05 نوفمبر 2024
استقالة دي ميستورا ومهمة فاشلة
يأتي إعلان المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أمام مجلس الأمن الدولي، عزمه تقديم استقالته في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، كي يضع حداً لمهمة وساطته الفاشلة التي امتدت أكثر من أربع سنوات، وكُلف بها بعد استقالة المبعوث المشترك، الأممي والعربي، إلى سورية، الأخضر الإبراهيمي، في منتصف مايو/ أيار 2014، إثر إعلانه فشل مهمته، نتيجة مماطلة نظام الأسد، وتعنّته وغطرسته التي أوصلت مفاوضات جنيف -2 إلى طريق مسدود، ولم يجد بداً سوى تقديم الاعتذار إلى الشعب السوري.
وعلى الرغم من أن دي ميستورا أمضى سنوات ثقيلة من مهمته، من دون أن يحقق شيئاً في التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، من خلال تطبيق القرارات الأممية، وخصوصاً القرار 2254، إلا أنه أبدى حماسة غير مسبوقة في مواصلة مهمته فيما تبقى له من فترةٍ لا تتعدى الشهر ونصف الشهر، وبات سقف ما يتمنى التوصل إليه تشكيل اللجنة الدستورية، وفق مخرجات مؤتمر سوتشي، ولذلك راح يُمنّي نفسه بالحصول على موافقة نظام الأسد، وحليفه الروسي ونظام الملالي الإيراني، على قائمة الثلث الثالث، كي يكتمل تشكيل اللجنة الدستورية الموعودة.
وكان دي ميستورا قد بدأ مهمته، في العاشر من يوليو/ تموز 2014، بخطة فاشلة، وكانت تقضي بوقف إطلاق نار جزئي، من خلال البدء في "تجميد المعارك في حلب"، ووقف إطلاق النار فيها ستة أسابيع، لكنه فشل في تسويقها، ثم آثر الصمت على ما تقوم به قوات الأسد من مجازر وعمليات قتل يومي وممنهج ضد الحاضنة الشعبية للثورة السورية، ووقف متفرجاً على مجازر الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرّة، وعلى مختلف فصول مأساة غالبية السوريين التي لم تنته.
والمشكلة في وساطة دي ميستورا الأممية ليست في قلة خبرته وتجربته وحنكته، ولا في حسابه الزائد للتوازنات الدولية المؤثرة في القضية السورية، بل في منطلق تعامله معها منذ البداية، إذ انطلق من قناعة مفادها بأن أصل القضية وفصلها صراع مسلح بين النظام والمعارضة، وتعامى عن أن أصل المشكلة هو نظامٌ مستبدٌ، خرج ملايين السوريين ضده في تظاهرات سلمية، وواجههم بالعنف والقتل.
ويعبّر منطلق تعامل دي ميستورا عن أزمة عميقة لديه، تأخذ بنتائج الأزمات، من دون النظر إلى جذورها وأسبابها، وهذا ما قاده إلى التعامل مع القضية السورية، بوصفها نزاعاً مسلحاً، وليس ثورة شعبٍ ضد طغيان نظام مستبد، ولذلك لم يأخذ في حسبانه التعامل مع المسألة السورية من جانبيها، الأخلاقي والإنساني، بل كان في كل مواقفه يساوي بين الضحية والجلاد.
وقد قاد منطلق تعامل دي ميستورا الخاطئ مع القضية السورية إلى تركيز جهوده على أطراف الصراع وحلفائهم، وانحاز إلى الطرف القوي أولاً، وإلى من يحمل السلاح ثانياً، أما المدنيون فقد نظر إليهم بوصفهم ضحايا، فتعامى عن قتل نظام الأسد وحلفائه نحو مليون سوري أعزل، وعن عشرات آلاف المعتقلين، وعن تشريد نصف سكان سورية. ولم يكتف بذلك كله، بل ساير وتكّيف مع كل العراقيل التي كان يضعها النظام وحلفاؤه، وما يزالون، أمام تنفيذ مهمته الأممية، وصمت عن جرائم نظام الأسد ومجازره، بما فيها جرائم السلاح الكيميائي، وساير التدخل المليشياوي لنظام الملالي الإيراني، وكذلك التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام الأسد الإجرامي، وراح يسوّق مقولة انتصار نظام الأسد، وأن المعارضة لم تربح الحرب، ويدعوها إلى الواقعية التي تعني تقديم مزيدٍ من التنازلات، مع تشديده على توحيد منصّات المعارضة التي كانت تطالب بها موسكو، والتي عنت تمييع مواقف المعارضة الذي تحقق بإرادة دولية وإقليمية في اجتماع الرياض2، وانبثقت عنه هيئة تفاوض، تجمع منصّتي موسكو والقاهرة إلى جانب منصّة الرياض.
ولا يعجز المتابع لأداء دي ميستورا عن ملاحظة بطئه في تنفيذ مهمته، ولا عن أنه كان يدور في حلقةٍ مفرغةٍ منذ تكليفه بالوساطة الأممية، ولذلك سجّل فشلاً واضحاً في أداء أيّ دور إيجابي في اتجاه الحل السياسي، إذ لم يتمكّن من تحقيق خفض ما يسمى "مستوى العنف"، حتى في مواقع كان لدى أطراف الصراع بعضُ الاستعداد، للوصول إلى هذه الغاية المطلوبة.
وخلال جولات جنيف التسع، راوح دي ميستورا في مكانه من دون تحقيق أي تقدّم، أو كسر الجمود في القضية السورية، ولذلك يمكن القول إن الأمم المتحدة ومبعوثيها ساهموا في إطالة أمد الصراع، من خلال لعبة كسب الوقت، واستخدامهم جملاً دبلوماسيةً وعبارات منمقة لإرضاء جميع الأطراف، وخصوصاً الطرف الروسي الذي باتت له اليد الطولى في القضية السورية، ولذلك لم يقدّموا شيئاً سوى عقد المؤتمرات والاجتماعات والمؤتمرات الصحافية التي فشلت جميعها.
طُرحت أسئلة وتساؤلات كثيرة بشأن دور الأمم المتحدة في القضية السورية، وكان تعيين دي ميستورا، بمثابة المعّبر الأوضح عن أزمة المبعوثين الأمميين إلى سورية، وإضاعتهم البوصلة، وضلالهم طريق الحل، حيث أثار تعيينه، من جديد، أسئلةً حول الدور الأممي في بلدان الثورات العربية، وعمّا إذا كان هذا الدور يهدف بالفعل إلى إيجاد حلول، تلبي طموحات الشعوب العربية في الحرية والتحرّر، أم أنه بات يشكل عامل إعاقة للتحولات الديمقراطية في هذه البلدان.
ولعل القضية السورية تقدم نموذجاً في هذا السياق، حيث أن الثورة السورية، التي بدأت في منتصف مارس/ آذار 2011، كانت سلمية الطابع ووطنية التوّجه. وقد وقف العالم متفرّجاً على صور قتل السوريين السلميين من قوات النظام وأجهزته الأمنية شهوراً عديدة، من دون أن تتحرّك قوى المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة لوقف نزيف دمائهم، فيما استغل نظام الأسد وحلفاؤه الوقت، كي يعملوا على تجريد الثورة من طابعها السلمي، وعلى إفقادها سمتها الوطنية، فحاول نظام الأسد، منذ البداية، ومعه كل القوى والدول الخائضة في الدم السوري، بشتّى الوسائل والسبل، حرف الثورة عن طريقها السلمي الذي بدأته، وتشويه طابعها الوطني الديمقراطي التحرّري، الهادف إلى الخلاص من الاستبداد، ونيل الحرية واسترجاع الكرامة، وتطبيق العدالة.
وعلى الرغم من أن دي ميستورا أمضى سنوات ثقيلة من مهمته، من دون أن يحقق شيئاً في التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية، من خلال تطبيق القرارات الأممية، وخصوصاً القرار 2254، إلا أنه أبدى حماسة غير مسبوقة في مواصلة مهمته فيما تبقى له من فترةٍ لا تتعدى الشهر ونصف الشهر، وبات سقف ما يتمنى التوصل إليه تشكيل اللجنة الدستورية، وفق مخرجات مؤتمر سوتشي، ولذلك راح يُمنّي نفسه بالحصول على موافقة نظام الأسد، وحليفه الروسي ونظام الملالي الإيراني، على قائمة الثلث الثالث، كي يكتمل تشكيل اللجنة الدستورية الموعودة.
وكان دي ميستورا قد بدأ مهمته، في العاشر من يوليو/ تموز 2014، بخطة فاشلة، وكانت تقضي بوقف إطلاق نار جزئي، من خلال البدء في "تجميد المعارك في حلب"، ووقف إطلاق النار فيها ستة أسابيع، لكنه فشل في تسويقها، ثم آثر الصمت على ما تقوم به قوات الأسد من مجازر وعمليات قتل يومي وممنهج ضد الحاضنة الشعبية للثورة السورية، ووقف متفرجاً على مجازر الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرّة، وعلى مختلف فصول مأساة غالبية السوريين التي لم تنته.
والمشكلة في وساطة دي ميستورا الأممية ليست في قلة خبرته وتجربته وحنكته، ولا في حسابه الزائد للتوازنات الدولية المؤثرة في القضية السورية، بل في منطلق تعامله معها منذ البداية، إذ انطلق من قناعة مفادها بأن أصل القضية وفصلها صراع مسلح بين النظام والمعارضة، وتعامى عن أن أصل المشكلة هو نظامٌ مستبدٌ، خرج ملايين السوريين ضده في تظاهرات سلمية، وواجههم بالعنف والقتل.
ويعبّر منطلق تعامل دي ميستورا عن أزمة عميقة لديه، تأخذ بنتائج الأزمات، من دون النظر إلى جذورها وأسبابها، وهذا ما قاده إلى التعامل مع القضية السورية، بوصفها نزاعاً مسلحاً، وليس ثورة شعبٍ ضد طغيان نظام مستبد، ولذلك لم يأخذ في حسبانه التعامل مع المسألة السورية من جانبيها، الأخلاقي والإنساني، بل كان في كل مواقفه يساوي بين الضحية والجلاد.
وقد قاد منطلق تعامل دي ميستورا الخاطئ مع القضية السورية إلى تركيز جهوده على أطراف الصراع وحلفائهم، وانحاز إلى الطرف القوي أولاً، وإلى من يحمل السلاح ثانياً، أما المدنيون فقد نظر إليهم بوصفهم ضحايا، فتعامى عن قتل نظام الأسد وحلفائه نحو مليون سوري أعزل، وعن عشرات آلاف المعتقلين، وعن تشريد نصف سكان سورية. ولم يكتف بذلك كله، بل ساير وتكّيف مع كل العراقيل التي كان يضعها النظام وحلفاؤه، وما يزالون، أمام تنفيذ مهمته الأممية، وصمت عن جرائم نظام الأسد ومجازره، بما فيها جرائم السلاح الكيميائي، وساير التدخل المليشياوي لنظام الملالي الإيراني، وكذلك التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام الأسد الإجرامي، وراح يسوّق مقولة انتصار نظام الأسد، وأن المعارضة لم تربح الحرب، ويدعوها إلى الواقعية التي تعني تقديم مزيدٍ من التنازلات، مع تشديده على توحيد منصّات المعارضة التي كانت تطالب بها موسكو، والتي عنت تمييع مواقف المعارضة الذي تحقق بإرادة دولية وإقليمية في اجتماع الرياض2، وانبثقت عنه هيئة تفاوض، تجمع منصّتي موسكو والقاهرة إلى جانب منصّة الرياض.
ولا يعجز المتابع لأداء دي ميستورا عن ملاحظة بطئه في تنفيذ مهمته، ولا عن أنه كان يدور في حلقةٍ مفرغةٍ منذ تكليفه بالوساطة الأممية، ولذلك سجّل فشلاً واضحاً في أداء أيّ دور إيجابي في اتجاه الحل السياسي، إذ لم يتمكّن من تحقيق خفض ما يسمى "مستوى العنف"، حتى في مواقع كان لدى أطراف الصراع بعضُ الاستعداد، للوصول إلى هذه الغاية المطلوبة.
وخلال جولات جنيف التسع، راوح دي ميستورا في مكانه من دون تحقيق أي تقدّم، أو كسر الجمود في القضية السورية، ولذلك يمكن القول إن الأمم المتحدة ومبعوثيها ساهموا في إطالة أمد الصراع، من خلال لعبة كسب الوقت، واستخدامهم جملاً دبلوماسيةً وعبارات منمقة لإرضاء جميع الأطراف، وخصوصاً الطرف الروسي الذي باتت له اليد الطولى في القضية السورية، ولذلك لم يقدّموا شيئاً سوى عقد المؤتمرات والاجتماعات والمؤتمرات الصحافية التي فشلت جميعها.
طُرحت أسئلة وتساؤلات كثيرة بشأن دور الأمم المتحدة في القضية السورية، وكان تعيين دي ميستورا، بمثابة المعّبر الأوضح عن أزمة المبعوثين الأمميين إلى سورية، وإضاعتهم البوصلة، وضلالهم طريق الحل، حيث أثار تعيينه، من جديد، أسئلةً حول الدور الأممي في بلدان الثورات العربية، وعمّا إذا كان هذا الدور يهدف بالفعل إلى إيجاد حلول، تلبي طموحات الشعوب العربية في الحرية والتحرّر، أم أنه بات يشكل عامل إعاقة للتحولات الديمقراطية في هذه البلدان.
ولعل القضية السورية تقدم نموذجاً في هذا السياق، حيث أن الثورة السورية، التي بدأت في منتصف مارس/ آذار 2011، كانت سلمية الطابع ووطنية التوّجه. وقد وقف العالم متفرّجاً على صور قتل السوريين السلميين من قوات النظام وأجهزته الأمنية شهوراً عديدة، من دون أن تتحرّك قوى المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة لوقف نزيف دمائهم، فيما استغل نظام الأسد وحلفاؤه الوقت، كي يعملوا على تجريد الثورة من طابعها السلمي، وعلى إفقادها سمتها الوطنية، فحاول نظام الأسد، منذ البداية، ومعه كل القوى والدول الخائضة في الدم السوري، بشتّى الوسائل والسبل، حرف الثورة عن طريقها السلمي الذي بدأته، وتشويه طابعها الوطني الديمقراطي التحرّري، الهادف إلى الخلاص من الاستبداد، ونيل الحرية واسترجاع الكرامة، وتطبيق العدالة.