10 ابريل 2019
السلام الكذوب في جنوب السودان
إذا كان متمرّدو دولة جنوب السودان، بقيادة رياك مشار، يعتقدون أنّ التمرد هو الطريق الوحيد الذي يقود إلى حكم البلاد، فإنّهم سيحاربون طويلاً، وبدلاً من تحقيق حلمهم سيعجلون بفناء الدولة ذات السبعة أعوام. هذه التجربة المرّة خاضها العقيد جون قرنق، بتمرده وحربه مع الحكومة السودانية عقوداً طويلة. وبعد أن تم توقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005، والتي قضت باقتسام السلطة والثروة، لم يمهله القدر بالوصول إلى القصر الجمهوري في السودان الموحّد، فقد لقي حتفه في تحطّم مروحية، وتفتّت بعد ذلك جسد السودان إلى جزئين أكثر فشلاً وأقلّ استقراراً.
ما زالت المحاولات جارية لرأب الصدع والتوصل إلى سلام ينهي الحرب الأهلية بين الأطراف المتناحرة في دولة جنوب السودان منذ 2013. تخللت تلك الفترة تهدئة تحت الضغط الدولي، وافق الطرفان على إثرها بتوقيع اتفاق سلام في أديس أبابا في أغسطس/ آب 2015. أوقفت الحرب عامين، وعُيّن رياك مشار مرة أخرى نائباً للرئيس، قبل أن تتجدّد المعارك بين قواته والقوات الحكومية، ويهرب إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم يُحتجز رهن الإقامة الجبرية في جنوب أفريقيا، لمنعه من إثارة اضطرابات. طلبت الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيقاد) من بريتوريا أن تضمن عدم مغادرة مشار أراضيها، مدعومةً من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج. وهذه المرة، تم اللقاء المؤجل مراتٍ، بدعوة من رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 20 يونيو/ حزيران الجاري بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وهو من قبيلة الدينكا، ونائبه السابق وزعيم المعارضة حالياً رياك مشار، من قبيلة النوير، والمفرج عنه لأغراض هذا الإجتماع.
عندما انهار اتفاق السلام في أغسطس/ آب 2016، وتجدّدت الحرب، انهار الهدف من عملية إحياء اتفاقية السلام، أي وقف إطلاق النار، وتمهيد الطريق إلى إجراء انتخابات سلمية وإنهاء الفترة الانتقالية بطريقة سلسة ومقبولة في جنوب السودان. ففي اجتماع زعيم المعارضة المسلحة، رياك مشار، مع وزيري خارجية السودان وإثيوبيا في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي برعاية "إيقاد"، أظهر مشار تعنّته ورفضه المشاركة والتفاوض بشأن إعادة إحياء اتفاقية السلام، في ظل وجوده قيد الإقامة الجبرية. ولم يغير إبعاد رياك مشار شيئاً في المشهد، إذ ما زالت قواته تتحرك وفقاً لتعليماته، ما ينبئ بأنّ مسار الصراع قد يقود إلى إبادة جماعية، بمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتشرد أكثر من مليون ونصف، وتفاقم موجة النزوح حتى صارت هي الكبرى في وسط أفريقيا منذ عمليات الإبادة التي حدثت في رواندا عام 1994.
قبل انهيار الاتفاق بشهرين، كتب الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار مقالا، نشرته صحيفة نيويورك تايمز، وفيه أنّ السلام في بلدهما يحتاج إلى إنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة، عوضاً عن محاكمة مرتكبي الجرائم الانتقامية التي حدثت خلال عامين من الحرب الأهلية. وأكدا على المصالحة بين مجموعتيهما، على الرغم من الخلافات، وتصميمهما على العمل معاً، حتى لا تشهد دولة الجنوب حرباً أهلية أخرى. وبعد أربعة أيام من نشر المقال، تنصل رياك مشار من محتواه، وقال إنّه لم تتم استشارته بشأن المقال الذي قدمه ممثلو سلفاكير، لكن المتحدث باسم الأخير أكّد أنّ مشار تمت استشارته قبل كتابة المقال.
يعكس هذا الموقف مدى الأزمة في الحكم وإدارة الدولة التي تنغرس فيها دولة الجنوب، من رأسها حتى أخمص قدميها، مع أنّها كانت في حالة هدنة، والحال هكذا، فإنّه يمكن ببساطة تصوّر ما يحدث من زعزعةٍ في أوقات المصادمات.
لم تنجح بعد وساطة "الإيقاد" في اجتماعها المخصص لدولة جنوب السودان في دفع سلفا كير ورياك مشار إلى توقيع وثيقة السلام، لأنّ اجتماعهما لم يسفر عن بداية حل للأزمة، كما كان مرجواً له، نسبة للخلافات السياسية والقبلية العميقة بينهما. ومثل اجتماعاتٍ كثيرة، سيتم ترحيل مسار عملية السلام وتحقيق الاستقرار، واتخاذ القرارات حولها لرفعها إلى قمة الاتحاد الأفريقي التي ستعقد في نواكشوط في يوليو/ تموز المقبل.
على الرغم من سعي هيئة الإيقاد إلى التوصل إلى حل وسط بشأن ثلاث قضايا متنازع عليها، وهي تكوين الحكومة والبرلمان وحكومات الولايات، ورعاية مشروع السلام الذي يهدف إلى وضع صيغة جديدة لتقاسم السلطة، ووضع ترتيباتٍ أمنيةٍ برعاية دولية، إلّا أنّ المعارضة
المسلحة رفضت مقترح التجسير المعدّل الذي قدمته "الإيقاد" لإنهاء الصراع المستمر منذ أربع سنوات. وهذا الموقف الرافض للمعارضة تغذيه شكوك بأنّ المقترح المعدّ يأخذ بالاعتبار مواقف الحكومة فقط، وأنّ مقترحاتها في هذا الخصوص لم تؤخذ في جميع مباحثات الوساطة بشأن ترتيبات الحكم والأمن، كما تصرّ المعارضة على وضعها شروطا مسبقة لتحقيق سلام مستدام.
يواجه الطرفان المشاركان في الحرب ذات الأبعاد القبلية، والتي باتت أكثر تعقيداً، اتهاماتٍ من الأمم المتحدة ومنظمات أخرى بارتكاب فظائع بحق المدنيين، بالإضافة إلى عدم جنوحهما إلى السلم متى سنحت الفرصة، فوفق مهلةٍ تنتهي في 30 يونيو/ حزيران الحالي، وضعت الولايات المتحدة طرفي النزاع أمام خيارين، توقيع اتفاق أو مواجهة عقوبات ووقف المساعدات التي تقدمها إلى جوبا، لكن المحاربين القديمين، سلفاكير ورياك مشار، مستعدان لأن يمتد الصراع الطويل والمرير في دولة جنوب السودان إلى ما لا نهاية.
ما زالت المحاولات جارية لرأب الصدع والتوصل إلى سلام ينهي الحرب الأهلية بين الأطراف المتناحرة في دولة جنوب السودان منذ 2013. تخللت تلك الفترة تهدئة تحت الضغط الدولي، وافق الطرفان على إثرها بتوقيع اتفاق سلام في أديس أبابا في أغسطس/ آب 2015. أوقفت الحرب عامين، وعُيّن رياك مشار مرة أخرى نائباً للرئيس، قبل أن تتجدّد المعارك بين قواته والقوات الحكومية، ويهرب إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم يُحتجز رهن الإقامة الجبرية في جنوب أفريقيا، لمنعه من إثارة اضطرابات. طلبت الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيقاد) من بريتوريا أن تضمن عدم مغادرة مشار أراضيها، مدعومةً من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج. وهذه المرة، تم اللقاء المؤجل مراتٍ، بدعوة من رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 20 يونيو/ حزيران الجاري بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وهو من قبيلة الدينكا، ونائبه السابق وزعيم المعارضة حالياً رياك مشار، من قبيلة النوير، والمفرج عنه لأغراض هذا الإجتماع.
عندما انهار اتفاق السلام في أغسطس/ آب 2016، وتجدّدت الحرب، انهار الهدف من عملية إحياء اتفاقية السلام، أي وقف إطلاق النار، وتمهيد الطريق إلى إجراء انتخابات سلمية وإنهاء الفترة الانتقالية بطريقة سلسة ومقبولة في جنوب السودان. ففي اجتماع زعيم المعارضة المسلحة، رياك مشار، مع وزيري خارجية السودان وإثيوبيا في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي برعاية "إيقاد"، أظهر مشار تعنّته ورفضه المشاركة والتفاوض بشأن إعادة إحياء اتفاقية السلام، في ظل وجوده قيد الإقامة الجبرية. ولم يغير إبعاد رياك مشار شيئاً في المشهد، إذ ما زالت قواته تتحرك وفقاً لتعليماته، ما ينبئ بأنّ مسار الصراع قد يقود إلى إبادة جماعية، بمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتشرد أكثر من مليون ونصف، وتفاقم موجة النزوح حتى صارت هي الكبرى في وسط أفريقيا منذ عمليات الإبادة التي حدثت في رواندا عام 1994.
قبل انهيار الاتفاق بشهرين، كتب الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار مقالا، نشرته صحيفة نيويورك تايمز، وفيه أنّ السلام في بلدهما يحتاج إلى إنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة، عوضاً عن محاكمة مرتكبي الجرائم الانتقامية التي حدثت خلال عامين من الحرب الأهلية. وأكدا على المصالحة بين مجموعتيهما، على الرغم من الخلافات، وتصميمهما على العمل معاً، حتى لا تشهد دولة الجنوب حرباً أهلية أخرى. وبعد أربعة أيام من نشر المقال، تنصل رياك مشار من محتواه، وقال إنّه لم تتم استشارته بشأن المقال الذي قدمه ممثلو سلفاكير، لكن المتحدث باسم الأخير أكّد أنّ مشار تمت استشارته قبل كتابة المقال.
يعكس هذا الموقف مدى الأزمة في الحكم وإدارة الدولة التي تنغرس فيها دولة الجنوب، من رأسها حتى أخمص قدميها، مع أنّها كانت في حالة هدنة، والحال هكذا، فإنّه يمكن ببساطة تصوّر ما يحدث من زعزعةٍ في أوقات المصادمات.
لم تنجح بعد وساطة "الإيقاد" في اجتماعها المخصص لدولة جنوب السودان في دفع سلفا كير ورياك مشار إلى توقيع وثيقة السلام، لأنّ اجتماعهما لم يسفر عن بداية حل للأزمة، كما كان مرجواً له، نسبة للخلافات السياسية والقبلية العميقة بينهما. ومثل اجتماعاتٍ كثيرة، سيتم ترحيل مسار عملية السلام وتحقيق الاستقرار، واتخاذ القرارات حولها لرفعها إلى قمة الاتحاد الأفريقي التي ستعقد في نواكشوط في يوليو/ تموز المقبل.
على الرغم من سعي هيئة الإيقاد إلى التوصل إلى حل وسط بشأن ثلاث قضايا متنازع عليها، وهي تكوين الحكومة والبرلمان وحكومات الولايات، ورعاية مشروع السلام الذي يهدف إلى وضع صيغة جديدة لتقاسم السلطة، ووضع ترتيباتٍ أمنيةٍ برعاية دولية، إلّا أنّ المعارضة
يواجه الطرفان المشاركان في الحرب ذات الأبعاد القبلية، والتي باتت أكثر تعقيداً، اتهاماتٍ من الأمم المتحدة ومنظمات أخرى بارتكاب فظائع بحق المدنيين، بالإضافة إلى عدم جنوحهما إلى السلم متى سنحت الفرصة، فوفق مهلةٍ تنتهي في 30 يونيو/ حزيران الحالي، وضعت الولايات المتحدة طرفي النزاع أمام خيارين، توقيع اتفاق أو مواجهة عقوبات ووقف المساعدات التي تقدمها إلى جوبا، لكن المحاربين القديمين، سلفاكير ورياك مشار، مستعدان لأن يمتد الصراع الطويل والمرير في دولة جنوب السودان إلى ما لا نهاية.