09 نوفمبر 2024
أعداء الأمس، حلفاء اليوم يبتسمون للكاميرا
ثلاثة رؤساء، زعماء، يتصدرون المشهد. ليس المشهد المجازي، بل الفعلي، بأبسط وأبلغ رسالة، صورة تلتقطها عدسة الكاميرا، صورة بليغة تقصر اللغة عنها الكاميرا أفصح وأذكى. بوتين، أردوغان، روحاني! أي عقلٍ أو ضمير اضطر، لأن الموت قد أخطأه فبقي على حدوده، وفي قلب الأتون السوري يمكن أن يفهم ما يحدث؟ وما هي تلك البدعة الماكرة التي يسمونها سياسة، وهو يرى أعداء الأمس حلفاء اليوم؟ صورة كان يجب أن تكون عنوان الحكاية السورية منذ البداية، لكن العنوان جاء متأخرًا، ليس لأننا، نحن السوريين، لم نستطع فهمه منذ البداية، بل لأننا كنا بحاجة إلى حلم.
ثلاث أيدٍ يضم بعضها بعضا، ووجوه تبتسم للكاميرات، عيون تزهو بإنجازات أصحابها، حتى لو كانت على أهرام من جماجم السوريين.
في حربٍ كالحرب على سورية وفيها، لا مكان للسياسة إلاّ في اجتراع اللعب الذي يلهو به من صدّقوا أنفسهم أنهم أصحاب شأن وقرار، بينما القرار في مطارح أخرى. في سورية الكلام للسلاح والميدان، وهذه حقيقة لم تظهر على استحياء وخجل، بل ظهرت جلية فاجرة باكرًا في عمر الأزمة.
اجتمع العالم الذي لا يعنيه كم من الأبرياء يموتون كل ساعة، فعدّاد الموت هم صنعوه،
ويعرفون جودة أدائه، ولا كم من الشعوب تُدفع إلى جحيم مقيم. اجتمع هذا العالم ليفبرك لنا قرارًا نلهو به، ونقف بسلاحنا عند حدوده، واخترع لنا مؤتمر جنيف، وجنيف تكاثر، وفي كل نسخةٍ كان ينمسخ أكثر، يبدو قزمًا أمام العملاق أستانة، أستانة بداية خريطة الطريق المعلومة إلى سورية المجهولة.
نعم، أستانة ومناطق خفض التصعيد التي لم تلتزم بها الأطراف الضامنة، مثلما لو أن البند الأول غير المعلن في أستانة كان الاتفاق على تصعيد التصعيد، لدفع العملية التفاوضية فيما بينها إلى الأمام، وتبيانها على أنها حصيلة الأمر الواقع، لتبدأ المقايضات بين الأطراف الراعية التي تدّعي الحفاظ على وحدة سورية، بينما لم تفعل غير تعميق الشروخ بين أبناء الشعب السوري، ويؤكد الزعماء الضاحكون أمام الكاميرا، بينما نحن السوريين نبكي دمنا، رغبتهم في التوصل إلى حل سياسي وليس عسكريًا مثلما لو كانوا بريئين من قتلنا وقتالنا.
ويعلن الزعماء أنفسهم، بعد قمتهم المتعالية على جراحنا أنهم مصرّون على التصدي للأجندات الانفصالية، بعدما شبعوا تقسيمًا وتفتيتًا فينا، بل بعدما زرعوا في نفس كل سوري ما يشلّه عن تلقف الحياة الإنسانية مستقبلاً، وأنهم يرفضون المحاولات الرامية إلى إحداث واقع ميداني جديد في سورية تحت ستار مكافحة الإرهاب، فأي استهتار بعقولنا وكرامتنا وكل طرف يحاجج بالإرهاب؟ ولدى كل طرف إرهابه الخاص ليحاربه بنا.
في الوقت نفسه، يصرّح ترامب، المتربع على عرش القوة في البيت الأبيض، في مؤتمر صحافي، في الثالث من إبريل/نيسان، نيته سحب قواته من سورية: "إن مهمتنا الأساسية في سورية تنتهي بانتهاء تنظيم الدولة هناك، وإن السعودية مهتمة جدًا ببقائنا، فإذا كانت تريدنا هناك، يجب عليها أن تدفع". لا يمكن أن يوصف هذا التصريح بالوقاحة، بل بالواقعية الفجة الصادمة، فهذا هو حال العرب. ترامب يمارس دوره بقناعة وانسجام كامل مع الذات. ترامب ليس بالرئيس الأحمق كما يصفونه، فهو بالنسبة لقضايانا، نحن العرب، أو سكان المنطقة العربية، بعدما تبين أن غير العرب منهم تاه في جاذبية أميركا وصدق وعودها، يتصرّف بغاية الحكمة. هو يعرف كيف يجعل السعودية وغيرها يدفعون، وهو الذي يحدّد المبالغ، أو الإتاوة التي يريد، أما زعماء العرب فمشهود لهم بالكرم، حتى ولو على حساب وجودهم وتلك مفخرة، ألا يذكر تاريخ البطولات والقيم عن حاتم الطائي الذي ذبح ناقته الوحيدة لضيفٍ كان أوفد من قبل ملك الفرس لشرائها؟ أميركا التي يعطي تاريخها دلائل وبراهين كثيرة على أنها لم تكن يومًا غير صديقة نفسها ومطامعها، تعرف كيف تدير التوحش في الأرض. أميركا التي تتبنّى إسرائيل التي لا يمكن التنكّر لأنها دولة غاصبة محتلة. أميركا هذه راهن عليها قسم من الشعب السوري، فبدا أنهم لا يجيدون قراءة مفردات التاريخ، أو ربما يجيدونها لكنهم لا يريدون. أميركا كانت أدهى من جميع الأطراف، فهي تدير الحروب من دون أن تخسر جنودها، وبأموال غيرها، وتضمن حصتها من دون ضجيج، ثم تغدر بالجميع. بينما غاص باقي
الأطراف في المستنقع السوري، ومن لم يغص حتى أنفه بعد هو في طريقه منزلقًا بوحوله. لن تكون السعودية ومن حالفها استثناء. وهي، بقيادة ولي عهدها الجامح، تنفتح على الحداثة من أوسع أبوابها، وتضمن الحريات بإتاحة "تويتر"، كما صرح ولي عهدها، فكان الجواب المقنع بسؤال، ربما اعتبره ولي العهد ساذجًا من صحافي أميركي أكثر سذاجة: وهل "تويتر" يبني حضارة؟ الحقيقة، ليس "تويتر" وحده، بل منح المرأة حق قيادة السيارة، وفتح أربعين دار سينما، وغيرها من بديهيات الحياة لدى شعوبٍ فهمت تجارب التاريخ وصنعت منجزها.
يبدو أن لإنشاء الحضارة حسابها الخاص في بلدان هذه المنطقة التي حباها الله بأنظمة فاقت كل أنظمة التاريخ والحاضر، أنظمة القمع والتسلط واحتكار السلطة واحتكار مقدرات البلاد، بدعم من جنود الله على الأرض، أولئك الداعين إلى طاعة الحاكم لنيل رضوان الله وضمان الجنة في ملكوته. هذه العروش البائدة، مهما طال بها الزمن، تدير البلاد بطرق متنوعة، جميعها تودي إلى الهاوية، هاوية كل شيء، حيث تنخسف الأرض وتبتلع ما فوقها، فما ذنب شعوب المنطقة المبتلاة؟ ما ذنبها، حتى يقامر أولئك الزعماء بحاضرها ومستقبلها؟ ويدفعوا الفائض من ثروتها التي لا ينعم الشعب بها، من أجل إدارة حروبٍ بينيةٍ كما تريد أميركا، واضعين نصب أعينهم عدوًا لا تكتسب الحياة معنى، ولا يضمن الوجود أمنًا من دون تسخير طاقات الأمة لمحاربته. وأميركا جاهزة للقبض وبيع الأسلحة وإدارة النزاعات، مثلما روسيا وإيران وتركيا، نجوم القمم والمؤتمرات الضامنة لمستقبل سورية، سورية تحت الوصايات، فهل جاءكم المعنى، أيها المغرّرون بهذا الشعب؟ أنتم الذين تلهون بالألعاب التي فبركتها أنظمة القوى في العالم، لتكون على مقاس مصالحها، وفي مستوى تضحياتنا؟ حقيقة أننا أيتام.
ثلاث أيدٍ يضم بعضها بعضا، ووجوه تبتسم للكاميرات، عيون تزهو بإنجازات أصحابها، حتى لو كانت على أهرام من جماجم السوريين.
في حربٍ كالحرب على سورية وفيها، لا مكان للسياسة إلاّ في اجتراع اللعب الذي يلهو به من صدّقوا أنفسهم أنهم أصحاب شأن وقرار، بينما القرار في مطارح أخرى. في سورية الكلام للسلاح والميدان، وهذه حقيقة لم تظهر على استحياء وخجل، بل ظهرت جلية فاجرة باكرًا في عمر الأزمة.
اجتمع العالم الذي لا يعنيه كم من الأبرياء يموتون كل ساعة، فعدّاد الموت هم صنعوه،
نعم، أستانة ومناطق خفض التصعيد التي لم تلتزم بها الأطراف الضامنة، مثلما لو أن البند الأول غير المعلن في أستانة كان الاتفاق على تصعيد التصعيد، لدفع العملية التفاوضية فيما بينها إلى الأمام، وتبيانها على أنها حصيلة الأمر الواقع، لتبدأ المقايضات بين الأطراف الراعية التي تدّعي الحفاظ على وحدة سورية، بينما لم تفعل غير تعميق الشروخ بين أبناء الشعب السوري، ويؤكد الزعماء الضاحكون أمام الكاميرا، بينما نحن السوريين نبكي دمنا، رغبتهم في التوصل إلى حل سياسي وليس عسكريًا مثلما لو كانوا بريئين من قتلنا وقتالنا.
ويعلن الزعماء أنفسهم، بعد قمتهم المتعالية على جراحنا أنهم مصرّون على التصدي للأجندات الانفصالية، بعدما شبعوا تقسيمًا وتفتيتًا فينا، بل بعدما زرعوا في نفس كل سوري ما يشلّه عن تلقف الحياة الإنسانية مستقبلاً، وأنهم يرفضون المحاولات الرامية إلى إحداث واقع ميداني جديد في سورية تحت ستار مكافحة الإرهاب، فأي استهتار بعقولنا وكرامتنا وكل طرف يحاجج بالإرهاب؟ ولدى كل طرف إرهابه الخاص ليحاربه بنا.
في الوقت نفسه، يصرّح ترامب، المتربع على عرش القوة في البيت الأبيض، في مؤتمر صحافي، في الثالث من إبريل/نيسان، نيته سحب قواته من سورية: "إن مهمتنا الأساسية في سورية تنتهي بانتهاء تنظيم الدولة هناك، وإن السعودية مهتمة جدًا ببقائنا، فإذا كانت تريدنا هناك، يجب عليها أن تدفع". لا يمكن أن يوصف هذا التصريح بالوقاحة، بل بالواقعية الفجة الصادمة، فهذا هو حال العرب. ترامب يمارس دوره بقناعة وانسجام كامل مع الذات. ترامب ليس بالرئيس الأحمق كما يصفونه، فهو بالنسبة لقضايانا، نحن العرب، أو سكان المنطقة العربية، بعدما تبين أن غير العرب منهم تاه في جاذبية أميركا وصدق وعودها، يتصرّف بغاية الحكمة. هو يعرف كيف يجعل السعودية وغيرها يدفعون، وهو الذي يحدّد المبالغ، أو الإتاوة التي يريد، أما زعماء العرب فمشهود لهم بالكرم، حتى ولو على حساب وجودهم وتلك مفخرة، ألا يذكر تاريخ البطولات والقيم عن حاتم الطائي الذي ذبح ناقته الوحيدة لضيفٍ كان أوفد من قبل ملك الفرس لشرائها؟ أميركا التي يعطي تاريخها دلائل وبراهين كثيرة على أنها لم تكن يومًا غير صديقة نفسها ومطامعها، تعرف كيف تدير التوحش في الأرض. أميركا التي تتبنّى إسرائيل التي لا يمكن التنكّر لأنها دولة غاصبة محتلة. أميركا هذه راهن عليها قسم من الشعب السوري، فبدا أنهم لا يجيدون قراءة مفردات التاريخ، أو ربما يجيدونها لكنهم لا يريدون. أميركا كانت أدهى من جميع الأطراف، فهي تدير الحروب من دون أن تخسر جنودها، وبأموال غيرها، وتضمن حصتها من دون ضجيج، ثم تغدر بالجميع. بينما غاص باقي
يبدو أن لإنشاء الحضارة حسابها الخاص في بلدان هذه المنطقة التي حباها الله بأنظمة فاقت كل أنظمة التاريخ والحاضر، أنظمة القمع والتسلط واحتكار السلطة واحتكار مقدرات البلاد، بدعم من جنود الله على الأرض، أولئك الداعين إلى طاعة الحاكم لنيل رضوان الله وضمان الجنة في ملكوته. هذه العروش البائدة، مهما طال بها الزمن، تدير البلاد بطرق متنوعة، جميعها تودي إلى الهاوية، هاوية كل شيء، حيث تنخسف الأرض وتبتلع ما فوقها، فما ذنب شعوب المنطقة المبتلاة؟ ما ذنبها، حتى يقامر أولئك الزعماء بحاضرها ومستقبلها؟ ويدفعوا الفائض من ثروتها التي لا ينعم الشعب بها، من أجل إدارة حروبٍ بينيةٍ كما تريد أميركا، واضعين نصب أعينهم عدوًا لا تكتسب الحياة معنى، ولا يضمن الوجود أمنًا من دون تسخير طاقات الأمة لمحاربته. وأميركا جاهزة للقبض وبيع الأسلحة وإدارة النزاعات، مثلما روسيا وإيران وتركيا، نجوم القمم والمؤتمرات الضامنة لمستقبل سورية، سورية تحت الوصايات، فهل جاءكم المعنى، أيها المغرّرون بهذا الشعب؟ أنتم الذين تلهون بالألعاب التي فبركتها أنظمة القوى في العالم، لتكون على مقاس مصالحها، وفي مستوى تضحياتنا؟ حقيقة أننا أيتام.
دلالات
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
27 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024