05 نوفمبر 2024
ماذا يريد ترامب من محاورة طهران؟
فاجأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كعادته، أركان إدارته ومسؤوليها، بإعلان استعداده للاجتماع بالقيادة الإيرانية من دون أي شروط مسبقة، الأمر الذي كان له وقع الصدمة على أوساط سياسية عديدة في الولايات المتحدة وفي مختلف العواصم العالمية، وأثار جملة من الأسئلة بشأن ما يريده ترامب من حواره مع ملالي إيران، خصوصاً أن إعلانه يأتي قبل أسبوع من تطبيق الحزمة الأولى من العقوبات على نظام الملالي الإيراني، وما هي أسباب هذا الإعلان المفاجئ الذي يشكل تحولاً في الإستراتيجية الأميركية بشأن معاقبة إيران وتحجيم دورها في المنطقة. والأهم أن هذا الإعلان جاء بعد أسابيع قليلة على قمة هلسنكي بين الرئيسين، الأميركي والروسي فلاديمير بوتين، والجدال الذي أثير بشأن مواقف ترامب في القمة.
ومعروف عن الرئيس ترامب أنه مثير للجدل، بالنظر إلى تغريداته على "تويتر" وتصريحاته وسلوكه العدائي مع الحلفاء الأوروبيين، وتركيبته الشخصية الاستعراضية، وشعبويته الممزوجة بالعنصرية وباستعلائية الرجل الأبيض، ومحاولات إظهار نفسه الرجل القادر على صنع المفاجئ واللا متوقع، بل وإثارة الزوابع والعواصف، إضافة إلى امتلاكه قدرة استثنائية في الاستعراض وخطف الأضواء وخلط الأوراق مع الأصدقاء قبل الأعداء.
غير أن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة هم من أكثر المتفاجئين بهذا التحول،
خصوصاً بعد أن اطمأنوا للإستراتيجية الأميركية التي أعلنها وزير الخارجية، مايك بومبيو، لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وتضمنت 12 بنداً، تبدأ بمجال اقتصادي بفرض عقوبات اقتصادية، بدأ الاقتصاد الإيراني يتأثر بها قبل تطبيقها.
أما ساسة نظام الملالي الإيراني، فلم يتأخر ردهم وتشكيكهم بالدعوة الأميركية، إذ اشترط بعضهم أن يعاود الرئيس الأميركي الانضمام إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه، حسبما قال رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، معتبراً ذلك شرطاً قبل أن يفكر ساسة طهران في التفاوض. وذهب آخرون إلى التشكيك في التفاوض مع ترامب، لأنه "غير جدير بالثقة"، لكن هذه التصريحات لا تعكس حقيقة موقف نظام الملالي في إيران، إذ عادة ما يقولون عكس ما يتصرفون بعيداً عن الأضواء.
ويبدو أن ترامب يريد من إعلان استعداده للحوار مع ملالي النظام الإيراني إظهار وجه آخر إلى جانب تشدّده تجاه هذا النظام، مكرراً سابقة الحوار مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي عقد معه قمة تاريخية في 12 يونيو/ حزيران الماضي، بعد سيل من الإهانات والاتهامات والتهديد بالذهاب إلى الحرب، وبالتالي فإن إعلانه الاستعداد للحوار مع ملالي إيران قد يدخل في باب جرّهم إلى الحوار، ونقلهم من موقع الخصم إلى موقع المحاور.
وإذا كان الحوار مع زعيم كوريا الشمالية قد سبقته وساطةٌ من زعيم كوريا الجنوبية وتحضيرات عديدة، فإنه في الحالة الإيرانية تشير معطيات إلى وجود وساطة دول معينة قد تكون عُمان من ضمنها، خصوصاً أن إعلان ترامب جاء بعد ساعات قليلة على وجود وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، في واشنطن، الأمر الذي يرسل إشارات في هذا الصدد، خصوصاً وأن ساسة عُمان قد احترفوا الوساطة في ملفات المنطقة، تخلوا عن دبلوماسيتهم الهادئة، ولعبوا أدوار وساطة في الملف النووي الإيراني، وفي الملفين اليمني والسوري وسواهما، وباتت مسقط تطرق باب احتراف الوساطة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن تزامن وجود الوزير العماني في واشنطن مع إعلان ترامب استعداده للحوار مع ملالي النظام الإيراني لم يكن مصادفة محضة، إذ سبق وأن كشفت مجلة أنتليجانس عن لقاءات جرت في مسقط، أخيراً، بين وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ونظيره العماني بن علوي، ومدير جهاز المخابرات الداخلية العمانية، الجنرال سلطان بن محمد النعماني. وكانت هذه الاجتماعات وسواها في إطار بحث مهام عُمانية جديدة، ضمن الوساطة المتعلقة بالأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة ونظام الملالي الإيراني، عبر رعاية محادثات سرية بين الطرفين، ما يعزّز احتمال أن ساسة سلطنة عُمان نسجوا خيوط الوساطة ومضامينها، قبل أن يطلق ترامب مفاجأته حيال الحوار مع ملالي طهران.
وفي هذا السياق، يبرز التساؤل عن ماهية التنازلات التي سيقدمها ساسة نظام الملالي الإيراني
لإدارة ترامب، وخصوصاً فيما يتعلق بمطالب الإدارة الأميركية المتمحورة حول ضرورة تخلي إيران عن طموحاتها النووية، وأن تحجم عن لعب دور إقليمي مخرّب في دول المنطقة، وهل بالفعل يستعد ساسة هذا النظام للتخلي عن البرنامج النووي، وعن أذرعهم الاخطبوطية التدخلية في المنطقة، وخصوصاً التخلي عن دعم مليشيات حزب الله والحوثيين، وسحب مليشياتهم وقواتهم من سورية.
ويبدو أن دعوة الرئيس ترامب إلى الحوار غير المشروط هي ليست كذلك في حقيقة الأمر، حيث حدّد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، شروطاً لها، بعد ساعات قليلة فقط من إعلان ترامب، وحدّدها بأن يبدي "الإيرانيون التزاماً بإجراء تغيراتٍ جوهرية في كيفية تعاملهم مع شعبهم، والحدّ من سلوكهم الخبيث".
وتعكس تصريحات بومبيو الذي سبق وأن وصف نظام الملالي الإيراني بالمافيا حقيقة الموقف الأميركي من النقاط التي قدمتها طهران عبر الوسطاء، لكنها أيضاً تعكس انقساماً داخل الإدارة الأميركية حيال نظام الملالي، وحيال سواه، وخصوصاً حيال روسيا، إذ كشفت تقارير أميركية تبايناً واختلافاً في المواقف، بدأ يظهر بين الرئيس الأميركي ومعه وزير الخارجية بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس من ناحية، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، من ناحية أخرى، خصوصاً بعد قمة هلسنكي مع بوتين.
ويبقى أن دونالد ترامب يمثل ظاهرة جديدة، وهي ليست وحيدة في العالم، إنما تحاكي ظواهر شعبوية أخرى في روسيا، ممثلة بشخص بوتين، وفي نظام الملالي الإيراني في شخص كبير الملالي ومرشدهم الأعلى، وفي كوريا الشمالية وسواها، وصولاً إلى المجرم القابع في دمشق تحت الوصايتين، الإيرانية والروسية. ولا يمكن استبعاد أن تكون دعوة ترامب الحوارية تدخل في باب ترتيبات سرّية جرت في قمة هلسنكي، ضمن ترتيباتٍ تخص الملف السوري، وكيفية احتواء نظام الملالي الإيراني، والحّد من نفوذه، عبر فتح نافذة في إطار التعاون والتفاهم بين ترامب وبوتين، لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط.
ومعروف عن الرئيس ترامب أنه مثير للجدل، بالنظر إلى تغريداته على "تويتر" وتصريحاته وسلوكه العدائي مع الحلفاء الأوروبيين، وتركيبته الشخصية الاستعراضية، وشعبويته الممزوجة بالعنصرية وباستعلائية الرجل الأبيض، ومحاولات إظهار نفسه الرجل القادر على صنع المفاجئ واللا متوقع، بل وإثارة الزوابع والعواصف، إضافة إلى امتلاكه قدرة استثنائية في الاستعراض وخطف الأضواء وخلط الأوراق مع الأصدقاء قبل الأعداء.
غير أن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة هم من أكثر المتفاجئين بهذا التحول،
أما ساسة نظام الملالي الإيراني، فلم يتأخر ردهم وتشكيكهم بالدعوة الأميركية، إذ اشترط بعضهم أن يعاود الرئيس الأميركي الانضمام إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه، حسبما قال رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، معتبراً ذلك شرطاً قبل أن يفكر ساسة طهران في التفاوض. وذهب آخرون إلى التشكيك في التفاوض مع ترامب، لأنه "غير جدير بالثقة"، لكن هذه التصريحات لا تعكس حقيقة موقف نظام الملالي في إيران، إذ عادة ما يقولون عكس ما يتصرفون بعيداً عن الأضواء.
ويبدو أن ترامب يريد من إعلان استعداده للحوار مع ملالي النظام الإيراني إظهار وجه آخر إلى جانب تشدّده تجاه هذا النظام، مكرراً سابقة الحوار مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي عقد معه قمة تاريخية في 12 يونيو/ حزيران الماضي، بعد سيل من الإهانات والاتهامات والتهديد بالذهاب إلى الحرب، وبالتالي فإن إعلانه الاستعداد للحوار مع ملالي إيران قد يدخل في باب جرّهم إلى الحوار، ونقلهم من موقع الخصم إلى موقع المحاور.
وإذا كان الحوار مع زعيم كوريا الشمالية قد سبقته وساطةٌ من زعيم كوريا الجنوبية وتحضيرات عديدة، فإنه في الحالة الإيرانية تشير معطيات إلى وجود وساطة دول معينة قد تكون عُمان من ضمنها، خصوصاً أن إعلان ترامب جاء بعد ساعات قليلة على وجود وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، في واشنطن، الأمر الذي يرسل إشارات في هذا الصدد، خصوصاً وأن ساسة عُمان قد احترفوا الوساطة في ملفات المنطقة، تخلوا عن دبلوماسيتهم الهادئة، ولعبوا أدوار وساطة في الملف النووي الإيراني، وفي الملفين اليمني والسوري وسواهما، وباتت مسقط تطرق باب احتراف الوساطة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن تزامن وجود الوزير العماني في واشنطن مع إعلان ترامب استعداده للحوار مع ملالي النظام الإيراني لم يكن مصادفة محضة، إذ سبق وأن كشفت مجلة أنتليجانس عن لقاءات جرت في مسقط، أخيراً، بين وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ونظيره العماني بن علوي، ومدير جهاز المخابرات الداخلية العمانية، الجنرال سلطان بن محمد النعماني. وكانت هذه الاجتماعات وسواها في إطار بحث مهام عُمانية جديدة، ضمن الوساطة المتعلقة بالأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة ونظام الملالي الإيراني، عبر رعاية محادثات سرية بين الطرفين، ما يعزّز احتمال أن ساسة سلطنة عُمان نسجوا خيوط الوساطة ومضامينها، قبل أن يطلق ترامب مفاجأته حيال الحوار مع ملالي طهران.
وفي هذا السياق، يبرز التساؤل عن ماهية التنازلات التي سيقدمها ساسة نظام الملالي الإيراني
ويبدو أن دعوة الرئيس ترامب إلى الحوار غير المشروط هي ليست كذلك في حقيقة الأمر، حيث حدّد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، شروطاً لها، بعد ساعات قليلة فقط من إعلان ترامب، وحدّدها بأن يبدي "الإيرانيون التزاماً بإجراء تغيراتٍ جوهرية في كيفية تعاملهم مع شعبهم، والحدّ من سلوكهم الخبيث".
وتعكس تصريحات بومبيو الذي سبق وأن وصف نظام الملالي الإيراني بالمافيا حقيقة الموقف الأميركي من النقاط التي قدمتها طهران عبر الوسطاء، لكنها أيضاً تعكس انقساماً داخل الإدارة الأميركية حيال نظام الملالي، وحيال سواه، وخصوصاً حيال روسيا، إذ كشفت تقارير أميركية تبايناً واختلافاً في المواقف، بدأ يظهر بين الرئيس الأميركي ومعه وزير الخارجية بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس من ناحية، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، من ناحية أخرى، خصوصاً بعد قمة هلسنكي مع بوتين.
ويبقى أن دونالد ترامب يمثل ظاهرة جديدة، وهي ليست وحيدة في العالم، إنما تحاكي ظواهر شعبوية أخرى في روسيا، ممثلة بشخص بوتين، وفي نظام الملالي الإيراني في شخص كبير الملالي ومرشدهم الأعلى، وفي كوريا الشمالية وسواها، وصولاً إلى المجرم القابع في دمشق تحت الوصايتين، الإيرانية والروسية. ولا يمكن استبعاد أن تكون دعوة ترامب الحوارية تدخل في باب ترتيبات سرّية جرت في قمة هلسنكي، ضمن ترتيباتٍ تخص الملف السوري، وكيفية احتواء نظام الملالي الإيراني، والحّد من نفوذه، عبر فتح نافذة في إطار التعاون والتفاهم بين ترامب وبوتين، لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط.