09 نوفمبر 2024
"الممر".. أسئلةً وسينما
صحيحٌ أن الفيلم المصري "الممر"، المُنتج أخيرا ويجري عرضُه منذ أسابيع في غير بلد، هو فيلم سينما فحسب، ما يعني أن أدوات تقييمه وإبداء وجهة نظر بشأنه هي التي تنصرف إلى الفنيِّ وغير الفنيّ فيه، إلى المُتقن وغير المُتقن فيه، جماليا ومشهديا، إلى مقادير الجاذبية فيه، إيقاعا وصورةً وحوارا وأجواءً ومونتاجا، وكذا أداء الممثلين أدوارهم.. تُحاول أن تفعل هذا، وتكتب شيئا منه، وقد شاهدتَ الفيلم، وفي بالك أن مخرجه، شريف عرفة، صانع أفلامٍ جيدةٍ عموما، وصاحب رؤيةٍ غالبا. تُحاول، ولكن ظلالا سياسيةً، وتفاصيل ليست قليلةً خارج مضمون الفيلم ولغته البصرية، ليس في وُسعك تفاديها، وأنت تعتزم قولا بشأن هذا العمل الذي انكتب عنه أنه الأكثر كلفةً إنتاجيةً لفيلم مصري حربي (نحو ستة ملايين دولار)، والذي حقّق إيراداتٍ كبيرة، وأرباحا ممتازة، في الأسابيع الأولى لعرضه في مصر وخارجها. ومن تلك الظلال والتفاصيل أن موضوع "الممر" المركزي هو بسالة الجيش المصري، بعد نحو عامٍ من هزيمة حرب 1967، في مواجهة جيش العدو الإسرائيلي، وصفة الأخير هذه عدوّا كانت إبّان ذلك المقطع التاريخي قبل أكثر من خمسين عاما، ويسمعها مشاهدو الفيلم في صيف 2019، في دور عرض سينما، على مبعدة أمتارٍ من فندقٍ في ميدان التحرير في القاهرة، أقامت سفارة هذا العدو فيه أخيرا حفل استقبالٍ معلنا، بمناسبة قيام دولة هذا العدو، أي في نكبة فلسطين. ما يجيزُ سؤالا، محيّرا ربما، عن السبب الذي يجعل شركة إنتاجٍ، للحكومة المصرية أذرعٌ فيها، تتوجّه إلى إنجاز فيلمٍ عن موقعةٍ قتاليةٍ ضد إسرائيل، مستعادةٍ (حقيقة أو خيالا) من زمن العداء والحروب، والسبب الذي يجعل القوات المسلحة المصرية تتيح لصنّاع "الممر" مواقع تصويرٍ وإمكاناتٍ عسكريةً وتسهيلاتٍ كثيرة، من أجل إنجازه بمقادير وفيرةٍ من الواقعية. كما أن حزبا مصريا، بالكاد يُعرف اسمُه، شديد الذيلية لسلطة عبد الفتاح السيسي، يشتري آلاف التذاكر لعروض الفيلم، ويوزّعها على مشاهدين يسّر لهم مواصلات القدوم إلى دور السينما.. والمغادرة.
جاءت على مثل هذه الأسئلة وغيرها معلّقةٌ إسرائيليةٌ في صحيفة هآرتس، ثم لم تقدر على الإجابة عليها، فبحسبِها، ليس واضحا ما الذي دفع شريف عرفة إلى "استعادة الأجواء العكرة" بين مصر وإسرائيل، في وقتٍ يقول السيسي فيه علنا إن الجيش المصري سمح للجيش الإسرائيلي استخدام طائرات سلاح الجو لقصف تجمعات مخرّبين في سيناء. تبدو المعلّقة، سميدار بيري، ممتعضةً مما تسميه "إحساسا قاسيا من النفور"، يثيره فيلم شريف عرفة (بطولة أحمد عز، أحمد رزق، هند صبري..)، من شخصية الضابط الإسرائيلي في الفيلم، قاتلا للأسرى ومتبجّحا. ليس مهما إن حارت الكاتبة هذه في أمرها أم وقعت على إجاباتٍ عما سألت، ولكنّ من تجوس في باله مسألةُ إنتاج "الممر" الآن، ورعاية الحكم في مصر، أجهزةً ومنظومةً دعائيةً وقواتٍ مسلحة، سيجد نفسَه يسأل سؤال سميدار بيري: لمن يتوجّه الفيلم؟
هذا سؤالٌ خارج السينما، فيه انصرافٌ عن شغل "الآكشن" المحترف الذي صنعه شريف عرفة. وفيه ابتعادٌ عن الجهد الذي تمّ به، بعونٍ فريقٍ أميركيٍّ مختصٍّ، إنجاز مشاهد المواجهات الحربية. ولكنه أيضا سؤالٌ يضع ما حاوله "الممر" من استفادةٍ من الصنعة الأميركية في أفلام المعارك، ومشهدياتها المتسارعة والمتوترة وانتقالاتها، في صيغته نفسِها: لمن تتوجه مشاهد هذه المعارك في فيلم مدّته ساعتان ونصف (تطويل غير موفق)؟ هل غرضُها أن يعرف الجيل الناشئ، الجديد جدا، والذي ما غشيت مداركَه رومانسياتٌ ثوريةٌ وقوميةٌ ووطنيةٌ مصرية، من ذلك المزاج الذي كانت الأمة العربية عليه، إبّان حرب الاستنزاف التي ينشغل الفيلم بمقطعٍ (متخيّل أم حقيقي؟) من وقائعها، أن يعرف أن جيش مصر، حاميها راهنا وأبدا، ومنقذها، والذي ترون، أيها المصريون، حصادَه الآن في نصرتكم عندما تولّى رجل منه رئاسة البلاد والعباد، اسمه عبد الفتاح السيسي، هو ذاتُه الجيش الذي لم يستسلم لهزيمةٍ قبل اثنين وخمسين عاما. لم تكن هزيمةً له، كانت خللا مؤسّسيا، ويتحمّلها ناسٌ في السلطة والحكم، وليس هو.. "ما كنتش نكسة ولا هزيمة ولا حرب بقوانينها"، هذا ما يقوله الضابط الذي يقود في الفيلم عمليةً بطوليةً تُغير على موقع عسكري للعدو، وتأسر الضابط الإسرائيلي المغتر، المنتفخ، القاتل.. وهنا يحسُن التصفيق والصفير والفرح، أما الذي يحدث خارج الفيلم والسينما فأمره آخر.
هذا سؤالٌ خارج السينما، فيه انصرافٌ عن شغل "الآكشن" المحترف الذي صنعه شريف عرفة. وفيه ابتعادٌ عن الجهد الذي تمّ به، بعونٍ فريقٍ أميركيٍّ مختصٍّ، إنجاز مشاهد المواجهات الحربية. ولكنه أيضا سؤالٌ يضع ما حاوله "الممر" من استفادةٍ من الصنعة الأميركية في أفلام المعارك، ومشهدياتها المتسارعة والمتوترة وانتقالاتها، في صيغته نفسِها: لمن تتوجه مشاهد هذه المعارك في فيلم مدّته ساعتان ونصف (تطويل غير موفق)؟ هل غرضُها أن يعرف الجيل الناشئ، الجديد جدا، والذي ما غشيت مداركَه رومانسياتٌ ثوريةٌ وقوميةٌ ووطنيةٌ مصرية، من ذلك المزاج الذي كانت الأمة العربية عليه، إبّان حرب الاستنزاف التي ينشغل الفيلم بمقطعٍ (متخيّل أم حقيقي؟) من وقائعها، أن يعرف أن جيش مصر، حاميها راهنا وأبدا، ومنقذها، والذي ترون، أيها المصريون، حصادَه الآن في نصرتكم عندما تولّى رجل منه رئاسة البلاد والعباد، اسمه عبد الفتاح السيسي، هو ذاتُه الجيش الذي لم يستسلم لهزيمةٍ قبل اثنين وخمسين عاما. لم تكن هزيمةً له، كانت خللا مؤسّسيا، ويتحمّلها ناسٌ في السلطة والحكم، وليس هو.. "ما كنتش نكسة ولا هزيمة ولا حرب بقوانينها"، هذا ما يقوله الضابط الذي يقود في الفيلم عمليةً بطوليةً تُغير على موقع عسكري للعدو، وتأسر الضابط الإسرائيلي المغتر، المنتفخ، القاتل.. وهنا يحسُن التصفيق والصفير والفرح، أما الذي يحدث خارج الفيلم والسينما فأمره آخر.