11 سبتمبر 2024
الأسماء الخمسة في الانتخابات الجزائرية
أعلنت السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات في الجزائر، أول من أمس، عن قائمة خمسة مرشحين مقبولين لخوض التنافس على كُرسي الرّئاسة، بعد تمحيص 22 ملفاً لراغبين في الترشح لرئاسيات 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، يضم كل ملف أكثر من 50 ألف استمارة اكتتاب توقيعات فردية. يحدث هذا بعد يوم صاخب في ذكرى عيد الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، جابت فيه الجماهير شوارع العاصمة الجزائرية والحواضر الكبرى، منادية بإبعاد رموز نظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وبإنجاز مسار ديمقراطي يخرج البلاد من أزمتها الحالية. جرى الإعلان عن أسماء المرشحين أيضا بعد أن أظهر قائد الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، في خطابه أخيرا إصراراً على الذهاب إلى تنفيذ خطته في تنظيم الانتخابات الرئاسية يوم 12/12، ومواجهة كل العراقيل التي قد تحد من سيرها، بما فيها حركة الإضرابات التي شملت القضاء، والتي هدّد فيها القضاة بتمديد إضرابهم إلى أمد قد يؤثر على تنظيم الاقتراع. وهو الخطاب الذي يعطي الخط الأخضر للعد التنازلي، لإجراء الانتخاب من دون الأخذ بالاعتبار أية مواقف، سواء الرافضة منها أو المتحفظة من الأحزاب السياسية أو الهيئات المدنية. بل كان قائد الجيش قد وجّه تحذيراتٍ شديدة اللهجة إلى المجموعات السياسية والمدنية التي قد تُقدم على عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية.
قد يؤدي هذا التمترس وراء المواقف الحادّة من الطرفين إلى تخوفٍ مشروع من توترات غير محسوبة العواقب، سواء كان ذلك خلال الحملة الانتخابية، أو في يوم الاقتراع نفسه، خصوصا مع وجود تعليمات صارمة إلى أجهزة الأمن لمجابهة أي عراقيل من أي مصدر كان للعملية الانتخابية برمتها، من حملتها الدعائية إلى يوم إجرائها، فكيف السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة الجديدة التي أرخت بظلالها على الجزائر؟
سؤال كبير كبر الأزمة، فبقدر ما لاح في الأفق من أمل، ومن عودة وعي لدى الجماهير ونخبة واسعة من الفاعلين في السياسة الجزائرية، إلا أن الخروج من الأزمة ليس بالسهولة التي
توقعها بعضهم. فرّط الحراك والسلطة معا في فرصٍ كثيرة أتيحت في الأشهر الماضية من عمر الأزمة، كان في الوسع الالتقاء في نقاط جوهرية متفق عليها، وتأجيل بعض الخلافات إلى ما بعد، باعتبار أن السنوات الخمس من عمر الرئاسة المقبلة ستكون مرحلة تأسيس للدولة الجزائرية الحديثة، المبينة على أسس ديمقراطية شفافة، بعيدة عن التزوير والأكاذيب وبيع الهواء المعلب.
هل نفقد الأمل بما آلت إليه الأمور بعد الحراك؟ الجميع يعرف أن السياسة هي فن الممكن، وأن على السلطة الفاعلة أولا أن تعرف أن الوعي الذي أعاد إنتاجه الشعب الجزائري لم يأت عبثا ولم يخلق من العدم، فرياحه هبت منذ سنوات، جمعت في طريقها ما تيسّر لها من خيبات واحتقان وانكسارات، ترادفت على مر الأعوام وتراكمت لتنفجر الجماهير غاضبة في وجه سلطة لم ترع للجزائر قيمتها ولا صيتها ولا هيبتها.
انتباهة أمل لا يمكن التفريط فيها بسهولة، وآلة الوعي هذه لا يمكن أن تعود القهقرى. صحيح أن السلطة الفعلية الحالية، وهي السلطة العسكرية، حمت الحراك، وساهمت في سقوط "الآلهة والأصنام"، ولكن عدم قدرتها على التجاوب الكافي مع فصيل واسع من الشارع، يلتقي معها في الثوابت، أبطأ كثيرا من التقدم في جني ثمار الحراك. قد تكون لهذه السلطة العسكرية مبرّراتها الموضوعية، ولكن الأدوات التي ما زالت تستعملها، أدوات قديمة، خصوصا في مجال الاتصال والإعلام، فغلق الصحف وقنوات التلفزيون والمواقع الإلكترونية أمام الصوت الآخر المعارض، أو حتى الصوت الوسطي، لم يعد مجديا في عالم أصبحت تتحكّم فيه وسائل الاتصال الحديثة.
لا ننكر أن لبعض الحراك أجنداته الخاصة. ولكن ألم يكن في الوسع للعبة السياسة أن تستوي
على نار هادئة، بعيدا عن التشنجات. لعبة لا يمكن فيها التفريط بالمكاسب الكبرى لتأسيس دولة عصرية ديمقراطية، من أجل مجابهة بعض الأهواء التي تبرز حينا بعد حين في الشارع. صحيحٌ أن التغيير المنشود لا يمكن تحقيقه دفعة واحدة. ولكن البدايات المرتبة ترتيبا صحيحا من شأنها أن تكون واعدة بمآلات سعيدة.
أثبتت الأسماء التي قبلت ملفاتها في خوض المنافسة الرئاسية أن اكتشاف قوى سياسية جديدة لا يمكن توقعه في راهن الأوضاع، فكل المرشحين الخمسة خرجوا من عباءة السلطة القديمة، أو مارسوا الحكم في فترات متقطعة معها، وهو ما أدى بهم إلى الاعتماد على شبكات قديمة جاهزة، لجمع استمارات الترشيح عبر الولايات، فإذا كان وزير الثقافة السابق، وأمين حزب التجمع الوطني الديمقراطي، عز الدين ميهوبي، قد لجأ إلى منتخبي حزبه في البرلمان أو المجالس المحلية، فإن عبد المجيد تبون، وإن قال عن نفسه إنه مرشح حر، إلا أن انتماءه لحزب جبهة التحرير الوطني جعله يغرف من معين مناضليه ومنتخبيه. أما مرشح حركة البناء، مصطفى بن قرينة، والذي يتحدث بثقة فائقة عن اللزوم على أنه سيكون الرئيس المقبل للجزائر، فلقد مُنحت لأحد نوابه رئاسة البرلمان من دون أن يكون لدى حزبه أي وزن
فيه. تم ذلك كله في خضم الحراك، وفي صفقةٍ لم تعرف خباياها ولا حيثياتها. أما عبدالعزيز بلعيد فهو ابن النظام بامتياز، ترعرع في كواليسه وخلاياه. وعلي بن فليس ترشح في موعدين رئاسيين في 2004 و2014. في الأولى بدعم من قائد أركان الجيش يومها، محمد العماري، وفي الثانية بتشجيع من جناح في السلطة.
فهل تشجع قائمة المرشحين هذه الجزائريين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أم أن سؤال العزوف سيكون عنوانا آخر يتصدّر مشهد الانتخابات؟ الحلم والواقع يختلفان، صحيحٌ أن الحراك استطاع أن يطيح الأوثان، وبالعصابة، ولكن طريقه ما زالت طويلة. وإن كان أهم ما اكتسبته الجماهير من الهبّة الشعبية هو إعادة ترتيب بنية العقل لديها، فالتغيير في الذهنيات أهم مكسب، ذلك لأنه يعيد بناء المعطيات بشكل صحيح، عميق، بعيدا عن التسطيح والتبليد اللذين مارسهما النظام، باعتباره الشعب مجرد "رعايا". يبقى المبتغى بعيد المنال، فالدولة العميقة لا تتخلى بسهولة ويسر عن صولجان السلطة وهيبتها، وهي التي تحكمت في زمام الأمور منذ 57 سنة، تمثل عمر استقلال الجزائر عن فرنسا.
ولعل العملية الانتخابية الجاري الإعداد لها حاليا تندرج تحت مسمّى "أقل الممكن"، ولكنها السياسة تُفرح وتُبكي، تُعطي وتمنع، وما زال مسارها طويلا.
سؤال كبير كبر الأزمة، فبقدر ما لاح في الأفق من أمل، ومن عودة وعي لدى الجماهير ونخبة واسعة من الفاعلين في السياسة الجزائرية، إلا أن الخروج من الأزمة ليس بالسهولة التي
هل نفقد الأمل بما آلت إليه الأمور بعد الحراك؟ الجميع يعرف أن السياسة هي فن الممكن، وأن على السلطة الفاعلة أولا أن تعرف أن الوعي الذي أعاد إنتاجه الشعب الجزائري لم يأت عبثا ولم يخلق من العدم، فرياحه هبت منذ سنوات، جمعت في طريقها ما تيسّر لها من خيبات واحتقان وانكسارات، ترادفت على مر الأعوام وتراكمت لتنفجر الجماهير غاضبة في وجه سلطة لم ترع للجزائر قيمتها ولا صيتها ولا هيبتها.
انتباهة أمل لا يمكن التفريط فيها بسهولة، وآلة الوعي هذه لا يمكن أن تعود القهقرى. صحيح أن السلطة الفعلية الحالية، وهي السلطة العسكرية، حمت الحراك، وساهمت في سقوط "الآلهة والأصنام"، ولكن عدم قدرتها على التجاوب الكافي مع فصيل واسع من الشارع، يلتقي معها في الثوابت، أبطأ كثيرا من التقدم في جني ثمار الحراك. قد تكون لهذه السلطة العسكرية مبرّراتها الموضوعية، ولكن الأدوات التي ما زالت تستعملها، أدوات قديمة، خصوصا في مجال الاتصال والإعلام، فغلق الصحف وقنوات التلفزيون والمواقع الإلكترونية أمام الصوت الآخر المعارض، أو حتى الصوت الوسطي، لم يعد مجديا في عالم أصبحت تتحكّم فيه وسائل الاتصال الحديثة.
لا ننكر أن لبعض الحراك أجنداته الخاصة. ولكن ألم يكن في الوسع للعبة السياسة أن تستوي
أثبتت الأسماء التي قبلت ملفاتها في خوض المنافسة الرئاسية أن اكتشاف قوى سياسية جديدة لا يمكن توقعه في راهن الأوضاع، فكل المرشحين الخمسة خرجوا من عباءة السلطة القديمة، أو مارسوا الحكم في فترات متقطعة معها، وهو ما أدى بهم إلى الاعتماد على شبكات قديمة جاهزة، لجمع استمارات الترشيح عبر الولايات، فإذا كان وزير الثقافة السابق، وأمين حزب التجمع الوطني الديمقراطي، عز الدين ميهوبي، قد لجأ إلى منتخبي حزبه في البرلمان أو المجالس المحلية، فإن عبد المجيد تبون، وإن قال عن نفسه إنه مرشح حر، إلا أن انتماءه لحزب جبهة التحرير الوطني جعله يغرف من معين مناضليه ومنتخبيه. أما مرشح حركة البناء، مصطفى بن قرينة، والذي يتحدث بثقة فائقة عن اللزوم على أنه سيكون الرئيس المقبل للجزائر، فلقد مُنحت لأحد نوابه رئاسة البرلمان من دون أن يكون لدى حزبه أي وزن
فهل تشجع قائمة المرشحين هذه الجزائريين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أم أن سؤال العزوف سيكون عنوانا آخر يتصدّر مشهد الانتخابات؟ الحلم والواقع يختلفان، صحيحٌ أن الحراك استطاع أن يطيح الأوثان، وبالعصابة، ولكن طريقه ما زالت طويلة. وإن كان أهم ما اكتسبته الجماهير من الهبّة الشعبية هو إعادة ترتيب بنية العقل لديها، فالتغيير في الذهنيات أهم مكسب، ذلك لأنه يعيد بناء المعطيات بشكل صحيح، عميق، بعيدا عن التسطيح والتبليد اللذين مارسهما النظام، باعتباره الشعب مجرد "رعايا". يبقى المبتغى بعيد المنال، فالدولة العميقة لا تتخلى بسهولة ويسر عن صولجان السلطة وهيبتها، وهي التي تحكمت في زمام الأمور منذ 57 سنة، تمثل عمر استقلال الجزائر عن فرنسا.
ولعل العملية الانتخابية الجاري الإعداد لها حاليا تندرج تحت مسمّى "أقل الممكن"، ولكنها السياسة تُفرح وتُبكي، تُعطي وتمنع، وما زال مسارها طويلا.