06 نوفمبر 2024
النموذج التركي عشية الانتخابات
تتجه الأنظار إلى تركيا يوم الأحد المقبل، حيث تشهد البلاد انتخاباتٍ رئاسيةً وتشريعيةً، تعد الأهم منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002. يُنظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها تمثل استفتاءً على شخص الرئيس رجب طيب أردوغان، ومجمل عهده وسياساته، في ضوء متغيرين رئيسين طرآ في العامين الماضيين. الأول، المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، والتي كادت تطيح الديموقراطية التركية، وما أعقبها من عمليات تطهير واسعة طاولت الجيش وأجهزة الأمن وقطاعات التعليم والقضاء التي كانت تعد معاقل للعلمانية التركية المتطرفة، قبل أن يجري اختراقها على نطاق واسع من جماعة فتح الله غولن التي تتهمها الحكومة التركية بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية. المتغير الآخر أن الانتخابات تجري وفق الدستور الجديد الذي تم التصويت عليه في شهر إبريل/ نيسان من العام الماضي، وتحول بموجبه النظام السياسي التركي، من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، شبيه بالنظام الأميركي، حيث يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة، باعتباره أيضاً رئيساً للحكومة والقائد العام للقوات المسلحة.
أما قضايا الانتخابات فهي ثلاث رئيسة: أولها الاقتصاد، الذي يعد النهوض به أحد أبرز أسباب استمرار "العدالة والتنمية" في الحكم أكثر من 15 عاماً متواصلة، ويواجه حالياً تحديات كبيرة. وثانيها الخوف من تركز سلطات كثيرة بيد الرئيس الذي يأخذ عليه بعضهم تنامي ميوله المركزية. القضية الثالثة، تعثر عملية السلام، وتعقد المشكلة الكردية بامتداداتها الإقليمية والدولية، وانعكاساتها الأمنية المرتبطة خصوصاً بالأوضاع في سورية والعراق. وكانت المخاوف من تدهور الوضع الاقتصادي، والرغبة في استثمار النجاح العسكري الذي حققه الجيش التركي ضد الأكراد في عفرين الربيع الماضي، فضلاً عن ضعف المعارضة وانقساماتها هي ما دفع الرئيس أردوغان إلى تقديم موعد الانتخابات التي كان يفترض أن تجري في خريف العام 2019.
ونظراً لغياب منافس جدي في الانتخابات الرئاسية، لا يدور السؤال في تركيا اليوم بشأن ما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان سيفوز بولاية جديدة، بل ما إذا كان سيفوز من الجولة الأولى، ذلك أن عدم فوزه من الجولة الأولى سيكون بمثابة ضربة سياسية كبيرة للرجل الذي بات يُنظر إليه على نطاق واسع، باعتباره مؤسس الجمهورية التركية الثانية، ويقترن اسمه باسم كمال أتاتورك، باعتبارهما أهم شخصيتين في آخر قرن من تاريخ تركيا المعاصر. وما قد يزيد الوضع سوءاً بالنسبة إلى أردوغان أن حزبه الذي عاد ليقوده من جديد، بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة، قد لا يفوز في الانتخابات التشريعية بأغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة منفرداً، أو حتى مع حليفه حزب الحركة القومية الذي فقد جزءاً من قاعدته الانتخابية، بعد أن انشق على نفسه (حزب الخير)، ورشح منافساً لأردوغان في انتخابات الرئاسة، بدعم من حزب الشعب الجمهوري.
تعاني تركيا، مثل مجتمعات المنطقة، وكل مجتمعات العالم اليوم، من حالة انقسام سياسي واستقطاب فكري وقيمي شديدة، عبرت عن نفسها مراراً في السنوات الماضية، إذ لم يحصل حزب العدالة والتنمية منذ عام 2014 على أكثر من 52% من الأصوات، بما في ذلك في الاستفتاء على الدستور أخيراً. لذلك يرجح أن يواجه الحزب المعضلة نفسها التي واجهها عام 2015، عندما اضطر إلى الدعوة إلى انتخابات جديدة، بعد خمسة أشهر فقط، نتيجة فشله في الحصول على الأغلبية الكافية التي تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وإذا أخذنا بالاعتبار إقصاء بعض من أهم وجوهه، من أمثال عبد الله غول وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان وغيرهم من المحسوبين عليهم داخل الحزب، فإن المهمة ربما غدت أصعب هذه المرة.
سوف يكون مهماً لتركيا التي تتعرّض لتهديدات كبرى، وتحديات جمة، أن يسعى الرئيس أردوغان بعد الانتخابات، وبغض النظر عن نتيجتها، إلى اتباع سياسة أكثر تسامحاً، تستوعب الجميع، بمن فيهم الذين يختلفون معه، فتركيا تؤدي اليوم دورًا قائدًا في المنطقة وعموم العالم الإسلامي، ومن المهم لذلك أن تستمر في تقديم النموذج الذي يُحتذى في التصالح بين الإسلام والديموقراطية، بين الحداثة والمحافظة، وأن تبقى كذلك ملجأ لكل الهاربين من جحيم الاستبداد والدكتاتورية.
أما قضايا الانتخابات فهي ثلاث رئيسة: أولها الاقتصاد، الذي يعد النهوض به أحد أبرز أسباب استمرار "العدالة والتنمية" في الحكم أكثر من 15 عاماً متواصلة، ويواجه حالياً تحديات كبيرة. وثانيها الخوف من تركز سلطات كثيرة بيد الرئيس الذي يأخذ عليه بعضهم تنامي ميوله المركزية. القضية الثالثة، تعثر عملية السلام، وتعقد المشكلة الكردية بامتداداتها الإقليمية والدولية، وانعكاساتها الأمنية المرتبطة خصوصاً بالأوضاع في سورية والعراق. وكانت المخاوف من تدهور الوضع الاقتصادي، والرغبة في استثمار النجاح العسكري الذي حققه الجيش التركي ضد الأكراد في عفرين الربيع الماضي، فضلاً عن ضعف المعارضة وانقساماتها هي ما دفع الرئيس أردوغان إلى تقديم موعد الانتخابات التي كان يفترض أن تجري في خريف العام 2019.
ونظراً لغياب منافس جدي في الانتخابات الرئاسية، لا يدور السؤال في تركيا اليوم بشأن ما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان سيفوز بولاية جديدة، بل ما إذا كان سيفوز من الجولة الأولى، ذلك أن عدم فوزه من الجولة الأولى سيكون بمثابة ضربة سياسية كبيرة للرجل الذي بات يُنظر إليه على نطاق واسع، باعتباره مؤسس الجمهورية التركية الثانية، ويقترن اسمه باسم كمال أتاتورك، باعتبارهما أهم شخصيتين في آخر قرن من تاريخ تركيا المعاصر. وما قد يزيد الوضع سوءاً بالنسبة إلى أردوغان أن حزبه الذي عاد ليقوده من جديد، بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة، قد لا يفوز في الانتخابات التشريعية بأغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة منفرداً، أو حتى مع حليفه حزب الحركة القومية الذي فقد جزءاً من قاعدته الانتخابية، بعد أن انشق على نفسه (حزب الخير)، ورشح منافساً لأردوغان في انتخابات الرئاسة، بدعم من حزب الشعب الجمهوري.
تعاني تركيا، مثل مجتمعات المنطقة، وكل مجتمعات العالم اليوم، من حالة انقسام سياسي واستقطاب فكري وقيمي شديدة، عبرت عن نفسها مراراً في السنوات الماضية، إذ لم يحصل حزب العدالة والتنمية منذ عام 2014 على أكثر من 52% من الأصوات، بما في ذلك في الاستفتاء على الدستور أخيراً. لذلك يرجح أن يواجه الحزب المعضلة نفسها التي واجهها عام 2015، عندما اضطر إلى الدعوة إلى انتخابات جديدة، بعد خمسة أشهر فقط، نتيجة فشله في الحصول على الأغلبية الكافية التي تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وإذا أخذنا بالاعتبار إقصاء بعض من أهم وجوهه، من أمثال عبد الله غول وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان وغيرهم من المحسوبين عليهم داخل الحزب، فإن المهمة ربما غدت أصعب هذه المرة.
سوف يكون مهماً لتركيا التي تتعرّض لتهديدات كبرى، وتحديات جمة، أن يسعى الرئيس أردوغان بعد الانتخابات، وبغض النظر عن نتيجتها، إلى اتباع سياسة أكثر تسامحاً، تستوعب الجميع، بمن فيهم الذين يختلفون معه، فتركيا تؤدي اليوم دورًا قائدًا في المنطقة وعموم العالم الإسلامي، ومن المهم لذلك أن تستمر في تقديم النموذج الذي يُحتذى في التصالح بين الإسلام والديموقراطية، بين الحداثة والمحافظة، وأن تبقى كذلك ملجأ لكل الهاربين من جحيم الاستبداد والدكتاتورية.