19 يناير 2024
ترامب والاشتراكية وأزمة فنزويلا
ألقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطابا مطولا في ولاية فلوريدا، هدف منه إلى دعم رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان غوايدو، الذي أعلن نفسه رئيسا لفنزويلا في تحدّ للرئيس مادورو، واعترفت الولايات المتحدة به رئيسا لفنزويلا، بعد أن قامت دول كثيرة في أميركا اللاتينية وأوروبا بالخطوة نفسها، وبسحب الاعتراف من مادورو بوصفه رئيسا غير شرعي، بحكم أن الانتخابات التي جاءت به إلى السلطة مزورة، وبالتالي لا تعترف هي بشرعيته أو بشرعية الانتخابات التي أتت به.
حقيقة، كان خطاب ترامب موجّها، بشكل رئيسي، إلى الداخل الأميركي أكثر منه إلى الشعب الفنزويلي، حيث بدأ ترامب يصف معارضيه من الحزب الديمقراطي بأنهم يدعون إلى تطبيق الاشتراكية في الولايات المتحدة من خلال دعوتهم إلى جعل التأمين الصحي متاحاً للجميع، وجعل الجامعات متاحةً للجميع، والسماح بدخول اللاجئين، وغير ذلك من السياسات التي يعتبرها ترامب تطبيقا لفكرة الاشتراكية. ومن شأن ذلك أن يقود أميركا، بلد الرأسمالية الحالمة، في أقسى حالاتها أن تتحوّل بلدا اشتراكيا.
ولذلك أراد ترامب أن يضرب المثل بفشل الاشتراكية في فنزويلا دليلا على فشل الديمقراطيين، وأنهم يريدون إدخال أميركا في الطريق والمسار نفسه الذي انتهت إليه فنزويلا من أغنى بلد في أميركا اللاتينية إلى أفقرها، من بلد كان يمنح الإعانات لدول الجوار والدول الصديقة إلى بلد يعتمد الآن على المساعدات الغذائية المقدمة من الدول الأخرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة.
انهيار الاقتصاد الفنزويلي يعد بحد ذاته تجربة غنية جدا للتعلم على فشل السياسات الحكومية بشكل مطلق، وتبديد الثروات الباطنية التي كان من شأنها أن تحوّل فنزيلا إلى بلدٍ يضرب به المثل على النمو والصعود في أميركا اللاتينية إلى بلد دخل مرحلة ما يسمى التضخم الجامح، أي أن التضخم وصل إلى أكثر من مليون بالمائة. وبالتالي، لم تعد هناك أية قيمة للعملة المحلية، وعاد الناس إلى نظام المقايضة وتبادل السلع، بحكم فقدان العملة المحلية قيمتها بشكل كامل، وعدم الثقة بها أساسا لتبادل السلع، بسبب السياسة الحكومية التي أغرقت السوق بطبع العملة من دون رصيد، ففقدت العملة المحلية (البوليفار) أي قيمة لها.
وعودة إلى ترامب الذي يشير إلى فنزويلا محقا دليلا على فشل النظامين، الاقتصادي والسياسي فيها، لكنه يصادر فكرة تطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الولايات المتحدة التي تمرّ في
أسوأ مراحل اللامساواة في اقتصادها التشاركي الحديث، والذي تجاوز الاقتصاد الرقمي، وأصبحت شركات التكنولوجيا الحديثة تتحكّم به بشكل كبير، ما ضاعف من فجوة اللامساواة إلى أكثر من 300%، حيث إن أكبر أربعة أثرياء في أميركا يملكون ما يملكه 50% من المجتمع الأميركي، وهو ما لم يمر به المجتمع الأميركي خلال تاريخه الطويل.
لقد ردّد ترامب كلمة الاشتراكية في خطابه أكثر من 40 مرة، موجهاً حديثه للديمقراطيين، ومنتقداً دعواتهم إلى إصلاح نظام التأمين الصحي، أو التأمين الاجتماعي، ومردّداً أنه لن يسمح بتطبيق الاشتراكية في الولايات المتحدة، وأنها فشلت في فنزويلا، فستفشل كل السياسات الاشتراكية ومن يدعون لها. وهنا لا بد من الأخذ بالاعتبار أن كلمة الاشتراكية في السياق السياسي الأميركي أقرب إلى السبّة والمذمّة، وغالبا ما يعني استخدامها إقصاء الطرف الآخر، وحرق دعوته إلى الإصلاح الاقتصادي المبني على المساواة الاجتماعية، وهو الهدف من تكرار ترامب استخدام الكلمة لوصف الحزب الديمقراطي بأنه يدعو إلى تطبيق سياسات اشتراكية.
بقي أن يقال إن دعوة ترامب إلى وصف مادورو دكتاتورا، ومخاطبة "الرئيس الشرعي"، ومطالبة الجيش الفنزويلي بالاعتراف بشرعية الرئيس الجديد، كلها تبدو دعوات إلى مضاعفة الضغط الدبلوماسي لا أكثر. وبالتالي أمام فنزويلا طريق صعب لإنجاح تجربة التحوّل والعودة إلى مسار التحول الديمقراطي الذي اختطفه الرئيس السابق، هوغو شافيز، وحول النظام فيها إلى نظام شعبوي، وفاشل اقتصاديا في سياساته التي تحصد ثمنها اليوم فنزويلا بعدد النازحين والمهاجرين الذين فاقوا أكثر الثلاثة ملايين لاجئ إلى دول الجوار، وفي مقدمتها كولومبيا، فضلا عن انتشار العنف والجريمة المنظمة، وغيرهما من مظاهر انعدام الاستقرار السياسي، وتدهور فنزويلا إلى عتبة البلدان الفاشلة، والتي لا تبدو بعيدةَ عن الدخول في دوامة حرب أهلية عنيفة، لم تسلم منها جارتها كولومبيا على مدى الخمسين عاما الماضية.
هل ستتمكن النخب الفنزويلية من العبور بمصير بلدهم باتجاه مسار سياسي ديمقراطي مختلف، بعيداً عن دعوات ترامب الانتهازية، أم أن مصير العقدين الماضيين من السياسات الشعبوية سيكون كفيلا بالقضاء على كل الأصوات العقلانية، وتسير حينها فنزويلا رويدا رويدا باتجاه الحرب الأهلية.
حقيقة، كان خطاب ترامب موجّها، بشكل رئيسي، إلى الداخل الأميركي أكثر منه إلى الشعب الفنزويلي، حيث بدأ ترامب يصف معارضيه من الحزب الديمقراطي بأنهم يدعون إلى تطبيق الاشتراكية في الولايات المتحدة من خلال دعوتهم إلى جعل التأمين الصحي متاحاً للجميع، وجعل الجامعات متاحةً للجميع، والسماح بدخول اللاجئين، وغير ذلك من السياسات التي يعتبرها ترامب تطبيقا لفكرة الاشتراكية. ومن شأن ذلك أن يقود أميركا، بلد الرأسمالية الحالمة، في أقسى حالاتها أن تتحوّل بلدا اشتراكيا.
ولذلك أراد ترامب أن يضرب المثل بفشل الاشتراكية في فنزويلا دليلا على فشل الديمقراطيين، وأنهم يريدون إدخال أميركا في الطريق والمسار نفسه الذي انتهت إليه فنزويلا من أغنى بلد في أميركا اللاتينية إلى أفقرها، من بلد كان يمنح الإعانات لدول الجوار والدول الصديقة إلى بلد يعتمد الآن على المساعدات الغذائية المقدمة من الدول الأخرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة.
انهيار الاقتصاد الفنزويلي يعد بحد ذاته تجربة غنية جدا للتعلم على فشل السياسات الحكومية بشكل مطلق، وتبديد الثروات الباطنية التي كان من شأنها أن تحوّل فنزيلا إلى بلدٍ يضرب به المثل على النمو والصعود في أميركا اللاتينية إلى بلد دخل مرحلة ما يسمى التضخم الجامح، أي أن التضخم وصل إلى أكثر من مليون بالمائة. وبالتالي، لم تعد هناك أية قيمة للعملة المحلية، وعاد الناس إلى نظام المقايضة وتبادل السلع، بحكم فقدان العملة المحلية قيمتها بشكل كامل، وعدم الثقة بها أساسا لتبادل السلع، بسبب السياسة الحكومية التي أغرقت السوق بطبع العملة من دون رصيد، ففقدت العملة المحلية (البوليفار) أي قيمة لها.
وعودة إلى ترامب الذي يشير إلى فنزويلا محقا دليلا على فشل النظامين، الاقتصادي والسياسي فيها، لكنه يصادر فكرة تطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الولايات المتحدة التي تمرّ في
لقد ردّد ترامب كلمة الاشتراكية في خطابه أكثر من 40 مرة، موجهاً حديثه للديمقراطيين، ومنتقداً دعواتهم إلى إصلاح نظام التأمين الصحي، أو التأمين الاجتماعي، ومردّداً أنه لن يسمح بتطبيق الاشتراكية في الولايات المتحدة، وأنها فشلت في فنزويلا، فستفشل كل السياسات الاشتراكية ومن يدعون لها. وهنا لا بد من الأخذ بالاعتبار أن كلمة الاشتراكية في السياق السياسي الأميركي أقرب إلى السبّة والمذمّة، وغالبا ما يعني استخدامها إقصاء الطرف الآخر، وحرق دعوته إلى الإصلاح الاقتصادي المبني على المساواة الاجتماعية، وهو الهدف من تكرار ترامب استخدام الكلمة لوصف الحزب الديمقراطي بأنه يدعو إلى تطبيق سياسات اشتراكية.
بقي أن يقال إن دعوة ترامب إلى وصف مادورو دكتاتورا، ومخاطبة "الرئيس الشرعي"، ومطالبة الجيش الفنزويلي بالاعتراف بشرعية الرئيس الجديد، كلها تبدو دعوات إلى مضاعفة الضغط الدبلوماسي لا أكثر. وبالتالي أمام فنزويلا طريق صعب لإنجاح تجربة التحوّل والعودة إلى مسار التحول الديمقراطي الذي اختطفه الرئيس السابق، هوغو شافيز، وحول النظام فيها إلى نظام شعبوي، وفاشل اقتصاديا في سياساته التي تحصد ثمنها اليوم فنزويلا بعدد النازحين والمهاجرين الذين فاقوا أكثر الثلاثة ملايين لاجئ إلى دول الجوار، وفي مقدمتها كولومبيا، فضلا عن انتشار العنف والجريمة المنظمة، وغيرهما من مظاهر انعدام الاستقرار السياسي، وتدهور فنزويلا إلى عتبة البلدان الفاشلة، والتي لا تبدو بعيدةَ عن الدخول في دوامة حرب أهلية عنيفة، لم تسلم منها جارتها كولومبيا على مدى الخمسين عاما الماضية.
هل ستتمكن النخب الفنزويلية من العبور بمصير بلدهم باتجاه مسار سياسي ديمقراطي مختلف، بعيداً عن دعوات ترامب الانتهازية، أم أن مصير العقدين الماضيين من السياسات الشعبوية سيكون كفيلا بالقضاء على كل الأصوات العقلانية، وتسير حينها فنزويلا رويدا رويدا باتجاه الحرب الأهلية.