09 نوفمبر 2024
الأردن.. رياضة التعديلات الحكومية
أجرى رئيس الحكومة الأردنية، عمر الرزاز، تعديلاً رابعاً على حكومته التي شكلت في 15 يونيو/ حزيران 2018. ويتطلب إجراء التعديل ضوءاً أخضر ملكياً، قبل المباشرة به. وتعتبر التعديلات على مكونات الحكومات الأردنية من تقاليد مسار الحكومات، فليست هناك حكومة أو فريق وزاري أو مجلس وزراء بقي على حاله بعد تشكيل أية حكومة من الحكومات الـ42 منذ إنشاء الإمارة في العام 1921 (تحولت البلاد إلى مملكة مع إعلان الاستقلال في 25 مايو/ أيار 1946). ويتم في العادة تداول الأحاديث في الصالونات السياسية للعاصمة عمّان، وأحيانا في مجمع النقابات، أو في الصفوف القيادية لبعض الأحزاب، عن تعديل وشيك، ما إن تمضي مائة يوم على تشكيل كل حكومة.
لم تكن وسائل الإعلام في السابق، وأبرزها الصحف اليومية الورقية، تتداول مثل هذه الأخبار إلا بعد أن يصبح التعديل وشيك الحدوث، غير أن الأمر تغير بعد الانفراجة الديمقراطية مع مطلع تسعينات القرن الماضي، إذ صدرت آنذاك عدة صحف أسبوعية ورقية أخذت تنشر مثل هذه الأخبار أو التسريبات، وهو ما شكّل تحديا للصحف اليومية التي انبرت بدورها لنشر مثل هذه التقارير بتحفظ وتلميح، ثم شيئا فشيئا بوضوح وتصريح. فلما بدأ النشر الإلكتروني وظهرت المواقع الإخبارية وعددها في الأردن حالياً ينوف عن المائتين، توسع النشر عن التعديلات "المرتقبة"، وهذه أخبارٌ تجذب طائفة واسعة من القراء والمتصفحين، لا سيما وأن إسناد الحقائب الوزارية يخضع، في جانب رئيس منه، لمحاصصات مناطقية وجغرافية واجتماعية، فتولي كل جماعة اهتمامها بالوزير المحسوب عليها الذي خرج في التعديل، وبمن حلّ محله.
وكانت التعديلات في حقبة الأحكام العرفية (1957 - 1989) أقل عددا، وتتراوح بين تعديل واحد أو اثنين، فيما ارتفعت لدى حكومات المرحلة اللاحقة إلى ثلاثة أو أربعة تعديلات على
الحكومات، من دون أن تُستنفد أحيانا الحاجة إلى التعديلات، فتتم في هذه الحالة استقالة الحكومة ليُعاد تكليف رئيس الوزراء نفسه بتشكيل حكومة جديدة، يحتفظ فيها عدد كبير من الوزراء السابقين بوجودهم مع تحوير في حقائب بعضهم، ودخول وزراء جدد بما يجعل الحكومة الجديدة أشبه بتعديل خامس على سابقتها (علي أبو الراغب شكّل ثلاث حكومات بين عامي 2002 و2005). ولا يتم في العادة كشف الأسباب عن دواعي التعديلات، لكن الصحافة الورقية والرقمية، ثم منصات التواصل، باتت تجتهد في استقراء أسباب بعض الحالات، من دون غيرها. كما يؤخذ في الاعتبار تقييم الرأي العام هذا الوزير وذاك، لا سيما في وزارات الخدمات.
وأدّت كثرة التعديلات الى ارتفاع عدد الوزراء السابقين، وبعضهم أمضى بضعة شهور فقط في وزارته. ومع زيادة عدد "أصحاب المعالي"، لم يعد الرأي العام يتعرّف إلى الوزراء، باستثناء عدد ضئيل من وزراء الحقائب السيادية. أما بقية الوزراء فإنهم معروفون، كلٌ لدى قطاع وزارته من موظفين وعاملين، ومن فئات الجمهور الذي يحتك بهذه الوزارة، إذا كان هناك من جمهور يتعامل مع الوزارة المعنية، خلافا لفترات سابقة كان فيها الوزير محاطا بهالةٍ لامعة ويسبقه اسمه أينما حل.
وعلى الرغم من أن منصب الوزير يبقى سياسياً، فالرجل الثاني في الوزارة (الأمين العام وكان يسمى سابقاً وكيل الوزارة) هو من يتولى تسيير شؤون الوزارة اليومية، إلا أن صفة التكنوقراط أخذت تطغى على هوية أعضاء المجلس الوزاري في العقدين الماضيين، فيما يفهم الرأي العام أن الحكومة السياسية هي التي تضم أطيافا سياسية وحزبية، وهو أمر غير قائم إلا على نطاق ضيق، حين يجري اختيار وزير ينتمي لحزب وسطي. وقد خيضت تجربة تشكيل حكومة ذات طابع سياسي تعدّدي في العام 1990 برئاسة مضر بدران، غير أن هذه التجربة التي طبعت النصف الأول لعقد التسعينات طويت بعدئذ، وأفسح في المجال لتمثيل المجتمع المدني أو النقابات أو رجال الأعمال، بدلاً من الأحزاب، وهذه غير ناشطة في الفضاء العام، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي الذي وقع تباعد بينه وبين مستويات الحكم عقب توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994.
ومع ثورة التقنيات، واتساع هامش حرية التعبير، بات منصب الوزير، وبدرجة أقل قليلا منصب
رئيس الحكومة، عرضةً لضغط قطاعات من الرأي العام، إضافة إلى بعض الضغوط من أعضاء في مجلس النواب. ويحدث أن بعضهم يعتذرون عن المشاركة في الحكومة، وذلك مع إدراك أن ألف عين وعين تتابع هذا الموقع وتراقبه، وتحصي حركات من يتولاه، وسكناته. علاوة على خفوت وهج الوجاهة المعنوية والاجتماعية لهذا المنصب. وهو ما انعكس إيجابا في أداء وزراء، وفي علاقتهم بالجمهور وبوسائل الإعلام، وبمرؤوسيهم في الوزارات التي شهدت، على العموم، تحسّنا نسبيا، مع الأخذ في الاعتبار أن ثمّة محكمة إدارية تستقبل دعاوى الموظفين والعاملين المتظلمين من قرارات وزارية، فيما تستقبل المحاكم العادية تظلمات المواطنين. ولا تخضع التعديلات لثقة مجلس النواب الذي يمنح الثقة للحكومة مجتمعة لدى تشكيلها، وما زال الطموح بعيدا لتشكيل حكومات منبثقة عن البرلمان المنتخب، كما هو الحال في المغرب وتونس.
وقد باتت أنباء التعديلات لفرط تكرارها وموسميتها كرياضة سياسية مرعية الإجراء، تُقابل بفتور. وفي ما يتعلق بحكومة الرزاز، يمنحها التعديل الجديد الرابع الذي طرأ عليها فرصة البقاء بضعة أشهر مقبلة على الأقل، وسط ضغوط اجتماعية واقتصادية وموازنة عامة متقشفة. وفي غمرة القلاقل في دول الجوار (سورية والعراق)، ومع ارتفاع الدين العام بصورة مضطردة (أكثر من 41 مليار دولار)، والحاجة إلى مزيد من الاقتراض، وشبح البطالة الذي لا يفارق الأجيال الجديدة، إلا أن مستوى الرضا العام عن شخصية رئيس الحكومة يظل مقبولاً، وهو ما تعكسه "السوشيال ميديا"، ويزيد عن نسبة الرضا على الأداء الحكومي الذي يدور حول نسبة الـ44% حسب الاستطلاعات المحلية.
وكانت التعديلات في حقبة الأحكام العرفية (1957 - 1989) أقل عددا، وتتراوح بين تعديل واحد أو اثنين، فيما ارتفعت لدى حكومات المرحلة اللاحقة إلى ثلاثة أو أربعة تعديلات على
وأدّت كثرة التعديلات الى ارتفاع عدد الوزراء السابقين، وبعضهم أمضى بضعة شهور فقط في وزارته. ومع زيادة عدد "أصحاب المعالي"، لم يعد الرأي العام يتعرّف إلى الوزراء، باستثناء عدد ضئيل من وزراء الحقائب السيادية. أما بقية الوزراء فإنهم معروفون، كلٌ لدى قطاع وزارته من موظفين وعاملين، ومن فئات الجمهور الذي يحتك بهذه الوزارة، إذا كان هناك من جمهور يتعامل مع الوزارة المعنية، خلافا لفترات سابقة كان فيها الوزير محاطا بهالةٍ لامعة ويسبقه اسمه أينما حل.
وعلى الرغم من أن منصب الوزير يبقى سياسياً، فالرجل الثاني في الوزارة (الأمين العام وكان يسمى سابقاً وكيل الوزارة) هو من يتولى تسيير شؤون الوزارة اليومية، إلا أن صفة التكنوقراط أخذت تطغى على هوية أعضاء المجلس الوزاري في العقدين الماضيين، فيما يفهم الرأي العام أن الحكومة السياسية هي التي تضم أطيافا سياسية وحزبية، وهو أمر غير قائم إلا على نطاق ضيق، حين يجري اختيار وزير ينتمي لحزب وسطي. وقد خيضت تجربة تشكيل حكومة ذات طابع سياسي تعدّدي في العام 1990 برئاسة مضر بدران، غير أن هذه التجربة التي طبعت النصف الأول لعقد التسعينات طويت بعدئذ، وأفسح في المجال لتمثيل المجتمع المدني أو النقابات أو رجال الأعمال، بدلاً من الأحزاب، وهذه غير ناشطة في الفضاء العام، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي الذي وقع تباعد بينه وبين مستويات الحكم عقب توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994.
ومع ثورة التقنيات، واتساع هامش حرية التعبير، بات منصب الوزير، وبدرجة أقل قليلا منصب
وقد باتت أنباء التعديلات لفرط تكرارها وموسميتها كرياضة سياسية مرعية الإجراء، تُقابل بفتور. وفي ما يتعلق بحكومة الرزاز، يمنحها التعديل الجديد الرابع الذي طرأ عليها فرصة البقاء بضعة أشهر مقبلة على الأقل، وسط ضغوط اجتماعية واقتصادية وموازنة عامة متقشفة. وفي غمرة القلاقل في دول الجوار (سورية والعراق)، ومع ارتفاع الدين العام بصورة مضطردة (أكثر من 41 مليار دولار)، والحاجة إلى مزيد من الاقتراض، وشبح البطالة الذي لا يفارق الأجيال الجديدة، إلا أن مستوى الرضا العام عن شخصية رئيس الحكومة يظل مقبولاً، وهو ما تعكسه "السوشيال ميديا"، ويزيد عن نسبة الرضا على الأداء الحكومي الذي يدور حول نسبة الـ44% حسب الاستطلاعات المحلية.