30 يونيو: مدنية الجيش وديمقراطية الشرطة
هل بقي شيءٌ من الأدلة والقرائن على أنها كانت الحفل الافتتاحي للنظام الشرق أوسطي الجديد الذي يقوده ويهيمن عليه الكيان الصهيوني، تمامًا كما كانت "عاصفة الصحراء" في أغسطس/ آب في مستهل تسعينيات القرن الماضي، هي الدرس الافتتاحي للنظام العالمي الجديد، تحت الهيمنة الأميركية المطلقة، بتعبير جان بيير شوفنمان وزير دفاع فرنسا، المستقيل من منصبه اعتراضًا على العملية العسكرية التي استهدفت تدمير العراق، لا تحرير الكويت بالمقام الأول؟.
انظر في السنوات الست الماضية، لن تحتاج كثيرًا من الجهد، لتدرك أن بذرة "صفقة القرن" وضعت في التربة المصرية والعربية في 30 يونيو، لتنبت وتورق وتخضر بعد ذلك بعامين، مانحة أولى ثمارها: بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، لتكون جسرًا ينقل الكيان الصهيوني إلى العمق الخليجي عبر حافلة التطبيع، إلى أن أتت لحظة ورشة المنامة، حيث تتحول خيانة الدم والأرض والتاريخ والثقافة إلى مسابقة، تتنافس فيها عواصم عربية على جائزة القبول الصهيوني.
ارجع إلى كلام عبد الفتاح السيسي، وإلى تصريحات جنرالات العدو وحاخاماته ودوائره السياسية عن تلك الثلاثين من يونيو، ستجدهم جميعًا يشتركون في رواية واحدة: كانت مشروعًا إقليميًا للتخلص من الإسلام السياسي، ثم استبدال الصهيونية السياسية به، وهو المشروع الذي سبقه وتبعه تجهيز وتحضير ورعاية حتى التمكين.
لا يهم هنا أنك لا تزال تتمسك بتلك الرواية العبيطة التي تحاول خداع ذاكرة التاريخ، بترديد أنها كانت انتفاضة لا تهدف لإسقاط الرئيس المنتخب، وإنما إجباره على انتخابات مبكرة، هذا كلام لا يدخل عقل أحد ممن تابعوا فصول المؤامرة ودوّنوا تفاصيلها، منذ كانت جنينًا يتكون في الرحم الإماراتي، نتيجة علاقة فاسدة طرفاها الأساسيان إسرائيل والسعودية.
كل وقائع التخطيط والتحضير والتمويل والتسليح لا تزال حية في الذاكرة، تسندها أدلة وشهادات واعترافات ممن شاركوا، تنطق بأن العملية من الألف إلى الياء كانت نداءً على الجيش لانتزاع السلطة من الرئيس مرسي، القادم من الإخوان، بالقوة.
ثمة شهادات عديدة في هذا الإطار، تعرّي جريمة الانقلاب، الذي كانت مقدمته 30 يونيو، ومؤخرته 3 يوليو، لعل أهمها تلك التي أعلنها الناشط، حازم عبد العظيم، قبل حبسه، ولن يكون آخرها اعتراف عصام حجي بالجريمة في حق الرئيس المنتخب وفي حق الديمقراطية والدولة المدنية الحقيقية، غير أنه ما زال هناك من يصمّم على التدليس ومحاولة الضحك على الذاكرة، كأن يتحدث ما يسمّى "المنتدى المصري لحقوق الإنسان" عن ذلك الذي جرى باعتباره انتفاضة، أو أن يسوق الذين خرجوا من الخدمة في مشروع الانقلاب روايات مرتبكة ومضحكة عن نكتة الانتخابات المبكرة، من أجل مدنية الدولة، التي ضحك بها عليهم المعلمون الكبار في المشروع.. أو أن تحاول ما تسمّي نفسها "القوى المدنية الديمقراطية" استعطاف السلطة العسكرية الحاكمة للإفراج عن معتقليها، بالتحذير من أن هذه الاعتقالات تفتح الباب أمام "إعادة إحياء الإخوان وقوى الإرهاب والتطرف"، بحسب بيانات، صدرت عنها، لا فرق بين مضامينها ومفرداتها، وما تفرزه غدد توفيق عكاشة وأحمد موسى، على شاشات التلفزة، مجددة ولاءها لنظام 30 يونيو، وخوفها عليه من احتمال عودة"الجماعة الإرهابية".
والسؤال مرة أخرى: هل كانت 30 يونيو، تحرّكًا لما تسمى نفسها القوى المدنية فعلا؟
إن سلمنا بأن المدني هو نقيض الديني، وهذا منتهى التدليس والترويج للعسكرة، بوصفها المدنية، فماذا نقول عن جحافل سلفيي حزب النور وأسراب الصوفيين، الذين حاربوا في صفوف جريمة الانقلاب ببسالة؟
وماذا نقول عن الجنرالات، جيشًا وشرطة، الذين تصدروا الفوج الأول المقتحم لميدان التحرير، محمولا على ظهور ما يسمى الشباب المدني مطالبًا برأس الرئيس المنتخب؟
وماذا نقول عن اللواء مدير مكتب، عمر سليمان، وهو بين أحضان ما تسمّى القوى المدنية في مركز إعداد القادة، الساعات الأخيرة قبل التحرك، معلنًا النفير لعزل الرئيس المنتخب؟
وماذا نقول عن حضور ضابط الشرطة اجتماعات الوطنية للتغيير، بيضة ديك ما تسمى القوى المدنية، تحضيرًا للانقلاب؟
ست سنوات مضت تكشف أن ما تصنف نفسها "قوى مدنية ديمقراطية"، لا تزيد عن كونها جزءً من جهاز الخدمة المدنية في القوات المسلحة، أو مجموعة من أفراد الشرطة في زي مدني، بهذا الخطاب الاستئصالي المتطرف، لفصيل وصل للسلطة عبر الانتخابات الوحيدة السليمة في مصر.