01 نوفمبر 2024
بن سلمان في واشنطن.. مبروك لترامب
ربما لم يقصد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الحطَّ من شأن ضيفه، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يوم الثلاثاء الماضي في البيت الأبيض، فالأصل أن لقاءهما كان إظهارا لمتانة العلاقات بين بلديهما، وتعزيزا لمكانة بن سلمان سعوديا وإقليميا. ولكن ما جرى كان غير ذلك، فقد كان واضحا أن ترامب يتعامل مع ولي العهد السعودي على أنه مدينٌ له شخصيا، دع عنك أن السعودية مدينة للولايات المتحدة أمنيا وعسكريا وسياسيا. وفي المؤتمر الصحافي المشترك، ولاحقا في غداء العمل، حرص ترامب على أن يشيد بالتعهدات التي قطعتها السعودية للاستثمار في بلاده خلال القمة العربية الإسلامية - الأميركية، في الرياض في مايو/ أيار الماضي، بقيمة 400 مليار دولار. كما أن ترامب لم يتردد في عرض لوحات أمام كاميرات الإعلام تحمل رسوما توضيحية عن الصفقات العسكرية مع السعودية المقرّة حديثا بقيمة 12.5 مليار دولار. وخاطب ترامب بن سلمان مباشرة: "هذا فتاتٌ بالنسبة لكم"، في تلميح ضمني لضرورة زيادتها. ولم يتوقف ترامب عند ذلك الحدِّ، ففي مأدبة الغداء، قال: "السعودية دولة ثرية جدا وستمنح الولايات المتحدة جزءا من هذه الثروة كما نأمل في شكل وظائف وصفقات معدات عسكرية"، مع إقراره بأن الصفقات العسكرية الحالية مع السعودية وفرت عشرات آلاف الوظائف للأميركيين. في المقابل، حرص بن سلمان على التماهي مع منطق ترامب الابتزازي، مشيرا إلى تنفيذ 35% من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة بقيمة 400 مليار دولار خلال عام، على أن تنفذ البقية في السنوات العشر المقبلة. كما قال إنه تم تنفيذ 50% من الصفقات العسكرية بين البلدين، وأن العلاقات المشتركة كانت سببا في توفير أكثر من أربعة ملايين فرصة عمل بصورة مباشرة وغير مباشرة في الولايات المتحدة.
يبرز التلخيص السابق للقاء ترامب - بن سلمان ديناميكيات العلاقة بين الطرفين، وكيف يفهمها ترامب، وكيف يريدها أن تكون. كما أن اللقاء يبرز استيعاب بن سلمان ما يريده ترامب
وقدرته على التجاوب مع ذلك بكل أريحية. لم يخف ترامب، في أثناء حملة ترشيحه للرئاسة، أنه يريد من حلفاء أميركا، وذكر السعودية بالاسم أكثر من مرة.. أنه يريد منهم أن يدفعوا ثمن الحماية والخدمات التي تقدمها الولايات المتحدة لهم. وليس سراً أن ترامب وافق على أن يجعل الرياض المحطة الخارجية الأولى في رئاسته، في مايو/ أيار 2017، بعد أن ضمن له السعوديون صفقات بعشرات مليارات الدولارات. ولمن نسيَ، كان ترامب قد كسر البروتوكول الرئاسي، عندما قبل أن يلتقي بن سلمان في البيت الأبيض، في مارس/ آذار 2017، عندما كان الأخير ولياً لوليِ العهد. والآن نعرف أن ذلك الاجتماع الذي عمل صهر الرئيس ومستشاره، جاريد كوشنر، على إنجازه، كان جزءا من مخطط ترامب وكوشنر، ودائرة ضيقة محيطة بهما، لتهيئة بن سلمان ليكون وليا للعهد، وهو ما تحقق فعلا، في يونيو/ حزيران 2017، بعد عزل الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد. حدث ذلك بعد شهر بالضبط من انعقاد القمة العربية الإسلامية - الأميركية في الرياض. ولخص ترامب الانقلاب داخل قصر الحكم السعودي، كما كشف كتاب الصحافي مايكل وولف: "النار والغضب.. داخل بيت ترامب الأبيض"، بقوله: "لقد وضعنا رجلنا في القمة". وأعاد ترامب في مأدبة الغداء مع بن سلمان امتداح قرار أبيه تنصيبه وليا للعهد بالقول: "اتخذ والدك قرارا حكيما للغاية".
إذن، ليس الحديث هنا عن علاقات صداقة حقيقية، ولا حتى عن علاقاتٍ بناءً على مصالح مشتركة بين الدولتين، بقدر ما أنه عن علاقات فيها شبهة ابتزاز وتواطؤ بين ترامب وكوشنر من ناحية، ومحمد بن سلمان، مسنودا بوليِّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، من ناحية أخرى، وهذا الأمر محل نظر المحقق الأميركي الخاص، روبرت مولر الآن. ولذلك، ليس مستغربا أبدا أن معسكر ترامب - كوشنر الذي دعم انقلاب القصر السعودي لصالح بن سلمان، وأيده، في بداية أزمة حصار قطر، حرص على توظيف السعودية بلدوزرَ لفرض "صفقة القرن" فلسطينيا وعربيا، والتي ستعني تصفية ما تبقى من أقل القليل من الحقوق الفلسطينية لصالح إسرائيل.
لم يكن هدف التغيير في معادلة الحكم السعودية التي جاءت بابن سلمان وليا للعهد مقتصرا على تحقيق طموح أمير شاب في مقابل صفقات ترضي غرور رئيس شعبوي، يريد تحقيق إنجازات اقتصادية وعد بها. القضية أعمق وأعقد. تريد السعودية تحت بن سلمان أن تلعب دور الشرطي الأميركي في المنطقة، وأن تكون الأداة الأميركية، مع الإمارات، لزعزعة أسس استقرار المنطقة في أفق إعادة رسمها. المهم عندهما أن يُمَكَّنا أميركيا بغض النظر عن التداعيات على أمن المنطقة واستقرارها، بما في ذلك أمنهما واستقرارهما. لعبة خطيرة ستدمر المنطقة كلها، خصوصا أنه لا توجد رؤية أو مصلحة عربية فيها. قد تحظى السعودية والإمارات بدعم
أميركي، تحت إدارة ترامب، لإطلاق حروب استنزاف في المنطقة، وتحديدا مع إيران وتركيا والتيارات المنادية بالتغيير الديمقراطي، لكنها ستصب في الوعاء الأميركي - الإسرائيلي. الممثلون الذين يؤدون المشاهد الخطيرة يبقون دائما هامشيين، مهما كان حجم العمل الذي يقومون به، وهذا بالضبط ما تفعله السعودية والإمارات، فهما مُمَثِّلَانِ هامِشِيَانِ مطلوب منهما تأدية الأدوار الخطيرة، ولا يهم أتكسر رقابهما أم لا، المهم أن يبقى النجوم سالمين. وحينما يقتضي الأمر تأديب السعودية أو الإمارات، خصوصا في حال حدوث تغيير في الإدارة في أميركا، فإن قوانين، مثل جاستا جاهزة ومتأهبة للسطو على أموالهما وتعريفهما حجمها الطبيعي، أميركيا، وفي الشرق الأوسط. حتى حدوث ذلك، مبروك على ترامب بلطجته في الشرق الأوسط. إنها تعمل بنجاح حتى الآن.
يبرز التلخيص السابق للقاء ترامب - بن سلمان ديناميكيات العلاقة بين الطرفين، وكيف يفهمها ترامب، وكيف يريدها أن تكون. كما أن اللقاء يبرز استيعاب بن سلمان ما يريده ترامب
إذن، ليس الحديث هنا عن علاقات صداقة حقيقية، ولا حتى عن علاقاتٍ بناءً على مصالح مشتركة بين الدولتين، بقدر ما أنه عن علاقات فيها شبهة ابتزاز وتواطؤ بين ترامب وكوشنر من ناحية، ومحمد بن سلمان، مسنودا بوليِّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، من ناحية أخرى، وهذا الأمر محل نظر المحقق الأميركي الخاص، روبرت مولر الآن. ولذلك، ليس مستغربا أبدا أن معسكر ترامب - كوشنر الذي دعم انقلاب القصر السعودي لصالح بن سلمان، وأيده، في بداية أزمة حصار قطر، حرص على توظيف السعودية بلدوزرَ لفرض "صفقة القرن" فلسطينيا وعربيا، والتي ستعني تصفية ما تبقى من أقل القليل من الحقوق الفلسطينية لصالح إسرائيل.
لم يكن هدف التغيير في معادلة الحكم السعودية التي جاءت بابن سلمان وليا للعهد مقتصرا على تحقيق طموح أمير شاب في مقابل صفقات ترضي غرور رئيس شعبوي، يريد تحقيق إنجازات اقتصادية وعد بها. القضية أعمق وأعقد. تريد السعودية تحت بن سلمان أن تلعب دور الشرطي الأميركي في المنطقة، وأن تكون الأداة الأميركية، مع الإمارات، لزعزعة أسس استقرار المنطقة في أفق إعادة رسمها. المهم عندهما أن يُمَكَّنا أميركيا بغض النظر عن التداعيات على أمن المنطقة واستقرارها، بما في ذلك أمنهما واستقرارهما. لعبة خطيرة ستدمر المنطقة كلها، خصوصا أنه لا توجد رؤية أو مصلحة عربية فيها. قد تحظى السعودية والإمارات بدعم