هل يتصاعد الغضب الفلسطيني؟

30 نوفمبر 2019
+ الخط -
بدعوةٍ من حركة فتح والقوى والفصائل الوطنية الفلسطينية، والمؤسسات والنقابات الفلسطينية، خرجت مسيرات في المدن الفلسطينية في الضفة الغربية ردًّا على قرار الولايات المتحدة، الذي أعلنه وزير خارجيتها مايك بومبيو، الاعتراف بشرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلَّة. وهذه المرّة ثمَّة دعواتٌ من الفصائل الوطنية للتوجُّه إلى نقاط التماسِّ مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن ينتهي "يوم الغضب" بالطرق الالتفافية والحواجز العسكرية، لقطع الطرق على المستوطنين، كوسيلة ضاغطة عليهم وإيصال رسالة الجماهير الغاضبة. 
ولا تخفى خطورة هذا القرار الأميركي الصريح، بعد عدّة مواقف عدائية صدرت عن إدارة الرئيس دونالد ترامب، تصبُّ جميعُها في تصفية القضية الفلسطينية، وإسدال الستار، من طرف واحد، أميركي وإسرائيلي، على ما تسمَّى قضايا الحلِّ النهائي، وبات من الواضح الاتجاه الذي تسير به هذه الإدارة الأميركية المصطفة مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اصطفافًا تامًّا، وهو فَرْض الأمر الواقع، وإخضاع الفلسطينيين إلى رؤية اليمين الاحتلالي المتطرِّف والعنصري.
استهدف ترامب قضية اللاجئين حين ألغت إدارته مساهمة بلاده المالية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). واعترف بالقدس عاصمةً للاحتلال، ونقل سفارة بلاده إليها، ثم أجهز على حلّ الدولتين، بالاعتراف أخيرا بحقِّ إسرائيل في الاستيطان في الضفة الغربية، الأرض المحتلة بإجماع العالم، وذلك تمهيدا لاعتراف إدارة ترامب بضمِّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وفرض سيادتها عليها، في مخالفةٍ سافرةٍ ومستفزّة للقانون الدولي، وفي سابقة خطيرة تهدِّد مبادئ عالمية إنسانية في مثل هذه النزاعات. وكانت المعارضة لذلك القرار واسعة، حتى طاولت الكونغرس الأميركي.
وكما فاجأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، نهاية 1987، العالم، فلا يوجد ما يمنع من خروج 
الحالة الفلسطينية عن المسار الذي تحاول دول عربية مطبِّعة تكريسه، وهو ليس التطبيع مع إسرائيل، فقط، ولكنه التطبيع مع الأوضاع الذي آلت إليها عقلية قادة الاحتلال في ظلّ التحوُّلات الأكثر يمينيَّة دينية وقومية؛ هذا الاحتلال المُصرّ على معادلة صفرية، تطمح إلى السيطرة الكاملة على الأرض والموارد والمقدّرات، من دون أيّ مقابل، بمعادلة السلام مقابل السلام، بل الاحتلال والاستيطان مقابل السلام، فمن حيث الوعي، لا أمل كبيرًا لدى الفلسطينيين بقوى سلامٍ في المجتمع الإسرائيلي، حيث الحزبان الأكبران المتنافسان يتباريان في طمس الحقوق الفلسطينية، الليكود، بزعامة نتنياهو، وأزرق - أبيض، بزعامة رئيس الأركان السابق بيني غانتس. وحتى في الانتخابات الإسرائيلية التي تكرّرت مرَّتين، هذا العام، لم تحظَ قضية السلام بحضور في السِّجالات بين الأحزاب المهمة، ولم يكن لها أثر ملحوظ في أصوات الناخبين، وظلّ الليكود، أحزاب اليمين، تحتفظ بالتأييد الواسع، على الرغم من أنها تعلن أنها لا تهتمّ بسلام مع الفلسطينيين، أو مع القيادة الفلسطينية الحالية.
ولكن الساحة الفلسطينية التي تعرف حالة من الانقسام، ليس فقط الماثل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن في افتقاد الوحدة الناضجة، حتى في القوى الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، على برنامج نضالي، بين الاستمرار في المسار السلمي، التفاوضي، أو المواجِه، بالقانون، وبالنضال الشعبي، وتفعيل المقاومة المسلّحة.
أما خيار المقاومة المسلّحة فلا موافقة عليه من السلطة الفلسطينية، ومن الرئيس محمود عباس، ولا نلمح تغايُرًا بين حركة فتح والسلطة، وقيادتها، إذ أبو مازن هو قائد "فتح"، ومرشّحها الوحيد للانتخابات المزمعة. وفي حال لم تنخرط الحركة في خيار المقاومة المسلَّحة، وبقيت السلطة الفلسطينية على التزاماتها المترتبة على اتفاق أوسلو، ومن أهمّها التنسيق الأمني، من الصعب أن تتخلَّق بيئةٌ مناسبة لعمليات مقاومة ذات تأثير موجع على الاحتلال، يضطرّه، قادةً، ومجتمعًا، أن يعيد النظر في سياسته التي تتجاهل الشعب الفلسطيني.
ودوليا، لا يتشكّل مناخٌ دوليٌّ مساند للعمل العسكري، بعدما نجحت، إلى حدٍّ كبير، أميركا، في دعم المزاعم الإسرائيلية التي تسوّي بين المقاومة المشروعة، في القانون الدولي، ضد المحتل، والإرهاب. حتى وصل الأمر بالإدارة الأميركية إلى قرارها إغلاق مكتب منظّمة التحرير في واشنطن، بحجّة القلق من المحاولات الفلسطينية الرامية إلى دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيقٍ يطاول جرائم إسرائيل، أو إسرائيليين.
أما المقاومة السِّلمية فتحتاج إلى زخم كبير حتى تلفت الأنظار، لا أن تبقى محصورة في نقاط، 
وأوقات محدودة، وأن تكون مصحوبةً بمسارات قانونية دولية، وتأييد عربي وإقليمي، وأقلّه أن يشعر الإسرائيليون الذين يتماهون مع أحزاب اليمين المتطرّفة، برفض عربي رسمي تسبِّبه سياساتُ الاحتلال، أما وزراء دولة الاحتلال فيُستقبَلون، علنًا، في عواصم عربية لمّا تعقد مع إسرائيل، بعد، معاهدة سلام، وشخصيات رفيعة وثقافية تجهر بصداقة إسرائيل، فالأمر يغري بمزيدٍ من الاستهتار بالحقوق الفلسطينية، والاستهانة بالرفض السلمي للاحتلال.
ولدى الفلسطينيين، ولا سيما جيل الشباب ما يكفي من الحماسة والوعي، للانخراط في مواجهاتٍ مع الاحتلال، وفي الساحة الفلسطينية من أحداث/ الشرارة، كما كان من استشهاد الأسير سامي أبو دياك الذي تعرّض إلى إهمال طبيٍّ متعمَّد، تمارسه سلطات الاحتلال بحقِّ كل الأسرى. ولكن لهذه الاندفاعة الشبابية محاذير، منها أن لا يُترَكوا أهدافًا سهلة، من دون توجيه، أو تنظيم، ينال جنود الاحتلالُ المحصَّنين من أرواحهم، ومن سلامتهم، وأن لا تكون تلك المواجهات تنفيسًا عابرًا للغضب المحتقن، من دون أن يُدمَج في عمل نضالي واسع، لا تكون السلطة الفلسطينية بمعزل عمليٍّ عنه.
وإزاء المرحلة المفصلية التي يعيشها الفلسطينيون وقضيَّتُهم، لا يكفي يوم غضب عابر، وإن كان التعبير عن الغضب ضروريًّا، إذ تتطلَّب المرحلة إعادة نظر جدِّية في مجمل المسار الفلسطيني، ومفردات الصراع، وإعادة النظر في الهياكل الرسمية والفصائلية، ومدى ملاءمتها الغرض الذي أنشئت من أجله، فلا بدَّ أن الفلسطينيين يرصدون، بوعي، جدارة تلك الهياكل بالتصدّي للمخاطر المصيرية التي تُحدق بالقضية والمصير، الآن، وهل أنها تعوق، فعلًا، تلك الهجمة الشرسة والمستفزِّة من الاحتلال، والإدارة الأميركية الداعمة له؟
الكاتب أسامة عثمان
الكاتب أسامة عثمان
أسامة عثمان
كاتب فلسطيني
أسامة عثمان