29 سبتمبر 2024
عن وجود عسكري أميركي في تونس
نشرت، يوم 18 سبتمبر/ أيلول المنقضي، الدورية الأميركية ناشيونال إنترست، التي تعنى بالشؤون الخارجية الأميركية، وتصدر عن مركز نيكسون، مقالا بعنوان "الولايات المتحدة توسّع حربها في تونس"، ثم أعادت نشره مترجما إلى العربية صحفٌ إلكترونية ومنصات افتراضية عربية كثيرة. ومن أهم ما جاء في هذا المقال (أو التقرير) مشاركة قوات من مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في عمليات قتالية في جبل سمامة في ولاية (محافظة) القصرين سنة 2017 التي تعيش على وقع الصراع مع التنظيمات الجهادية الإرهابية منذ سنة 2011. ويشير المقال إلى أن القوات الأميركية اشتبكت، يوم 28 فبراير/ شباط 2017، مع مسلحين من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو ما تعرف بكتيبة عقبة بن نافع، ما أدى إلى جرح جندي أميركي وآخر تونسي. وجاء المقال على تفاصيل فنية وعسكرية للمعركة، وعلى بعض جوانبها وحيثياتها، من دون تشريحها بصفة دقيقة ومفصلة، تفاديا لما قد تثيره من إحراج للرئاسة التونسية، المسؤولة دستوريا عن الجوانب الأمنية والعلاقات الخارجية في الدولة، ومن احتجاجات شعبية في بلد عربي، عُرف عن شعبه وقواه الحية ونخبه الحزبية والمدنية والنقابية الغالبة رفضها الراديكالي سياسات الولايات المتحدة الاستعمارية، واحتلالها بلدانا عربية، مثل العراق وأجزاء من سورية، وتدخلها العسكري في ليبيا، وإقامة قواعدها العسكرية على أراضي دول في الخليج، ووقوفها غير المشروط إلى جانب الدولة الصهيونية وضد القضية الفلسطينية.
تؤكد المعلومات في مقال "ناشيونال إنترست" الوجود العسكري الأميركي في تونس، بقطع النظر عن حجمه. انفضح هذا الوجود في مناسبة سابقة، لمّا نشرت مواقع عسكرية أميركية، منها مجلة القوات الجوية الأميركية، حيثيات محاكمة ضابط أميركي، يدعى دينيس باكيت، متهم في قضية جنسية، أخذت منحى فضائحيا، بإقامة "علاقة غرامية غير مهنية" مع قائدة طائرة تصغره بعشرين عامًا متحرّشا بها في أثناء عملهما. ووقعت هذه الحادثة في القاعدة الاستطلاعية الجوية الأميركية رقم 722 التي كان باكيت يرأسها، والموجودة في القاعدة العسكرية، سيدي أحمد، في ولاية بنزرت في تونس، وتضم طائرات استطلاع بدون طيار. كما أن وقائع أخرى كثيرة تثيرها الصحافة الأميركية، من حين إلى آخر، حول الوجود العسكري الأميركي الذي تبرّره السلطات التونسية ببيانات مستنسخة من بعضها بعضا، تؤكّد أن الأمر لا يتجاوز تبادل الخبرات العسكرية والتبادل العسكري، على حد تعبير الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية الذي وصف حديث الصحف الإلكترونية والصفحات الافتراضية عن مقاتلين من المارينز شاركوا في معارك في جبل سمامة ضد تنظيم القاعدة بالأنباء "السخيفة والعارية عن الصحة تماما".
لا جدوى من الدخول في استعراض وقائع التعاون العسكري الأميركي وتفاصيله التي يحضر صداها في الصحافات، الأميركية والفرنسية والإيطالية والجزائرية، التي تهتم بالانتشار الإقليمي للقوات الأميركية، بقطع النظر عن مدى محدوديته أو توسّعه، على مدى السنوات التي تلت سقوط نظام بن علي، والدور الذي تقوم به القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، ومختلف أشكالها، مثل تهيئة بعض المستشفيات أو تمويل المنطقة العازلة الحدودية في الجنوب التونسي (20 مليون دولار)، أو توفير معدات عسكرية ولوجستيكية للأمن والحرس التونسيين لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتعشة في ليبيا في المرحلة ما بعد القذافية، أو في الجبال الفاصلة بين تونس والجزائر، فتلك من الأمور المعلومة في علاقة الدولتين، لكن الجدوى في الإشارة إلى أن تونس وقّعت، مباشرةً بعد صعود الباجي قائد السبسي إلى هرم الحكم على إثر انتخابات 2014 الرئاسية، مذكّرة تفاهم مع الحكومة الأميركية، أمضاها عن الجانب التونسي مستشار رئيس الجمهورية آنذاك محسن مرزوق، وعن الجانب الأميركي وزير الخارجية، جون كيري، في 21 مايو/ أيار 2015. عنوانها "مذكرة التفاهم للتعاون طويل المدى بين تونس والولايات المتحدة الأميركية". ونصّت في أحد بنودها المعلومة على التزام الجانبين بضمان أمن البلدين، وتولّي الولايات المتحدة دعم القدرات الأمنية والدفاعية لتونس، ومزيد من تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب من خلال برامج تمويل اقتناء التجهيزات العسكرية وبرامج التكوين العسكري والأمني.
ولقد مكّنت المذكرة تونس من أن تكون حليفا رئيسيا للولايات المتحدة الأميركية من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضمن تحالفها مع خمس عشرة دولة، بينها دولة الكيان الصهيوني. وفرضت عليها الالتزام بما يقتضيه هذا الحلف من بنود، منها الدخول في مشاريع بحث وتنمية وتعاون وتكوين مع وزارة الدفاع الأميركية، على قاعدة تقاسم النفقات والاشتراك في مكافحة الإرهاب، وخزن واستخدام قذائف اليورانيوم المنضب المضادة للدبابات، المحظورة على الأراضي الأميركية، وصيانة المعدات العسكرية الأميركية خارج الولايات المتحدة، وتوفير التسهيلات والخدمات والبنية الأساسية والمواقع المتقدّمة للجيش الأميركي وجهاز المخابرات وتمكينهما من المعلومات. وبموجب ذلك، لا أسرار عسكرية وأمنية خاصة بمثل تلك الدول الحليفة.
ولم يجد الرئيس الباجي قائد السبسي، وحزبه نداء تونس، حرجا في توقيع هذه المذكرة التي تعتمدها الولايات المتحدة أرضية قانونية لتبرير وجودها العسكري في تونس، مهما كان حجمه، فهو سليل مدرسة دستورية بورقيبية قديمة، كانت تستظل دائما بالولايات المتحدة الأميركية سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، حتى بلغ الأمر بتونس، زمن الرئيس الحبيب بورقيبة، بأن تكون الدولة الوحيدة في الأمم المتحدة التي كانت تصوّت إلى جانب كوستاريكا لصالح أميركا في القضية الفيتنامية، كما يروي وزير خارجية تونس في السبعينيات، محمد المصمودي.
وتتجنب حركة النهضة، وهي الحزب الأول في الانتخابات المحلية لسنة 2018، وصاحب أكبر كتلة في البرلمان، والشريك في الحكومة والحكم منذ نهاية سنة 2011، إثارة هذا
التحالف الاستراتيجي بين تونس والولايات المتحدة، وإعطاء موقفٍ من مذكرة التفاهم التونسي الأميركي التي تسلب تونس جزءا من سيادتها بأن تُعطي شرعيةً قانونيةً للوجود العسكري الأميركي، حتى وإن كان ذلك في شكل موطئ قدم للطائرات الأميركية بدون طيار، ناهيك عن أن يكون قاعدةً عسكرية بأكملها، فحركة النهضة تلهث وراء اللوبيات ومراكز القرار ومعاهد البحث الفاعلة في الولايات المتحدة الأميركية، مثل معهد واشنطن، الصهيوني التوجه الذي حاضر من أعلى منبره زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، سنة 2011، ولجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) التي استقبلت الغنوشي على هامش زيارته الولايات المتحدة سنة 2013، حسب مدوناتٍ وصحفٍ إلكترونية غربية نشرت الخبر الذي نفته حركة النهضة.
ليست المفارقة فقط في أن مذكرة التفاهم التونسي الأميركي واستتباعاتها العسكرية والأمنية والسياسية، ومنها إدخال تونس في سياسة الأحلاف العسكرية والسياسية والاستراتيجية التي نأت بنفسها عن الانخراط فيها في أزمنة سياسية مهمةٍ من تاريخها، لاقت الصمت المطبق من الحزب الأكبر في تونس، حركة النهضة (الإسلامية)، ما قد يناقض حتى الرأي العام الغالب في تلك الحركة التي كثيرا ما يتباهى أنصارها ومريدوها بمعاداتهم الدور الاستعماري للولايات المتحدة، وحمايتها الدولة الصهيونية ومساعدتها بكل أنواع الأسلحة، والإمكانات المادية والسياسية، على حساب أعدل قضية، أي القضية الفلسطينية والمفارقة أيضا في أن هذا الوجود العسكري المرتكز على مذكرة التفاهم يتم من خارج البرلمان التونسي الذي يمثل السلطة الأصلية الشرعية الممثلة للتونسيين، إذ لم يحدث أن ناقش هذا البرلمان أو أعطى رأيا أو موقفا أو صوّت بالإيجاب أو السلب على مذكرة التفاهم التونسي الأميركي، وعلى الوجود العسكري الأميركي في تونس، الأمر الذي يتناقض بصفة صارخة مع مبدأي السيادة والديمقراطية، التونسية والأميركية، على حدّ سواء.
تؤكد المعلومات في مقال "ناشيونال إنترست" الوجود العسكري الأميركي في تونس، بقطع النظر عن حجمه. انفضح هذا الوجود في مناسبة سابقة، لمّا نشرت مواقع عسكرية أميركية، منها مجلة القوات الجوية الأميركية، حيثيات محاكمة ضابط أميركي، يدعى دينيس باكيت، متهم في قضية جنسية، أخذت منحى فضائحيا، بإقامة "علاقة غرامية غير مهنية" مع قائدة طائرة تصغره بعشرين عامًا متحرّشا بها في أثناء عملهما. ووقعت هذه الحادثة في القاعدة الاستطلاعية الجوية الأميركية رقم 722 التي كان باكيت يرأسها، والموجودة في القاعدة العسكرية، سيدي أحمد، في ولاية بنزرت في تونس، وتضم طائرات استطلاع بدون طيار. كما أن وقائع أخرى كثيرة تثيرها الصحافة الأميركية، من حين إلى آخر، حول الوجود العسكري الأميركي الذي تبرّره السلطات التونسية ببيانات مستنسخة من بعضها بعضا، تؤكّد أن الأمر لا يتجاوز تبادل الخبرات العسكرية والتبادل العسكري، على حد تعبير الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية الذي وصف حديث الصحف الإلكترونية والصفحات الافتراضية عن مقاتلين من المارينز شاركوا في معارك في جبل سمامة ضد تنظيم القاعدة بالأنباء "السخيفة والعارية عن الصحة تماما".
لا جدوى من الدخول في استعراض وقائع التعاون العسكري الأميركي وتفاصيله التي يحضر صداها في الصحافات، الأميركية والفرنسية والإيطالية والجزائرية، التي تهتم بالانتشار الإقليمي للقوات الأميركية، بقطع النظر عن مدى محدوديته أو توسّعه، على مدى السنوات التي تلت سقوط نظام بن علي، والدور الذي تقوم به القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، ومختلف أشكالها، مثل تهيئة بعض المستشفيات أو تمويل المنطقة العازلة الحدودية في الجنوب التونسي (20 مليون دولار)، أو توفير معدات عسكرية ولوجستيكية للأمن والحرس التونسيين لمواجهة التنظيمات الإرهابية المنتعشة في ليبيا في المرحلة ما بعد القذافية، أو في الجبال الفاصلة بين تونس والجزائر، فتلك من الأمور المعلومة في علاقة الدولتين، لكن الجدوى في الإشارة إلى أن تونس وقّعت، مباشرةً بعد صعود الباجي قائد السبسي إلى هرم الحكم على إثر انتخابات 2014 الرئاسية، مذكّرة تفاهم مع الحكومة الأميركية، أمضاها عن الجانب التونسي مستشار رئيس الجمهورية آنذاك محسن مرزوق، وعن الجانب الأميركي وزير الخارجية، جون كيري، في 21 مايو/ أيار 2015. عنوانها "مذكرة التفاهم للتعاون طويل المدى بين تونس والولايات المتحدة الأميركية". ونصّت في أحد بنودها المعلومة على التزام الجانبين بضمان أمن البلدين، وتولّي الولايات المتحدة دعم القدرات الأمنية والدفاعية لتونس، ومزيد من تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب من خلال برامج تمويل اقتناء التجهيزات العسكرية وبرامج التكوين العسكري والأمني.
ولقد مكّنت المذكرة تونس من أن تكون حليفا رئيسيا للولايات المتحدة الأميركية من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضمن تحالفها مع خمس عشرة دولة، بينها دولة الكيان الصهيوني. وفرضت عليها الالتزام بما يقتضيه هذا الحلف من بنود، منها الدخول في مشاريع بحث وتنمية وتعاون وتكوين مع وزارة الدفاع الأميركية، على قاعدة تقاسم النفقات والاشتراك في مكافحة الإرهاب، وخزن واستخدام قذائف اليورانيوم المنضب المضادة للدبابات، المحظورة على الأراضي الأميركية، وصيانة المعدات العسكرية الأميركية خارج الولايات المتحدة، وتوفير التسهيلات والخدمات والبنية الأساسية والمواقع المتقدّمة للجيش الأميركي وجهاز المخابرات وتمكينهما من المعلومات. وبموجب ذلك، لا أسرار عسكرية وأمنية خاصة بمثل تلك الدول الحليفة.
ولم يجد الرئيس الباجي قائد السبسي، وحزبه نداء تونس، حرجا في توقيع هذه المذكرة التي تعتمدها الولايات المتحدة أرضية قانونية لتبرير وجودها العسكري في تونس، مهما كان حجمه، فهو سليل مدرسة دستورية بورقيبية قديمة، كانت تستظل دائما بالولايات المتحدة الأميركية سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، حتى بلغ الأمر بتونس، زمن الرئيس الحبيب بورقيبة، بأن تكون الدولة الوحيدة في الأمم المتحدة التي كانت تصوّت إلى جانب كوستاريكا لصالح أميركا في القضية الفيتنامية، كما يروي وزير خارجية تونس في السبعينيات، محمد المصمودي.
وتتجنب حركة النهضة، وهي الحزب الأول في الانتخابات المحلية لسنة 2018، وصاحب أكبر كتلة في البرلمان، والشريك في الحكومة والحكم منذ نهاية سنة 2011، إثارة هذا
ليست المفارقة فقط في أن مذكرة التفاهم التونسي الأميركي واستتباعاتها العسكرية والأمنية والسياسية، ومنها إدخال تونس في سياسة الأحلاف العسكرية والسياسية والاستراتيجية التي نأت بنفسها عن الانخراط فيها في أزمنة سياسية مهمةٍ من تاريخها، لاقت الصمت المطبق من الحزب الأكبر في تونس، حركة النهضة (الإسلامية)، ما قد يناقض حتى الرأي العام الغالب في تلك الحركة التي كثيرا ما يتباهى أنصارها ومريدوها بمعاداتهم الدور الاستعماري للولايات المتحدة، وحمايتها الدولة الصهيونية ومساعدتها بكل أنواع الأسلحة، والإمكانات المادية والسياسية، على حساب أعدل قضية، أي القضية الفلسطينية والمفارقة أيضا في أن هذا الوجود العسكري المرتكز على مذكرة التفاهم يتم من خارج البرلمان التونسي الذي يمثل السلطة الأصلية الشرعية الممثلة للتونسيين، إذ لم يحدث أن ناقش هذا البرلمان أو أعطى رأيا أو موقفا أو صوّت بالإيجاب أو السلب على مذكرة التفاهم التونسي الأميركي، وعلى الوجود العسكري الأميركي في تونس، الأمر الذي يتناقض بصفة صارخة مع مبدأي السيادة والديمقراطية، التونسية والأميركية، على حدّ سواء.