09 نوفمبر 2024
محمود درويش في القاهرة
توجب أخلاق الزمالة المهنيّة تهنئة الصديق سيد محمود على إنجازه الملفّ التوثيقي المهم، عن إقامة الشاعر محمود درويش في القاهرة (أول مدينةٍ عربيةٍ خارج فلسطين يراها)، من 9 فبراير/ شباط 1971 إلى 1973 (متى بالضبط؟)، في مجلة الأهرام العربي، بل وأيضا شكره على مجهودِه هذا، المرجوّ أن يتّسع لاحقا في كتابٍ مستقلّ، مزوّدٍ بنصوص المقالات المُشار إليها فيه، وبصور أكثر وضوحا للوثائق المُصاحبة. ولمن يشاء أن يُدرج هذا العمل، الموصول بجهدٍ سابق، ممتازٍ أيضا، أنجزه الشاعر أحمد الشهاوي، ضمن صحافة النجوم، (نجوميّة درويش مبكّرة، ومستمرة، وعالمية) فله ذلك، سيّما إذا تذرّع بأن كلا من سيد وأحمد جاء على ما نشرته صحيفة الأهرام، في إبريل/ نيسان 1971، أن "الشاعر الشاب محمود درويش يكتب الآن قصةً سينمائيةً عن الأرض المحتلة، رُشّح لبطولتها سعاد حسني، ولإخراجها شادي عبد السلام"، وأنه سيكتب أغاني الفيلم، وهو ما لم يتمّ أبدا. ولمّا جاء الملفّ على إرسال نجاة الصغيرة ورودا إلى درويش في منزل أحمد بهاء الدين، ساعة احتفالٍ بعيد ميلاده، وورودا أخرى غير مرّة إليه في فندقٍ كان يقيم فيه، ولمّا جاء أيضاً على علاقة حبٍّ، قيل إنها جمعت المغنية والشاعر (ليست صحيحةً أبدا)، ففي وسع من يريد أن يراه ملفاً في صحافة النجوم أن يدلّل بهذا الأمر.
لا.. ليس الأمر كذلك، فللملفّ أهميةٌ ثقيلةٌ، في موضوعةٍ أخرى، أجدى للنظر والدّرس، تتعلق بمنظور مصر، دولةً ونخبا ومجتمعا إعلاميا وثقافيا، في السنوات الأولى بعد هزيمة 1967، إلى فلسطينيي الأراضي المحتلة في 1948. إننا أمام انتباهةٍ طيّبةٍ في هذا الأمر، فلم يتزيّد سيد محمود لمّا كتب إن انتقال درويش إلى مصر (من موسكو)، "على نحوٍ ما، قرار اتخذته الدولة المصرية"، وذلك بعد تحسّسٍ شديدٍ من أي صلةٍ بهؤلاء الفلسطينيين، طالما أنهم يحملون جوازات سفرٍ إسرائيلية. ومن ذلك أن درويش، في أثناء وجوده في صوفيا، ضمن وفد شعبي إسرائيلي (غير رسمي، ضمّ في أغلبيته عربا من الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، في مهرجان الشباب العالمي، في 1968، حاول الاتصال بالوفد المصري، وأن يُلقي شعرا أمامه، إلا أن طلبَه قوبل بالرفض (سيما من عضو الوفد رفعت السعيد)، على الرغم من أن مجلة الهلال كانت قد نشرت، قبل شهور من ذلك، ديوانَه "آخر الليل" كاملا، كما أن قصائد له (قليلة) نشرتها مجلاتٌ وصحفٌ مصرية. ونشر رجاء النقاش في مجلة المصوّر، في ديسمبر/ كانون الأول 1967، مقالا، يطالب فيه بمحاولةٍ عالمية (!)، لإنقاذ الشاعر المسجون في إسرائيل، محمود درويش. كما أن مقالا تعريفيا بالشاعر "محمود سليم درويش.. شاعر المقاومة الفلسطينية"، نشره غسّان كنفاني في "المصوّر"، قبل شهر من نكسة حزيران. ونشر صلاح عبد الصبور مقالا في مايو/ أيار 1968 عن "القدّيس المقاتل".
تجنّد الإعلام المصري، الرسمي وغيره، للدفاع عن قرار محمود درويش الإقامة في القاهرة، (وكانت "الأهرام" تنشر بعض أخبار أسفاره في باب النجوم)، وهو قرارٌ ساعده فيه مدير مكتب "الأهرام" في الاتحاد السوفياتي، عبد الملك خليل، وتاليا أحمد بهاء الدين. وقد تمّ تعيين الشاعر الشاب في إذاعة صوت العرب، بقرارٍ رئاسي. ونُظّم له مؤتمرٌ صحافيٌّ بحضور وزير الإعلام، محمد فائق، تلا فيه بيانا، يعدّ وثيقةً مهمةً، (منشور في الملف). ونشر أحمد عبد المعطي حجازي مقالا، يحثّ درويش على تعريف المصريين بالأدب الإسرائيلي، وبإفادتهم عن المجتمع الإسرائيلي. وأظنّه في موضعِه تماما اجتهاد سيد محمود أن التواصل مع العرب في الأراضي المحتلة، أصبح في تلك المرحلة (أواخر شهور جمال عبد الناصر وأول شهور أنور السادات) "جزءا من استراتيجية المواجهة في سبيل الرد ّعلى الهزيمة". وفي تلك الأثناء، هاجمته مجلة الحوادث اللبنانية، وطالبتْه بالعودة إلى إسرائيل.
.. اشتمل الملفّ على معلوماتٍ كثيرةٍ موثّقة عن مرحلة محمود درويش القاهرية، القصيرة تلك، يلتقي بعضُها مع ما تحدّث عنه درويش نفسه في مناسباتٍ سابقة، ومع ما كان قد نشره عنها أحمد الشهاوي ومحمود شعير. ولمّا جاء سيد محمود على العزلة التي بدأ الشاعر الفلسطيني، الضيف المقيم في القاهرة، يزاولُ شيئا منها، قبل أن يأخذ قراره بالمغادرة إلى بيروت، فإنه لم يعتن بتفاصيل هذه المغادرة، وما يتّصل بها، بعد أن أضاءَ جيدا على الوصول ومقدّماته وأسابيعه الأولى.. والأهم، بعد أن أوحى، باقتضابٍ شديدٍ، بأن ثمّة قرارا سياسيا عالي المستوى في هذا الشأن.
لا.. ليس الأمر كذلك، فللملفّ أهميةٌ ثقيلةٌ، في موضوعةٍ أخرى، أجدى للنظر والدّرس، تتعلق بمنظور مصر، دولةً ونخبا ومجتمعا إعلاميا وثقافيا، في السنوات الأولى بعد هزيمة 1967، إلى فلسطينيي الأراضي المحتلة في 1948. إننا أمام انتباهةٍ طيّبةٍ في هذا الأمر، فلم يتزيّد سيد محمود لمّا كتب إن انتقال درويش إلى مصر (من موسكو)، "على نحوٍ ما، قرار اتخذته الدولة المصرية"، وذلك بعد تحسّسٍ شديدٍ من أي صلةٍ بهؤلاء الفلسطينيين، طالما أنهم يحملون جوازات سفرٍ إسرائيلية. ومن ذلك أن درويش، في أثناء وجوده في صوفيا، ضمن وفد شعبي إسرائيلي (غير رسمي، ضمّ في أغلبيته عربا من الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، في مهرجان الشباب العالمي، في 1968، حاول الاتصال بالوفد المصري، وأن يُلقي شعرا أمامه، إلا أن طلبَه قوبل بالرفض (سيما من عضو الوفد رفعت السعيد)، على الرغم من أن مجلة الهلال كانت قد نشرت، قبل شهور من ذلك، ديوانَه "آخر الليل" كاملا، كما أن قصائد له (قليلة) نشرتها مجلاتٌ وصحفٌ مصرية. ونشر رجاء النقاش في مجلة المصوّر، في ديسمبر/ كانون الأول 1967، مقالا، يطالب فيه بمحاولةٍ عالمية (!)، لإنقاذ الشاعر المسجون في إسرائيل، محمود درويش. كما أن مقالا تعريفيا بالشاعر "محمود سليم درويش.. شاعر المقاومة الفلسطينية"، نشره غسّان كنفاني في "المصوّر"، قبل شهر من نكسة حزيران. ونشر صلاح عبد الصبور مقالا في مايو/ أيار 1968 عن "القدّيس المقاتل".
تجنّد الإعلام المصري، الرسمي وغيره، للدفاع عن قرار محمود درويش الإقامة في القاهرة، (وكانت "الأهرام" تنشر بعض أخبار أسفاره في باب النجوم)، وهو قرارٌ ساعده فيه مدير مكتب "الأهرام" في الاتحاد السوفياتي، عبد الملك خليل، وتاليا أحمد بهاء الدين. وقد تمّ تعيين الشاعر الشاب في إذاعة صوت العرب، بقرارٍ رئاسي. ونُظّم له مؤتمرٌ صحافيٌّ بحضور وزير الإعلام، محمد فائق، تلا فيه بيانا، يعدّ وثيقةً مهمةً، (منشور في الملف). ونشر أحمد عبد المعطي حجازي مقالا، يحثّ درويش على تعريف المصريين بالأدب الإسرائيلي، وبإفادتهم عن المجتمع الإسرائيلي. وأظنّه في موضعِه تماما اجتهاد سيد محمود أن التواصل مع العرب في الأراضي المحتلة، أصبح في تلك المرحلة (أواخر شهور جمال عبد الناصر وأول شهور أنور السادات) "جزءا من استراتيجية المواجهة في سبيل الرد ّعلى الهزيمة". وفي تلك الأثناء، هاجمته مجلة الحوادث اللبنانية، وطالبتْه بالعودة إلى إسرائيل.
.. اشتمل الملفّ على معلوماتٍ كثيرةٍ موثّقة عن مرحلة محمود درويش القاهرية، القصيرة تلك، يلتقي بعضُها مع ما تحدّث عنه درويش نفسه في مناسباتٍ سابقة، ومع ما كان قد نشره عنها أحمد الشهاوي ومحمود شعير. ولمّا جاء سيد محمود على العزلة التي بدأ الشاعر الفلسطيني، الضيف المقيم في القاهرة، يزاولُ شيئا منها، قبل أن يأخذ قراره بالمغادرة إلى بيروت، فإنه لم يعتن بتفاصيل هذه المغادرة، وما يتّصل بها، بعد أن أضاءَ جيدا على الوصول ومقدّماته وأسابيعه الأولى.. والأهم، بعد أن أوحى، باقتضابٍ شديدٍ، بأن ثمّة قرارا سياسيا عالي المستوى في هذا الشأن.