الرئيس مرسي كان يعلم
ما كشفت عنه صحيفة نيويوركر الأميركية قبل يومين عن تمويل إماراتي سعودي الانقلاب على الرئيس محمد مرسي لا يحمل أي جديد، بل دعني أضيف إلى معلوماتك أن الرئيس محمد مرسي شخصياً كان على اطلاع بما يحاك في وقته.
في الأسبوع الثاني من نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، وقبل ثمانية أشهر من الانقلاب الذي وقع في 30 يونيو/ حزيران 2013، كان لدى الرئاسة تفاصيل مخطط الانقلاب، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي دفعت الرئيس إلى إصدار الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، والذي عزل فيه النائب العام المنتمي لنظام حسني مبارك، ظناً منه أن هذه الخطوة سترضي القوى الثورية التي ظلت تطالب بإزاحة نائب عام مبارك طوال الشهور التالية لإسقاطه في 11 فبراير/ شباط 2011.
تساءلت في مقال بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012: من هو رئيس مصر 2013؟ قلت فيه إن كل الفرقاء يتحدثون عن حماية الثورة واستكمالها، لكن البعض فى سبيل إسقاط محمد مرسى لا يمانع فى التضحية بالثورة، وتسليم مصر مرة أخرى لنظام مبارك. وإن هناك من يعدون العدة ويمنون النفس بإحراق هذه المرحلة، بكل ما فيها، وهدم المعبد على رؤوس الجميع لكى تعود مصر إلى ما قبل 25 يناير، وهذا ليس رجما بالغيب أو تعسفا فى قراءة تفاصيل المشهد الراهن.
والحاصل أننا نعيش الآن مرحلة زرع الألغام وتفخيخ الأرض، تمهيدا لانفجار كبير تتم عملية صناعته هذه الأيام، خارج مصر وداخلها، بحيث لا تأتي الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، إلا وقد انهدم كل شيء، لتعود الغربان تنعق فى طول البلاد وعرضها، وتحتفل بالانتصار.
وحسب روايات متعددة، قادمة من خارج مصر، فإن خصوم الثورة يحتشدون الآن، ويضخون أموالا بلا طائل لتصنيع حالة من الخراب والانفلات والفوضى فى الداخل، بل إن بعضهم بدأ فى تسريب أنباء عن اقتراب العودة للهيمنة على البلاد والعباد، كنوع من الحرب النفسية الدائرة على قدم وساق، من خلال إشاعة مناخ من الرعب والفزع.
وفي تلك الأثناء، تحدث الدكتور مرسي عما أسماها مؤامرة لنسف هذه المرحلة بكل ما فيها، ملمحا إلى الحاجة لثورة أخرى، فكتبت "ويبقى أن عليه أن يقدم على خطوات جادة وجديدة لوأد هذه المؤامرة فى أوكارها بالداخل والخارج.. وهذا لن يتحقق إلا بمصارحة الشعب بما يجرى، وهو كثير وخطير.. ومن المفترض أن تكون سيناريوهاته قد وصلت إلى من يهمه الأمر".
وعلى هامش أولى جلسات الحوار الوطني التي دعت إليها الرئاسة القوى السياسية لمناقشات بشأن الإعلان الدستوري الذي فجر الأزمة، حتى صار قصر الاتحادية تحت حصار الثورة المضادة، بمعاونة قوى ثورة يناير ورموزها، تحدثت مع مساعدين للرئيس عما سجلته في مقالي الذي يشير إلى مشروع الانقلاب، وكانت المفاجأة أنهم قالوا إن المخطط بتفاصيله بين يدي الرئيس منذ أسابيع، لكنهم بدوا مطمئنين تماماً لإحباطه، معلقين آمالاً على حوار جاد وصريح بدأ بين الرئيس والرموز الثورية.
وفي تلك الأثناء، استقبل الرئيس مرسي كلاً من عمرو موسى وحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، حسبما أعلنت الرئاسة في الثالث من نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، ثم استقبل محمد البرادعي بعد ذلك بأيام.
الراجح عندي أن هذا الأمر كان موضوع مناقشات الرئيس مع الشخصيات المذكورة، وأنه استمع لما يبعث على الاطمئنان، وربما استمع إلى ما يجعله يعجّل بإصدار الإعلان الدستوري، الموجه بالأساس ضد تحركات الدولة العميقة والثورة المضادة، متصوراً أن من شأن ذلك إقامة جسور مصالحة مع القوى الثورية، غير أن النتائج جاءت عكس ذلك تماماً، إذ جرى استخدام هذا الإعلان لصناعة ذلك التحالف الانقلابي مع الثورة المضادة، ونجح جنرالا الدولة العميقة، وزير الدفاع ووزير الداخلية، في استثمار ما وصفته وقتها بهذا الانزلاق الثوري في وحل استدعاء الثورة المضادة بحجة مواجهة التغول الإخوانى.
وللحديث بقية..