تثير تحركات الكرملين، التي تصفها مجموعة دول الشمال الأوروبي بـ"الاستفزازات العسكرية والإلكترونية"، قلقاً متزايداً في البلطيق وإسكندينافيا. ولم يعد خافياً أن سياسات روسيا باتت على رأس أجندات السياسيين والعسكريين والأمنيين في هذه البقعة الجغرافية، المهمة للمعسكر الغربي.
وزراء دفاع "دول الشمال"، الذين التقوا الأربعاء الماضي في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، بمشاركة أجهزة الاستخبارات العسكرية، ناقشوا تزايد "التحرشات" والانتهاكات الروسية الجوية، مع تشكل ما يشبه جبهة حرب باردة تمتد من منطقة البلطيق إلى المنطقة القطبية الشمالية.
ليس فقط تزايد تحركات روسيا العسكرية، وتسريب معلومات عن محاكاة موسكو من ضمن تحركاتها، لهجمات بقنابل نووية تكتيكية ضد جزر "دول الشمال"، ما يحرك تلك الدول، بل "الهجمات السيبرانية"، التي تؤكد الأجهزة الأمنية في "دول الشمال" أنها برعاية رسمية من الكرملين. فاستهداف البنى التحتية، وإحداث حالة إرباك وذعر بين فترة وأخرى، يُقرأ على نطاق واسع بأنه "يستهدف الأسس الديمقراطية" لمجتمعاتها، وهي عملية يقدر خبراء الأمن والشأن الروسي أنها متصاعدة منذ 2014.
في الشق العسكري، وعلى الرغم من أن السويد وفنلندا، ليستا عضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تذهب "دول الشمال" باتجاه تنسيق أكبر لمواجهة التحدي الروسي، وتوسيع التعاون ليشمل بريطانيا وهولندا، بعد الاحتكاك الأخير الذي حصل في البحر الأسود. فصحيح أن واشنطن أعلنت بعد جولة الرئيس جو بايدن الأخيرة في أوروبا العودة إلى التنسيق مع الأخيرة، بعد جفاء في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلا أن دول الشمال والبلطيق الصغيرة، تدرك، كما يدرك الكرملين، أن جهود الإدارة الأميركية تتحرك نحو شرق آسيا والصين.
وعلى الرغم من الخلاف الأوروبي حيال السياسات الواجب انتهاجها مع موسكو؛ بين معسكر "حوار مباشر مع بوتين"، والذي تعبر عنه برلين وباريس، ومعسكر يدعو لفرض مزيد من العقوبات والعزلة على روسيا، إلا أن الأجواء السياسية العامة لا تصب في مصلحة الروس، أقله في إسكندينافيا، وعموم دول الشمال. فحذر استوكهولم وهلسنكي السابق، في التقارب والتنسيق مع "الناتو"، يتحول، على خلفية أجواء خطاب وتصرفات الكرملين، إلى مزيد من الاهتمام بالتركيز مع الغرب على الجبهة الروسية.
يبدو لافتاً أيضاً أن معسكري اليسار واليمين باتا متوحدين خلال ست سنوات من التقارير الأمنية عن خطورة الهجمات السيبرانية الروسية، وخصوصاً تلك التي تمس مباشرة مصالح الناس و"أسس الديمقراطية"، وفقاً لما تنشره دراسات متخصصة، والتي تلقى اهتماماً متزايداً من قبل الرأي العام الذي بات يرى في روسيا تهديداً مباشراً لبناه التحتية ورفاهيته.