11 سبتمبر 2024
جبهة التحرير الجزائرية وولاية خامسة لبوتفليقة
هل أنهى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية (حزب الأغلبية البرلمانية)، جمال ولد عباس، الجدل بخصوص ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة تبدأ في شهر أبريل/ نيسان 2019، موعد الانتخابات الرئاسية. وقد ظل ولد عباس، طوال الفترة الماضية، يتوعد كل من يتحدث باسم جبهة التحرير عن ولاية خامسة، وذهب ضحية هذا الوعيد نائب الحزب عن ولاية عنابة (شرق)، بهاء طليبة، الذي كان أعلن عن تأسيس لجنة لترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، فأحاله ولد عباس على لجنة الانضباط، لمجرد أنه سبقه في إعلان تنسيقيةٍ لدعم العهدة الخامس. وهو ما لم يستسغه ولد عباس الذي لا يريد لصوت أن يعلو على صوته في مساندة الرئيس الكاملة واللامشروطة، وهو الذي يكرّر في كل محفل أنه مع بوتفليقة إلى "ما لا نهاية".
خصوم ولد عباس يتهمونه بـ "الشيتة"، وهي لفظة جزائرية تعني التزلف والتودد المبالغ فيه لشخص معين. وهو لا ينكر ذلك، بل يُجاهر به، ويفتخر به في خطاباته المتكرّرة، وفي مؤتمراته الصحافية، وجديدها قوله إن "الولاء له وحده" (الرئيس بوتفليقة). في المؤتمر الصحافي نفسه، عَدَّدَ ولد عباس إنجازات الرئيس، وكلف هيئة من حزبه للقيام بإحصائها منذ تولي عبد العزيز بوتفليقة الرئاسة في الجزائر العام 1999. وهي إنجازاتٌ، وفق ولد عباس، تؤهل الرئيس بوتفليقة لمواصلة ما سمّاها "مسيرة التنمية الناجحة"، حيث لم يتردد أمين حزب جبهة التحرير في القول إن مناشدته الرئيس "الاستمرارية والديمومة " في الحكم مطلب شعبي.
يدرك ولد عباس جيداً أن لا أحد يصدّق حديثه عن رغبة الشعب والجماهير، وأن قوله لا يعدو
أن يكون تغطية، لحاجة في نفسه، وفي نفس منظومة أحزاب الموالاة التي فرّخت بعضها بعضا في متتالية رياضية، كان القصد منها تقوية عضد النظام الحالي. فلا أحد استشار الجماهير، ولا أحد أخذ برأيها، لا في مسألة ترشيح الرئيس لولاية إضافية، ولا في غيرها. وكل ما في الأمر أن أهل الحل والعقد في السلطة، يُقرّرون ما يشاءون، فيما يرغبون من تسيير أمور الرعية والشأن العام. ولا يتدثرون برداء الشعب، إلا حين يرون في ذلك ضرورة، لاستكمال مشهد سياسيٍ هو أقرب إلى الملهاة المسرحية، منه إلى العمل السياسي المتكامل، أو الممارسة الديمقراطية الحقيقية.
وقد انتقلت عدوى مناشدة قيادة حزب جبهة التحرير الرئيس بوتفليقة للترشح إلى أحزاب الموالاة الأخرى، فالناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، شهاب صديق، سارع إلى الترحيب بتصريحات ولد عباس، وتجديد التزام حزبه مع بوتفليقة. وهو أيضا ما سيسارع إلى مثله حزب تاج الذي يرأسه وزير الأشغال العمومية الأسبق، عمار غول، وحزب الحركة الشعبية الذي يرأسه وزير الصناعة الأسبق، عمارة بن يونس، وغيره من الأحزاب التي صُنعت على مقاس السلطة. ناهيك عن الهيئات الأهلية والجمعوية، مثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، واتحاد الفلاحين والنساء، ومختلف المنظمات الطلابية والشبابية.
يبدو اللعب مقفولا على أحزاب المعارضة التي تشكو من مشكلات داخلية وتنظيمية، وهي التي لم تستطع تجاوز اختلافاتها لتأسيس قوةٍ معارضةٍ، قادرة على اقتراح اسم أو أسماء توافقية، يمكنها الترشح في مواجهة الرئيس الحالي. وحتى وإن اعتقد بعضهم أن تاريخ الانتخابات الرئاسية ما زال بعيدا، وأن زجّ أسماء منذ الآن يُعتبر مجازفةً محفوفة المخاطر، فإن قوة السلطة تكمن في القدرة على المناورة، وعلى حشد الإمكانات المادية، العمومية منها وما ستجود به منظمة أرباب العمل التي لا يمكنها المجازفة بمعارضة السلطة التي أغدقت عليها المشاريع، ورفَّعت بعض أعضائها من مجرّد متعهدي خدمات إلى رجال أموال وأعمال، وأصحاب نفوذ.
تدور مخاطر التوقيت في خلد السلطة أيضا، فهي ليست في عجلةٍ من أمرها، كما أنها لا تمر بأزمة سياسية، فقد جاءت الانتخابات البرلمانية العام الماضي على مقاسها. وعليه، هي ترى أن نضج الطبخة الرئاسية على نار هادئة يتطلب التروّي وعدم الاستعجال. ومن التروّي العمل على تحضير الرأي العام لأي إعلان قادم عن ترشيح اسم للسلطة يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتذهب الترشيحات في ما سُميت الاستمرارية إلى طرح اسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي طلع على الجمهور العام في أول زيارة ميدانية له منذ فترة طويلة، دشن فيها، يوم التاسع من أبريل/ نيسان الجاري، محطات جديدة لمترو الجزائر، وأشرف على إعادة فتح مسجدٍ، رمّمته الحكومة التركية، ويعد رمزا للعمارة العثمانية في الجزائر.
لخروج بوتفليقة إلى العلن، ووسط حشد من الجماهير، دلالة رمزية أراد أهل السلطة تسويقها،
مفادها بأن الرجل ما زال قادرا على أداء مهامه الدستورية، ويتمتع بصحةٍ تؤهله لمواصلة حكم البلاد. في الأثناء، لم يغب عن السلطة نفسها أن تقرأ للزمن عواقبه، فاجتمع لأجل ذلك وزير الطاقة والمناجم الأسبق، شكيب خليل، في مدينة المسيلة جنوبي العاصمة، مع ثلةٍ من الوجوه السياسية المعروفة والفاعلين الاقتصاديين. وبعيدا عن الصحافة، تحدثت تسريبات من المكان أن المجتمعين محسوبون على السلطة ومقربون من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأن أمر اقتراح اسم شكيب خليل قد يكون عجلة الإنقاذ في عربة الرئاسة المقبلة، فالرجل أهل ثقة الرئيس، وامتداد له من ناحية الانتماء الجغرافي، فكلاهما من ولاية تلمسان، كما أنه قريبٌ من العائلة وكاتم لأسرارها، وضامن لتعهداتها، ومن الأجدى الاحتفاظ باسمه في قائمة الاحتياط، تحسبا لأي طارئ.
كما أن تحركات الأمين السابق لجبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، في مختلف الولايات الجزائرية لا تخرج عن هذا الإطار، فالرجل وعلى الرغم من أنه أُبعد من الواجهة السياسية، إلا أنه يبقى ابن النظام، ولا يمكنه التحرك السياسي إلا بإيعاز، ولا يُستبعد أن سعيه يندرج ضمن إطار التحضير لتزكية مرشح السلطة أيا كان.
بقى مؤشر واحد ضاغط على السلطة، هو الحراك الاجتماعي والإضرابات التي مست كل القطاعات، وخصوصا منها التعليم والمستشفيات، ناهيك عن غلاء المواد الاستهلاكية، وندرة بعضها التي فاقمت من تدهور القيمة الشرائية للموظفين ولشريحة كبيرة من الجزائريين. وهو ما يشكل صداعا حقيقيا لسلطةٍ تريد أن تهدأ الأمور، لتمرير ما تريد وفق ما ترغب.
خصوم ولد عباس يتهمونه بـ "الشيتة"، وهي لفظة جزائرية تعني التزلف والتودد المبالغ فيه لشخص معين. وهو لا ينكر ذلك، بل يُجاهر به، ويفتخر به في خطاباته المتكرّرة، وفي مؤتمراته الصحافية، وجديدها قوله إن "الولاء له وحده" (الرئيس بوتفليقة). في المؤتمر الصحافي نفسه، عَدَّدَ ولد عباس إنجازات الرئيس، وكلف هيئة من حزبه للقيام بإحصائها منذ تولي عبد العزيز بوتفليقة الرئاسة في الجزائر العام 1999. وهي إنجازاتٌ، وفق ولد عباس، تؤهل الرئيس بوتفليقة لمواصلة ما سمّاها "مسيرة التنمية الناجحة"، حيث لم يتردد أمين حزب جبهة التحرير في القول إن مناشدته الرئيس "الاستمرارية والديمومة " في الحكم مطلب شعبي.
يدرك ولد عباس جيداً أن لا أحد يصدّق حديثه عن رغبة الشعب والجماهير، وأن قوله لا يعدو
وقد انتقلت عدوى مناشدة قيادة حزب جبهة التحرير الرئيس بوتفليقة للترشح إلى أحزاب الموالاة الأخرى، فالناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، شهاب صديق، سارع إلى الترحيب بتصريحات ولد عباس، وتجديد التزام حزبه مع بوتفليقة. وهو أيضا ما سيسارع إلى مثله حزب تاج الذي يرأسه وزير الأشغال العمومية الأسبق، عمار غول، وحزب الحركة الشعبية الذي يرأسه وزير الصناعة الأسبق، عمارة بن يونس، وغيره من الأحزاب التي صُنعت على مقاس السلطة. ناهيك عن الهيئات الأهلية والجمعوية، مثل الاتحاد العام للعمال الجزائريين، واتحاد الفلاحين والنساء، ومختلف المنظمات الطلابية والشبابية.
يبدو اللعب مقفولا على أحزاب المعارضة التي تشكو من مشكلات داخلية وتنظيمية، وهي التي لم تستطع تجاوز اختلافاتها لتأسيس قوةٍ معارضةٍ، قادرة على اقتراح اسم أو أسماء توافقية، يمكنها الترشح في مواجهة الرئيس الحالي. وحتى وإن اعتقد بعضهم أن تاريخ الانتخابات الرئاسية ما زال بعيدا، وأن زجّ أسماء منذ الآن يُعتبر مجازفةً محفوفة المخاطر، فإن قوة السلطة تكمن في القدرة على المناورة، وعلى حشد الإمكانات المادية، العمومية منها وما ستجود به منظمة أرباب العمل التي لا يمكنها المجازفة بمعارضة السلطة التي أغدقت عليها المشاريع، ورفَّعت بعض أعضائها من مجرّد متعهدي خدمات إلى رجال أموال وأعمال، وأصحاب نفوذ.
تدور مخاطر التوقيت في خلد السلطة أيضا، فهي ليست في عجلةٍ من أمرها، كما أنها لا تمر بأزمة سياسية، فقد جاءت الانتخابات البرلمانية العام الماضي على مقاسها. وعليه، هي ترى أن نضج الطبخة الرئاسية على نار هادئة يتطلب التروّي وعدم الاستعجال. ومن التروّي العمل على تحضير الرأي العام لأي إعلان قادم عن ترشيح اسم للسلطة يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتذهب الترشيحات في ما سُميت الاستمرارية إلى طرح اسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي طلع على الجمهور العام في أول زيارة ميدانية له منذ فترة طويلة، دشن فيها، يوم التاسع من أبريل/ نيسان الجاري، محطات جديدة لمترو الجزائر، وأشرف على إعادة فتح مسجدٍ، رمّمته الحكومة التركية، ويعد رمزا للعمارة العثمانية في الجزائر.
لخروج بوتفليقة إلى العلن، ووسط حشد من الجماهير، دلالة رمزية أراد أهل السلطة تسويقها،
كما أن تحركات الأمين السابق لجبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، في مختلف الولايات الجزائرية لا تخرج عن هذا الإطار، فالرجل وعلى الرغم من أنه أُبعد من الواجهة السياسية، إلا أنه يبقى ابن النظام، ولا يمكنه التحرك السياسي إلا بإيعاز، ولا يُستبعد أن سعيه يندرج ضمن إطار التحضير لتزكية مرشح السلطة أيا كان.
بقى مؤشر واحد ضاغط على السلطة، هو الحراك الاجتماعي والإضرابات التي مست كل القطاعات، وخصوصا منها التعليم والمستشفيات، ناهيك عن غلاء المواد الاستهلاكية، وندرة بعضها التي فاقمت من تدهور القيمة الشرائية للموظفين ولشريحة كبيرة من الجزائريين. وهو ما يشكل صداعا حقيقيا لسلطةٍ تريد أن تهدأ الأمور، لتمرير ما تريد وفق ما ترغب.