06 نوفمبر 2024
عن متوالية الفساد في العراق
تقول نكتة عراقية إن معلماً سأل تلميذه في زمن حكومة الاحتلال الأولى: من هو الأكثر شطارة في العراق؟ أجاب التلميذ: "الأكثر شطارة من يمكنه وضع مليون دولار في جيبه"، وبعد أكثر من عقد، سأل المعلم تلميذه السؤال نفسه، أجابه التلميذ: "الأكثر شطارة هو الذي يضع مليار دولار في جيبه"! واستناداً إلى هذه النكتة، فإن سباقاً في العراق يجري اليوم بين رجال السلطة والأحزاب ورجال المرجعيات الدينية لتخطي رقم المليار الذي لم يعد ليساوي جهد البقاء في منصب رسمي بضعة أشهر كي يستقر في الجيب.
ولو جرّب المرء أن يسأل أي زائر للعراق متابع لأوضاعه، ولما يجري فيه عن الظاهرة الأكثر انتشاراً، لكانت الإجابة البديهية: "الفساد"، الفساد الذي يقيم في كل زاوية ومرفق، والذي جعل العراق يرقد في ذيل مقياس الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية العالمية هذا العام.
وحكايات الفساد في العراق كثيرة، وقد اعتادها الناس هناك وأدمنوها، ولم يعد أمامهم سوى انتظار تغييرٍ شاملٍ يؤسس لوضع جديد، وهو أمر دونه، في الحال الماثل، خرط القتاد، لكن هناك حكايات "طازجة"، ترتبط بتشكيل "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد" الذي يرأسه الرجل التنفيذي الأول في الدولة، في مبادرةٍ أطلقها رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، وضمّت ما قيل إنها "خريطة طريق" لمعالجة ظاهرة الفساد المستشري في عموم المرافق والمؤسسات، وبدأ المجلس عمله مطلع العام الحالي، بإلزام المسؤولين الرسميين بالإفصاح عن ممتلكاتهم خلال مدة أقصاها أسبوع واحد، وها قد مر عشرون أسبوعاً، ولم يفصح "الحيتان" الكبار عما يملكونه، كما لم يتم تفعيل إجراء "من أين لك هذا؟" ولم تظهر أية "استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد" كما وعد عبد المهدي. الخطوة الوحيدة التي أعلنها المجلس بعد إحدى عشرة جلسة هي "الطلب من مطلقي الاتهامات بحق المسؤولين تقديم الأدلة خلال مدة أسبوعين، وبخلافه سوف تتخذ الإجراءات القانونية بحقهم"، وهكذا تمخض الجبل فولد فأراً، ما جعل "الحيتان"، الكبار منهم والصغار، لا يأبهون بالأمر، وقد وجدوا في كل ما يجري مجرّد مناوراتٍ لا تحمل طابع الجدية والحزم.
وبحساب تلك الخطوة الوحيدة، فإن المرء ليخامره الشك في أن رئيس المجلس الأعلى لمكافحة
الفساد وأعضاءه، وغالبيتهم رجال قانون وقضاء، يقيمون في المرّيخ وليسوا في العراق، ولذلك لم تطرق سمعهم، أو يقرأوا عن فضائح زكمت رائحتها الأنوف، وشكّلت حولها لجان، وكتبت عنها تقارير، وشملتها قرارات "هيئة النزاهة"، وبعضها جاءت ضمن اعترافاتٍ صريحةٍ عبر التلفزيون لنواب ووزراء سابقين وحاليين، وهذا الكم الكبير من الفضائح لا يحتاج أكثر من توقيع رئيس الوزراء نفسه، كي يتم اعتقال المتهمين، وإحالتهم إلى القضاء، للاقتصاص العادل منهم، وإعادة ما نهبوه، وإلا هل يعقل أن رئيس المجلس الجديد وأعضاءه لا يعرفون أن أكثر من ألف مليار دولار دخلت خزينة الدولة منذ الاحتلال، وأن ثمانمئة مليار منها فقدت خلال تلك السنين العجاف، نصفها في مزاداتِ تهريب العملة الوهمية، ونصفها الآخر في مجالات تهريب النفط، وما سميت عقود التراخيص؟ وهل لم يسمع أحد منهم بفضيحة أجهزة كشف المتفجرات، أو عقود الأسلحة، أو صفقات البطاقة التموينية، أو عقود الكهرباء، أو عمليات بيع عقارات الدولة، أو تواطؤات بيع مناصب الوزارات وعضوية البرلمان ومجالس المحافظات، أو واقعة غرق مليارات الدنانير في البنك المركزي أو.. أو.. والقائمة تطول!
ثم ألم يصل إلى علم هؤلاء أن الفساد لم يعد أمراً مذموماً، وإنما أصبح حالة "شطارة" ودهاء، وأن متواليته تتوالى فصولا، وأن المسؤول أضحى يعتبر التصرّف في المال العام ذلك حقا مشروعا له، ولأبنائه وأقاربه وحزبه والعاملين معه، وأن ما سمّيت "اللجان الاقتصادية" في الأحزاب والمليشيات تقليعة شريرة، هدفها الحصول على نسبة محدّدة من عوائد العقود والاتفاقيات التي تعقدها الدولة مع دول أو مؤسسات أو شركات خاصة في غير ميدان، واعتبار ذلك عائداً "حلالاً" لتلك الأحزاب والمليشيات والشخصيات النافذة فيها تعويضاً ربما عن خدماتها "الجهادية" المزعومة.
هنا تصفع المرء حقيقة أن "مجلس مكافحة الفساد"، بعض روّاد مواقع تواصل يسمونه "مجلس رعاية الفساد"، لن يكون، في أحسن الافتراضات، سوى دافع لإثارة الفتنة والاختلاف بين "الحيتان" أنفسهم، ودعونا نتفاءل، عسى الفخار يكسر بعضه.
وحكايات الفساد في العراق كثيرة، وقد اعتادها الناس هناك وأدمنوها، ولم يعد أمامهم سوى انتظار تغييرٍ شاملٍ يؤسس لوضع جديد، وهو أمر دونه، في الحال الماثل، خرط القتاد، لكن هناك حكايات "طازجة"، ترتبط بتشكيل "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد" الذي يرأسه الرجل التنفيذي الأول في الدولة، في مبادرةٍ أطلقها رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، وضمّت ما قيل إنها "خريطة طريق" لمعالجة ظاهرة الفساد المستشري في عموم المرافق والمؤسسات، وبدأ المجلس عمله مطلع العام الحالي، بإلزام المسؤولين الرسميين بالإفصاح عن ممتلكاتهم خلال مدة أقصاها أسبوع واحد، وها قد مر عشرون أسبوعاً، ولم يفصح "الحيتان" الكبار عما يملكونه، كما لم يتم تفعيل إجراء "من أين لك هذا؟" ولم تظهر أية "استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد" كما وعد عبد المهدي. الخطوة الوحيدة التي أعلنها المجلس بعد إحدى عشرة جلسة هي "الطلب من مطلقي الاتهامات بحق المسؤولين تقديم الأدلة خلال مدة أسبوعين، وبخلافه سوف تتخذ الإجراءات القانونية بحقهم"، وهكذا تمخض الجبل فولد فأراً، ما جعل "الحيتان"، الكبار منهم والصغار، لا يأبهون بالأمر، وقد وجدوا في كل ما يجري مجرّد مناوراتٍ لا تحمل طابع الجدية والحزم.
وبحساب تلك الخطوة الوحيدة، فإن المرء ليخامره الشك في أن رئيس المجلس الأعلى لمكافحة
ثم ألم يصل إلى علم هؤلاء أن الفساد لم يعد أمراً مذموماً، وإنما أصبح حالة "شطارة" ودهاء، وأن متواليته تتوالى فصولا، وأن المسؤول أضحى يعتبر التصرّف في المال العام ذلك حقا مشروعا له، ولأبنائه وأقاربه وحزبه والعاملين معه، وأن ما سمّيت "اللجان الاقتصادية" في الأحزاب والمليشيات تقليعة شريرة، هدفها الحصول على نسبة محدّدة من عوائد العقود والاتفاقيات التي تعقدها الدولة مع دول أو مؤسسات أو شركات خاصة في غير ميدان، واعتبار ذلك عائداً "حلالاً" لتلك الأحزاب والمليشيات والشخصيات النافذة فيها تعويضاً ربما عن خدماتها "الجهادية" المزعومة.
هنا تصفع المرء حقيقة أن "مجلس مكافحة الفساد"، بعض روّاد مواقع تواصل يسمونه "مجلس رعاية الفساد"، لن يكون، في أحسن الافتراضات، سوى دافع لإثارة الفتنة والاختلاف بين "الحيتان" أنفسهم، ودعونا نتفاءل، عسى الفخار يكسر بعضه.