09 نوفمبر 2024
رؤساء الجمهورية يعارضون المرشد
بينما تشهد الانتفاضة الإيرانية حالة انحسار، من دون أن تنطفئ جذوتها أو تزول أسبابها، فإن تصريحاتٍ لشخصيات سياسية وازنة لا تتوقف، وتنطوي على نقدٍ غير مسبوق للسلطة الحاكمة، ومنها على الخصوص ما أفضى به أخيرا، الرئيس حسن روحاني الذي حذّر من عدم الاستماع لصوت الشعب، مستعيدا أمثولة شاه إيران الذي صمّ أذنيه عن أصوات شعبه. محذرا من مصير كمصير الإمبراطور السابق. وروحاني ليس معارضا في المنفى، حيث الإقامة في الخارج بحد ذاتها تهمة جسيمة تلحق بالمعارضين، إنه رئيس الجمهورية المنتخب، وليس أقل من ذلك، والذي فاز بأصوات شعبه للمرة الثانية على التوالي. والواضح أن الرجل يستند إلى صفته التمثيلية هذه في توجيه انتقاداته "الراديكالية" بأكثر من استناده إلى منصبه الرفيع الخالي من الصلاحيات. وهو بذلك يعتبر نفسه، وعن حق، أعلى مسؤول منتخب في البلاد. ومشكلة روحاني أنه إذ يتقدم متفهّما انتفاضة الشبان، فإنه، في الوقت نفسه، يقصر انتقاداته على الأداء السلطوي، وليس على بنية السلطة التي تؤبّد وجود رجال الدين على أعلى الهرم الحاكم، وتعفيهم من المساءلة، وتمنحهم حصانة شبه مطلقة، وهو ما يتناقض مع مفاهيم أي حكم تشاركي، وما يجعل الآليات الانتخابية لعبةً مقيدةً في أيدي نخبة حاكمة تتولى صيانة الدستور (منع مراجعته وتطويره)، وتشخيص مصلحة النظام، بدلاً من السهر على مصلحة الدولة والشعب والوطن، وترفع من شأن مؤسسة الحرس الثوري التي تم ابتداعها جهةً عسكرية عليا، وتنصيبها فوق الجيش الوطني المهني.
وإذ تعرّض روحاني، على مدى الأعوام الخمسة الماضية، لانتقادات وجيهة بأنه يجاري
السياسات التسلطية في الداخل والخارج، وأنه أقرب إلى المحافظين منه إلى الإصلاحيين، فإن انتفاضة الشبان قد قرعت جرس الخطر حول مصير النظام. وقد سمع روحاني هذا القرع بخلاف بقية المسؤولين الذين لا يصغون إلا لأنفسهم. ويسترعي الانتباه أن روحاني ما زال يتحدث باسمه، ويصدر عن موقعه الرسمي، ولكن من دون انفتاحٍ على تيارات إصلاحية، ومن دون أن يشق لنفسه تيارا سياسيا يُعتد به. بما يجعله أقرب إلى نموذج هاشمي رفسنجاني الذي قضى في ظروف غامضة مطلع العام 2017 منه إلى الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، صاحب المشروع الإصلاحي المنفتح.
وصوت روحاني المرتفع هذه الأيام هو الثاني بعد محمود أحمدي نجاد الذي ينعى على النظام فساده، ويحرمه من الترشّح مرة أخرى للرئاسة. وتصريحات نجاد، في هذا الإطار، سابقة على الانتفاضة الشبابية، ولم يلحظ له موقف من الاحتجاجات، لكن مواقفه أسهمت برفع الغطاء عن النظام، ونزعت عنه "قدسيته"، وأضفت مزيدا من المشروعية على الانتفاضة، وذلك في وجه نظامٍ يعتبر أن لا شيء في الداخل يستحق الشكوى منه، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مؤامراتٍ خارجيةً محبوكة ضد الجمهورية الإسلامية. ونجاد بعيد عن روحاني، وعلى مبعدة أكبر من الإصلاحيين، وتكمن أهمية انتقاداته في أنها تصدر، هذه المرة، عن تيار محافظ ينتمي إليه نجاد، بما يؤشر على تشققات للنظام، من دون أن يصل الأمر إلى تهديد النظام الذي يتمحور حول المرشد والحرس الثوري.
وبعيدا عن روحاني ونجاد، يقف رئيس البرلمان السابق، مهدي كروبي، القابع منذ سبع سنوات في الإقامة الجبرية، والذي يحظى باحترام واسع في الأوساط الدينية والشعبية، فقد تساوق الرجل مع الانتفاضة بصورة حثيثة، ووجّه انتقادات مباشرة للمرشد علي خامئني وللحرس الثوري ولمجلس صيانة الدستور، وشكك في سلامة الانتخابات الرئاسية، بما يجعله صوت
المعارضة الأقوى والأوضح، وهي انتقاداتٌ لا تلقى ردودا من السلطة التي تتحسّب من أي تفاعل شعبي قد يثيره السجال مع الرجل الذي سبق أن قاد الحركة الخضراء مع مير حسين موسوي، ويتزعم حزب الثقة الوطني، على الرغم من تقييد حركته منذ عام 2011، والذي تمنح مواقفه مزيدا من المصداقية للانتفاضة التي ووجهت بمنوعاتٍ من القمع والتنكيل، منها تعذيب المحتجين الشبان حتى الموت، وهو ما يفسر هدوء الانتفاضة في الشارع، وتحولها إلى إضرابات عمالية، احتجاجاً إما على إغلاق مصانع أو على الغلاء المتصاعد، حيث لا يملك النظام ما يسعفه على إصلاح الأزمة الاقتصادية العميقة والمستعصية، والتي تجد سندا لها في احتكار السلطة، وفي تغول الحرس الثوري على مفاتيح الحياة الاقتصادية من شركات ومصارف ومصانع وخزينة عامة.
ويبقى أن التشقق الذي طرأ على النظام، وجعل من رئيس الجمهورية معارضا للنظام من داخله، يفرض تحدياتٍ على الحركة الإصلاحية بمختلف تلاوينها، ومكوناتها التقليدية والمعتدلة والراديكالية، فقد أثبتت التطورات والانتفاضات الدورية أن حركة الشارع تسبقها دائما، وأن المعارضة من داخل النظام مهددة دائما بالحصار والتصفية، كما كان حال أبو الحسن بني صدر، وهاشمي رفسنجاني من قبل.
ويسترعي الانتباه أن خمسة رؤساء للجمهورية، هم بني صدر ورفسنجاني (ولايتان) ومحمد خاتمي (ولايتان) ومحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني (ولايتان)، قد انتهوا جميعا إلى مواقف أقرب للمعارضة. وتفسير ذلك في تمركز السلطة بيد المرشد والحرس الثوري، وخلو موقع رئاسة الجمهورية من صلاحيات في الشؤون السيادية، وحيث يكتفي الرئيس بمراقبة الأحداث ومتابعة مواقف الجمهورية الإسلامية عبر وسائل الإعلام التي تخضع لسلطة مباشرة من المرشد. ما يدل على أن بنية الحكم غير قابلة للتطويع والمرونة، وأنها تتجه في اتجاه وحيد، هو الاحتكار والتمركز مع أعلى شحنة من الأيديولوجيا والبروباغندا الثورية، للتغطية على النهج الديكتاتوري في الداخل، وعلى النزعة الإمبراطورية في الخارج. ويستحق الإشارة خلال ذلك إلى أن كتلة المتضرّرين من النظام تتسع أكثر فأكثر على وقع الأزمات، من غير أن تعثر الحركة الإصلاحية التي تضم طيفا واسعا على إطار تنظيمي، أو ائتلافي مشترك، يوحّد عملها ويؤطّر جهودها. ومع استمرار الانقطاع بين معارضتي الداخل والخارج والتوجس من التواصل مع الأخيرة، وكذلك غياب التواصل مع المعارضات القومية غير الفارسية التي تتعرّض للتنكيل المتعاظم على خلفيات عرقية ودينية وسياسية، وهو ما اتضح في مجريات الانتفاضة التي لم تمنحها الحركات الإصلاحية فرصة التثمير السياسي لتضحياتها.
وإذ تعرّض روحاني، على مدى الأعوام الخمسة الماضية، لانتقادات وجيهة بأنه يجاري
وصوت روحاني المرتفع هذه الأيام هو الثاني بعد محمود أحمدي نجاد الذي ينعى على النظام فساده، ويحرمه من الترشّح مرة أخرى للرئاسة. وتصريحات نجاد، في هذا الإطار، سابقة على الانتفاضة الشبابية، ولم يلحظ له موقف من الاحتجاجات، لكن مواقفه أسهمت برفع الغطاء عن النظام، ونزعت عنه "قدسيته"، وأضفت مزيدا من المشروعية على الانتفاضة، وذلك في وجه نظامٍ يعتبر أن لا شيء في الداخل يستحق الشكوى منه، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مؤامراتٍ خارجيةً محبوكة ضد الجمهورية الإسلامية. ونجاد بعيد عن روحاني، وعلى مبعدة أكبر من الإصلاحيين، وتكمن أهمية انتقاداته في أنها تصدر، هذه المرة، عن تيار محافظ ينتمي إليه نجاد، بما يؤشر على تشققات للنظام، من دون أن يصل الأمر إلى تهديد النظام الذي يتمحور حول المرشد والحرس الثوري.
وبعيدا عن روحاني ونجاد، يقف رئيس البرلمان السابق، مهدي كروبي، القابع منذ سبع سنوات في الإقامة الجبرية، والذي يحظى باحترام واسع في الأوساط الدينية والشعبية، فقد تساوق الرجل مع الانتفاضة بصورة حثيثة، ووجّه انتقادات مباشرة للمرشد علي خامئني وللحرس الثوري ولمجلس صيانة الدستور، وشكك في سلامة الانتخابات الرئاسية، بما يجعله صوت
ويبقى أن التشقق الذي طرأ على النظام، وجعل من رئيس الجمهورية معارضا للنظام من داخله، يفرض تحدياتٍ على الحركة الإصلاحية بمختلف تلاوينها، ومكوناتها التقليدية والمعتدلة والراديكالية، فقد أثبتت التطورات والانتفاضات الدورية أن حركة الشارع تسبقها دائما، وأن المعارضة من داخل النظام مهددة دائما بالحصار والتصفية، كما كان حال أبو الحسن بني صدر، وهاشمي رفسنجاني من قبل.
ويسترعي الانتباه أن خمسة رؤساء للجمهورية، هم بني صدر ورفسنجاني (ولايتان) ومحمد خاتمي (ولايتان) ومحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني (ولايتان)، قد انتهوا جميعا إلى مواقف أقرب للمعارضة. وتفسير ذلك في تمركز السلطة بيد المرشد والحرس الثوري، وخلو موقع رئاسة الجمهورية من صلاحيات في الشؤون السيادية، وحيث يكتفي الرئيس بمراقبة الأحداث ومتابعة مواقف الجمهورية الإسلامية عبر وسائل الإعلام التي تخضع لسلطة مباشرة من المرشد. ما يدل على أن بنية الحكم غير قابلة للتطويع والمرونة، وأنها تتجه في اتجاه وحيد، هو الاحتكار والتمركز مع أعلى شحنة من الأيديولوجيا والبروباغندا الثورية، للتغطية على النهج الديكتاتوري في الداخل، وعلى النزعة الإمبراطورية في الخارج. ويستحق الإشارة خلال ذلك إلى أن كتلة المتضرّرين من النظام تتسع أكثر فأكثر على وقع الأزمات، من غير أن تعثر الحركة الإصلاحية التي تضم طيفا واسعا على إطار تنظيمي، أو ائتلافي مشترك، يوحّد عملها ويؤطّر جهودها. ومع استمرار الانقطاع بين معارضتي الداخل والخارج والتوجس من التواصل مع الأخيرة، وكذلك غياب التواصل مع المعارضات القومية غير الفارسية التي تتعرّض للتنكيل المتعاظم على خلفيات عرقية ودينية وسياسية، وهو ما اتضح في مجريات الانتفاضة التي لم تمنحها الحركات الإصلاحية فرصة التثمير السياسي لتضحياتها.