على الجبهة الشمالية، في سورية؛ بسبب حالة انعدام اليقين، فيما يتعلَّق بالوجود الإيراني هناك، ولا سيما بعد أن أفضت حادثة إسقاط الطائرة الروسية إلى تزويد موسكو نظامَ الأسد بصواريخ إس 300؛ ما عكس اهتزازاً في العلاقة بين روسيا ودولة الاحتلال. وما قد يجعل من نشاط طائرات الاحتلال فوق الأجواء السورية أكثر خطورة. وهذا ما عبَّر عنه نتنياهو في كلمته، آنفة الذكر، أمام الكنيست، حين حاول الدفاع عن نفسه أمام المزايدين عليه، قال: "إن إسرائيل تعمل، في الوقت الحالي ضد العداء الإيراني، نحن نعمل ضد النظام الإيراني، عسكرياً في سورية، حتى في هذه الأيام".
لكن الخطر الأكبر الذي يتوارى خلف هذه التهدئة الاضطرارية، إنْ وقعت، يتمثَّل في تكريس
الانفصال بين غزة والضفة الغربية، أو بين حكومة حماس وسلطة رام الله، والخطر المنطوي تحته هو مَنْح دولة الاحتلال فرصةً أكبر في الاستفراد بالضفة الغربية، بمضاعفة المشاريع الاستيطانية، ومتطلَّباتها، كما في قضيَّة قرية الخان الأحمر التي تستهدف إسرائيل من وراء تفريغها من سكانها الفلسطينيين فصْلَ جنوب الضفة والقدس عن شمالها؛ لتكريس استبعاد قيام دولة فلسطينية ذات تواصُلٍ جغرافي ضروري. وهو الموقف الذي تشترك فيه مع الفلسطينيين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن مساعي دولة الاحتلال لإخلاء الخان الأحمر، وَفْقَهما، يدينها القانونُ الدولي، وتؤثِّر على فرص السلام، وتقوّض احتمال حلّ الدولتين. ولا تبدو إسرائيل مرتدعة، أو متراجعة نهائياً عن مخطَّطها.
وعلى الرغم من أنه لن يكون من السهل على قادة "حماس" وفصائل المقاومة في غزة أن يديروا ظهورَهم للمعركة، إذا اشتدّت في الضفة والقدس، أو عليهما، فإننا لا نستطيع إلغاء هذا التفكير الاستراتيجي من عقلية قادة الاحتلال، باستمرار المباعَدةِ بين غزة والضفة، واستمرار المشاغلة لكلٍّ منهما، بأَمضى الأسلحة، حاليا، وهو السلاح الاقتصادي، حيث المساومة المبطَّنة بين الحاجات المعيشية المُلِحَّة (ولا تقليلَ من شأنها) وتطلُّعات الوطنية بالحرية والتحرير والسيادة. وهو ما يكرَّره المسؤولون والمبعوثون الأميركيون، قريباً جدّاً من التهديد، ومن أَجْدَدِها ما قاله المبعوث الأميركي الخاص، لشؤون الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، في مقال نشرته صحيفة يسرائيل هيوم: "نؤيِّد عملية ازدهار غزة اقتصادياً، ونعارض ما تقوم به حماس، من أحداث أمنية ضدّ إسرائيل، مثل إطلاق الصواريخ، والبالونات الحارقة، وفي حال استمرت هذه الأحداث، ستؤدِّي إلى حرب، التي ستجلب مزيدا من الدمار لغزة".
هذا المآل الذي آلت إليه القضية الفلسطينية حصيلة وضع عربي وفلسطيني منقسم، يفتقر إلى التنبُّه إلى مركز واحد مشترك، فعليا، ولو كثرت فيه الأقاويل.
وفيما انقضت الجمعة الفائتة بـ 130 إصابة، بعد دعوات من "حماس"، وقادة فصائل المقاومة في غزة، إلى عدم الانجرار إلى عسكرة مسيرات العودة، صرّح مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية بأنه كان الاحتجاج الأكثر هدوءًا، منذ بدء مسيرات العودة في 30 مارس/ آذار الفائت.
وعلى المستوى السياسي، قال رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في كلمته، في افتتاح موسم الشتاء، أمام الكنيست، الاثنين الفائت، (15 /10) "أنا أفعل كلّ ما في وسعي لمنع حروب غير ضرورية"، قبل أن يضيف أن "إسرائيل لن تتردّد في القتال عند الضرورة."
وكانت دولة الاحتلال قد أوحت بأنها على شفير حرب واسعة ضد القطاع، وذلك عبر موقف
تتزايد الأخبار عن تجاوزٍ دوليٍّ أُمميٍّ وإقليميّ، لموقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يُهدِّد بفرْضِ مزيدٍ من الإجراءات العقابية على حركة حماس، محمولةً إليها عبْرَ الفلسطينيين في غزة، بحجَّة أنَّ التعاطي مع الحركة يعمِّق الانقسام، أو أنه قد يُؤَبِّده.
وتُعَبِّر اللحظةُ الراهنة عن المأزِق الكبير الذي آلتْ إليه القضيةُ الفلسطينية، وهو نتاجُ مأزِقٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ، وإنسانيّ، من قبل، ولا يتحمَّل الفلسطينيون وحدَهم أسبابه، وإن كان لا يُؤتي ثماره النهائية إلا بهم.
ولذلك فإن ما تبدو أنها خيارات فلسطينية ليست في الحقيقة خيارات، بقدر ما هي إكراهات التاريخ والراهن والجغرافيا. وفي ضوء هذه الخلفية، ينبغي أن تُقرَأ المواقف الفلسطينية، بصفة عامة، إلا من فئة خارجة من المستثمرين بمصائر شعبهم الذين لا يرون ضيراً من الاتّجار السياسي والوطني بفلسطين وقضيتها.
ومع إدراك لتلك الإكراهات، إلا أنه يؤمل أن لا تقود إلى حلقات أضْيَق، وأبْعَد عن جذور القضية، وقد كان اندلاع مسيرات العودة الكبرى، بزخمها وشعاراتها بالعودة، وغيرها، علامةَ عافيةٍ وحيويَّة في الشعب الفلسطيني، بعد ما يزيد عن سبعين عاماً على نكبته وتشرّده عن وطنه.
مؤكَّد أن حركة حماس حقَّقت مكاسب ليست لها فقط، ولكن للكلِّ الفلسطيني، بتلك البنية العسكرية المقاوِمة التي تركت، في اشتباكاتها السابقة، إبّان الحروب الثلاث التي شنّها الاحتلالُ على غزة، تركت علاماتٍ فاخرة، ومجيدة؛ بنية عسكرية منضبطة، وذكيَّة، وشجاعة، على الرغم من كلِّ المعيقات، حيث كان كلُّ تطوُّر تحرزه المقاومةُ يُنقِص من أمان الاحتلال ومستوطنيه، كما يأكل من رصيد زعمائه السياسيين في مسألةٍ لا مزاح فيها عند إسرائيل، وهي الأمن.
ومؤكَّد أيضاً أنه يحقُّ لغزة أن تستبقي حياتَها؛ لأنها حقّها الطبيعي، وتالياً؛ حتى تستطيع أن تؤدّي دورَها في الحفاظ على حياة قضيَّتها الفلسطينية، بالصمود والثبات في الوطن، عوض الهجرة، أو الاختناق البطيء. وممَّا تستطيع "حماس" أن تقوله إنها لم تتنازل عن أيٍّ مِن ثوابتها؛ فلم تعترف بإسرائيل، ولم تقبل أن تكون في تنسيقٍ أمنيٍّ معها، ولم تُعْطِ أيَّ تعهُّدٍ بالتخلِّي عن سلاحها. في مقابل تحسين حياة الفلسطينيين في غزة.
وفي المقابل، لإسرائيل دوافعُها، منها رغبتُها في تهدئة غزة، وتحييدها في هذه الفترة؛ تحسُّبًا لأيِّ تصعيد، أو مواجهة محتملة، على الجبهة الشمالية، في سورية؛ بسبب حالة انعدام اليقين، فيما يتعلَّق بالوجود الإيراني هناك، ولا سيما بعد أن أفضت حادثة إسقاط الطائرة الروسية إلى تزويد موسكو نظامَ الأسد بصواريخ إس 300؛ ما عكس اهتزازاً في العلاقة بين روسيا ودولة الاحتلال. وما قد يجعل من نشاط طائرات الاحتلال فوق الأجواء السورية أكثر خطورة. وهذا ما عبَّر عنه نتنياهو في كلمته، آنفة الذكر، أمام الكنيست، حين حاول الدفاع عن نفسه أمام المزايدين عليه، قال: "إن إسرائيل تعمل، في الوقت الحالي ضد العداء الإيراني، نحن نعمل ضد النظام الإيراني، عسكرياً في سورية، حتى في هذه الأيام".
لكن الخطر الأكبر الذي يتوارى خلف هذه التهدئة الاضطرارية، إنْ وقعت، يتمثَّل في تكريس
وعلى الرغم من أنه لن يكون من السهل على قادة "حماس" وفصائل المقاومة في غزة أن يديروا ظهورَهم للمعركة، إذا اشتدّت في الضفة والقدس، أو عليهما، فإننا لا نستطيع إلغاء هذا التفكير الاستراتيجي من عقلية قادة الاحتلال، باستمرار المباعَدةِ بين غزة والضفة، واستمرار المشاغلة لكلٍّ منهما، بأَمضى الأسلحة، حاليا، وهو السلاح الاقتصادي، حيث المساومة المبطَّنة بين الحاجات المعيشية المُلِحَّة (ولا تقليلَ من شأنها) وتطلُّعات الوطنية بالحرية والتحرير والسيادة. وهو ما يكرَّره المسؤولون والمبعوثون الأميركيون، قريباً جدّاً من التهديد، ومن أَجْدَدِها ما قاله المبعوث الأميركي الخاص، لشؤون الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، في مقال نشرته صحيفة يسرائيل هيوم: "نؤيِّد عملية ازدهار غزة اقتصادياً، ونعارض ما تقوم به حماس، من أحداث أمنية ضدّ إسرائيل، مثل إطلاق الصواريخ، والبالونات الحارقة، وفي حال استمرت هذه الأحداث، ستؤدِّي إلى حرب، التي ستجلب مزيدا من الدمار لغزة".
هذا المآل الذي آلت إليه القضية الفلسطينية حصيلة وضع عربي وفلسطيني منقسم، يفتقر إلى التنبُّه إلى مركز واحد مشترك، فعليا، ولو كثرت فيه الأقاويل.
دلالات
مقالات أخرى
01 أكتوبر 2024
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024