10 نوفمبر 2024
ظهور "المسيح" الدجال؟
أميركا مليئة بالخرافات، مثلما تعج بالمعارف والعلوم التي أكسبتها ريادة العالم. ويبدو أن العقل الأميركي يعاني من حالات انشطار عديدة، جعلته يجمع بين الصرامة العلمية التي لا تقبل الشك والإيمان بتهيئات وفرضيات هي أقرب إلى الأسطورة منها إلى أي شيء آخر. لهذا تجد قادتهم يخاطبون شعوب العالم بلغةٍ تتعارض، في مفرداتها وجوهرها، مع القاموس المعتمد في داخل الفضاء الأميركي. ويصرّون على هذه الازدواجية، لتبرير اختيارات استراتيجية قد تكون الأشد ظلما وعدوانية.
عندما أصبح تنظيم داعش قوةً عسكريةً قادرة على إيذاء الولايات المتحدة، مثلما فعل تنظيم القاعدة، لم تتردّد مراكز أميركية عديدة في الهجوم على الإسلام دينا، بحجة أنه المسؤول عن تفريخ هذه الظواهر الخطيرة على الاستقرار العالمي. وسمح مسؤولون في الإدارة الأميركية، منتمون إلى أقصى اليمين، لأنفسهم بمطالبة المسلمين، حكاما وشعوبا، بتغيير دينهم وقرآنهم حتى يصبح أكثر "عقلانية".
في مقابل ذلك، قرّر ترامب الاعتماد على طائفة المسيحيين الإنجيليين، أو بالأحرى على بعض رجال الدين منهم الأكثر راديكالية وتطرّفا، لكي يستفيد منهم انتخابيا، واستجاب لبعض معتقداتهم القائمة على فرضياتٍ تتعارض كليا مع الحقوق التاريخية والدينية للفلسطينيين، بجناحيهم، المسلم والمسيحي، فعند تدشين مقر السفارة الأميركية في القدس، شارك في ذلك الحدث قسيسان معروفان بإهانتهما المتعمّدة للديانات الأخرى، وفي مقدمتها الإسلام، وكذلك بدفاعهما المستميت عن "النبوءة التوراتية للمجيء الثاني ليسوع المسيح ونهاية العالم".
تعتمد هذه الأسطورة على كتاب "سفر الأيام" الذي فيه إعلانٌ من الربّ، حسب اعتقادهم، بأنه اختار القدس (ليبقى اسمي فيها واخترت داود ليكون ملكا على شعبي إسرائيل). وبقطع النظر عن وفاة النبي داود منذ قرون عديدة، فقد جعلوا من الإله تاجر عقارات، كما جاء على لسان الأسقف السابق للقدس، رياح أبو العسل، حين نسبوا إلى الربّ هذا الوعد الذي زعموا أنه قد أعطاه لداود "سأمنحك، وذريتك من بعدك، ملكية دائمة لأرض كنعان كلها، حيث تقيم الآن غريبا".
الأكثر غرابةً أن الهدف من هذا التمكين ليس تقديم الدعم للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، وإنما لاعتقادهم أن من شأن السيطرة النهائية للإسرائيليين على كامل القدس أن تعجّل بعودة المسيح، وإعلان نهاية العالم. أي أن الرئيس ترامب، بدل أن تكون مهمته تأجيل نهاية العالم وحماية بقاء أميركا والعالم، تراه يتحالف مع المبشّرين والداعين إلى التعجيل بوضع حد لدورة الحياة. هل هذه سياسة عقلانية سليمة؟
عندما تقترب من التفاصيل، وتكمل وضع بقية قطع البازل تصاب بالدوار، وتسأل نفسك: هل أنت أمام مشهد حقيقي، أم أنك في فيلم من الخيال العلمي؟ بعد الاستيقاظ من هذا الحلم المزعج، تسأل نفسك: كيف ستواجه أبناء وطنك ودينك الذين توجهوا إلى الشام، ليستشهدوا بحجة أنها أرض مباركة، وميدان الحسم في معركة استعادة الخلافة. ويعود بك خطباؤهم إلى نصوص منقولة من كتب الحديث، تصوّر لك المعركة الحاسمة بين جيوش الروم وجيش المسلمين، ويجعلونك تعتقد أنك تشاهد نقلا مباشرا لهذه المعركة. لكنك تستيقظ على خاتمة مختلفة، إذ بدل أن ينتصر "الجيش الإسلامي"، يُصاب هذا الجيش بالنكسة والهزيمة. وبدل أن يظهر المهدي المنتظر، لقيادة المعركة النهائية التي بعدها ستملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا قبل نهاية العالم، تتحوّل الشام وغيرها إلى ساحةٍ ملائمة لظهور العشرات من نسخ "عيسى الدجال".
يبدو أن الجميع، من أميركا إلى الشرق الأوسط، لم يتحرّروا من الماضي السحيق. إنهم، بدراويشهم وزعمائهم، يتخبّطون في دورة الزمن القاتل. الجميع يختلط لديهم الحق بالوهم، والواقع بالأساطير، فاللاعقلانية التي وصف بها ياسين الحافظ السياسة العربية لا تقف عند الشرق الأوسط، وإنما تهيمن حاليا على السياسات الدولية.
القوة والمال وحدهما يشكلان آلهة العصر. لا شيء يصمد أمامهما. هكذا تبدو الصورة. لكن، بقليل من الصبر والحكمة، سيكتشف العارفون أن العملة الزائفة لن تصمد، مهما طال الزمن.
عندما أصبح تنظيم داعش قوةً عسكريةً قادرة على إيذاء الولايات المتحدة، مثلما فعل تنظيم القاعدة، لم تتردّد مراكز أميركية عديدة في الهجوم على الإسلام دينا، بحجة أنه المسؤول عن تفريخ هذه الظواهر الخطيرة على الاستقرار العالمي. وسمح مسؤولون في الإدارة الأميركية، منتمون إلى أقصى اليمين، لأنفسهم بمطالبة المسلمين، حكاما وشعوبا، بتغيير دينهم وقرآنهم حتى يصبح أكثر "عقلانية".
في مقابل ذلك، قرّر ترامب الاعتماد على طائفة المسيحيين الإنجيليين، أو بالأحرى على بعض رجال الدين منهم الأكثر راديكالية وتطرّفا، لكي يستفيد منهم انتخابيا، واستجاب لبعض معتقداتهم القائمة على فرضياتٍ تتعارض كليا مع الحقوق التاريخية والدينية للفلسطينيين، بجناحيهم، المسلم والمسيحي، فعند تدشين مقر السفارة الأميركية في القدس، شارك في ذلك الحدث قسيسان معروفان بإهانتهما المتعمّدة للديانات الأخرى، وفي مقدمتها الإسلام، وكذلك بدفاعهما المستميت عن "النبوءة التوراتية للمجيء الثاني ليسوع المسيح ونهاية العالم".
تعتمد هذه الأسطورة على كتاب "سفر الأيام" الذي فيه إعلانٌ من الربّ، حسب اعتقادهم، بأنه اختار القدس (ليبقى اسمي فيها واخترت داود ليكون ملكا على شعبي إسرائيل). وبقطع النظر عن وفاة النبي داود منذ قرون عديدة، فقد جعلوا من الإله تاجر عقارات، كما جاء على لسان الأسقف السابق للقدس، رياح أبو العسل، حين نسبوا إلى الربّ هذا الوعد الذي زعموا أنه قد أعطاه لداود "سأمنحك، وذريتك من بعدك، ملكية دائمة لأرض كنعان كلها، حيث تقيم الآن غريبا".
الأكثر غرابةً أن الهدف من هذا التمكين ليس تقديم الدعم للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، وإنما لاعتقادهم أن من شأن السيطرة النهائية للإسرائيليين على كامل القدس أن تعجّل بعودة المسيح، وإعلان نهاية العالم. أي أن الرئيس ترامب، بدل أن تكون مهمته تأجيل نهاية العالم وحماية بقاء أميركا والعالم، تراه يتحالف مع المبشّرين والداعين إلى التعجيل بوضع حد لدورة الحياة. هل هذه سياسة عقلانية سليمة؟
عندما تقترب من التفاصيل، وتكمل وضع بقية قطع البازل تصاب بالدوار، وتسأل نفسك: هل أنت أمام مشهد حقيقي، أم أنك في فيلم من الخيال العلمي؟ بعد الاستيقاظ من هذا الحلم المزعج، تسأل نفسك: كيف ستواجه أبناء وطنك ودينك الذين توجهوا إلى الشام، ليستشهدوا بحجة أنها أرض مباركة، وميدان الحسم في معركة استعادة الخلافة. ويعود بك خطباؤهم إلى نصوص منقولة من كتب الحديث، تصوّر لك المعركة الحاسمة بين جيوش الروم وجيش المسلمين، ويجعلونك تعتقد أنك تشاهد نقلا مباشرا لهذه المعركة. لكنك تستيقظ على خاتمة مختلفة، إذ بدل أن ينتصر "الجيش الإسلامي"، يُصاب هذا الجيش بالنكسة والهزيمة. وبدل أن يظهر المهدي المنتظر، لقيادة المعركة النهائية التي بعدها ستملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا قبل نهاية العالم، تتحوّل الشام وغيرها إلى ساحةٍ ملائمة لظهور العشرات من نسخ "عيسى الدجال".
يبدو أن الجميع، من أميركا إلى الشرق الأوسط، لم يتحرّروا من الماضي السحيق. إنهم، بدراويشهم وزعمائهم، يتخبّطون في دورة الزمن القاتل. الجميع يختلط لديهم الحق بالوهم، والواقع بالأساطير، فاللاعقلانية التي وصف بها ياسين الحافظ السياسة العربية لا تقف عند الشرق الأوسط، وإنما تهيمن حاليا على السياسات الدولية.
القوة والمال وحدهما يشكلان آلهة العصر. لا شيء يصمد أمامهما. هكذا تبدو الصورة. لكن، بقليل من الصبر والحكمة، سيكتشف العارفون أن العملة الزائفة لن تصمد، مهما طال الزمن.