"المكتب السياسي 2"... صفوة القوم بالنسبة إلى فلاديمير بوتين

27 اغسطس 2021
يُحكم بوتين قبضته على النظام في روسيا (Getty)
+ الخط -

تقدّم دراسة بحثية جديدة صورة عن الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تتشكل من أصحاب مصالح تمثّل المكونات الأساسية للنخبة الروسية التي تتجمّع حول بوتين الذي يؤدي دور "الحكم" بين ممثلي هذه الكتل ومصالحها. هذه الدائرة التي أطلقت عليها الدراسة مصطلح "المكتب السياسي 2"، تُعد بمثابة "حكومة بوتين الموسعة"، وهي المسؤولة الحقيقية عن اتخاذ القرارات المهمة واختيار قيادات الدولة. وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما تفشي وباء كورونا وتوتر العلاقات مع الغرب وتصاعد نشاط المعارضة غير النظامية، فإن هذه الدائرة حافظت على استقرارها، وفق الدراسة. ورجحت الدراسة استمرار تكاتف النخب حول بوتين، لكنها حذرت من مخاطر حصول خلافات ضمن مراكز القوى المحيطة بالرئيس تتمثل على المدى المنظور في تنظيم انتخابات برلمانية في ظل ارتفاع الاصابات والوفيات بفيروس كورونا، وعلى المتوسط والبعيد "الثورة البيئية" في العالم من تراجع صادرات النفط والغاز، ما قد يتسبب في موجة جديدة من التنافس من أجل مصادر دخل جديدة، إضافة إلى استمرار المواجهة مع الغرب وعدم الاستقرار في الفضاء السوفييتي السابق.

الدراسة أعدها مركز "مينشينكو للاستشارات"، وصدرت منتصف الشهر الماضي بعنوان "المكتب السياسي 2"، وجاءت ضمن سلسلة دراسات أطلقها المركز عام 2012، وفيها يستطلع المركز آراء نحو 60 خبيراً روسياً في المجالات السياسية والاقتصادية. وحلل الخبراء التغيرات الحاصلة في مراكز القوة المحيطة ببوتين انطلاقاً من فكرة أساسية وهي أن "المكتب السياسي 2" هو "شبكة" أصحاب المصالح المُمثلة للمكونات الأساسية للنخبة الروسية التي تتجمّع حول بوتين، الذي يؤدي دور "الحكم" بين ممثلي هذه الكتل ومصالحها. ويحمل العنوان إشارة واضحة إلى أن بوتين ما زال يحكم بصيغة لا تبتعد كثيراً عن صيغة المكتب السياسي للحزب الشيوعي في العهد السوفييتي، التي كانت تعكس توازنات المصالح بين الهيئات الحزبية المؤثرة آنذاك. وكشفت الدراسة أن الحكم يستند إلى دائرة ضيقة من أصدقاء بوتين، الذين يرتبطون في كثير من الأحيان بصلات قربى، وأن نظام الحكم الفعلي في روسيا يشكّل تسلسلاً هرمياً منظماً، لا تعكس فيه المناصب الرسمية دائماً الدرجة الحقيقية لتأثير الشخص.


رجحت الدراسة استمرار تكاتف النخب حول بوتين

تسعة وجوه
وقسّمت الدراسة "المكتب السياسي 2" الذي يعد بمثابة "حكومة بوتين الموسعة"، والمسؤول الحقيقي عن اتخاذ القرارات المهمة واختيار قيادات الدولة، إلى عدة فئات حسب القطاع الذي يمثله كل عضو، واللافت غياب رئيسة مجلس الاتحاد (الشيوخ) فالنتينا ماتفيينكو ورئيس مجلس الدوما (البرلمان) فياتشيسلاف فولودين اللذين يمثلان السلطة التشريعية، ورئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين عن قائمة "أقرب المقربين" من بوتين على الرغم من صلاحياتهم الدستورية.

وضمت القائمة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، إضافة إلى نائب رئيس مجلس الأمن ديمتري مدفيديف على الرغم من استبعاده عن قيادة لائحة حزب "روسيا الموحدة" الانتخابية. كما ضمت وزير الدفاع سيرغي شويغو، وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين، ورئيس شركة "روس تيخ" القابضة سيرغي تشيمزوف، ورئيس شركة "روس نفط" الحكومية إيغور سيتشين، إضافة إلى ثلاثة من أصحاب المليارات وأهم رجال الأعمال في البنية التحتية، وهم يوري كوفالتشوك، وغينادي تيمشينكو، وأركادي روتنبرغ.

وأشارت الدراسة إلى وجود نحو 29 مرشحاً للارتقاء في سلم "القرب" إلى بوتين، قسمتهم إلى أعضاء "تكنوقراط"، وأمنيين، وأيديولوجيين، ورؤساء مؤسسات حكومية، أهمهم ميشوستين في حال نجاحه في تحسين الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى أندريه بيلوأوسوف نائب رئيس الوزراء ورجل بوتين المسؤول عن تنفيذ الخطة الاقتصادية في الحكومة، وديمتري كوزاك النائب الأول في ديوان الكرملين الذي يرتبط تقدمه بنجاحه في تنفيذ سياسات الكرملين في المحيط السوفييتي السابق خصوصاً في آسيا الوسطى وأوكرانيا ومولدافيا. وتضم القائمة رئيس الحزب الشيوعي الروسي المعارض غينادي زوغانوف، والبطريرك كيريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، إضافة إلى ماتفيينكو وفولودين.

وأكدت الدراسة أن جميع أعضاء "المكتب السياسي 2" يتمتعون بالقدرة على التواصل الشخصي بسرعة مع بوتين. وأشار واضعو الدراسة إلى أن "صفوة القوم" استفادت كثيراً في السنتين الأخيرتين، فعلى سبيل المثال عزز رئيس شركة "روس نفط" إيغور سيتشين، الذي التقى بوتين أربع مرات على الأقل أثناء تفشي كورونا، مواقعه بعد إطلاق مشروع "فوستوك أويل" النفطي العملاق في عام 2020. وفي المقابل ثبت غينادي تيمشينكو دوره في قيادة قطاع البتروكيماويات بعد افتتاح مجمع "سيبور" الضخم لتكرير النفط، علماً أن بوتين أعلن نهاية 2020 أن هذا القطاع سيحظى بدعم من الدولة يصل إلى 5 تريليون روبل (نحو 68 مليار دولار) حتى 2023. وواصل أركادي روتنبرغ هيمنته على قطاع النقل والبنى التحتية، وحاز على مشاريع بقيمة 1.3 مليار دولار لتطوير البنى التحتية في شبه جزيرة القرم، إضافة إلى عقود بمئات المليارات لتحسين البنية التحتية وشبكات النقل في أقصى شرق روسيا. أما تشيمزوف فقد استفاد من توجّه الدولة لدعم قطاع الاتصالات والرقمنة وإنتاج طائرة مدنية حديثة، وحصل على مليارات جديدة لتنفيذ هذه المشاريع الداعمة لقطاع الصناعات العسكرية الذي يقوده. وأشارت الدراسة إلى زيادة "حظوة" وفرص شويغو بعد مشاركة وزارته في اختبار لقاحات كورونا، وكذلك باتروشيف الذي عزز موقعه كزعيم للأجهزة الأمنية بعدما حصل مجلس الأمن على وضع دستوري مهمته حماية "سلامة ووحدة" الدولة، والتي يتم التعبير عنها في زيادة الضغط على المعارضة غير النظامية والمنظمات غير الحكومية.


"المكتب السياسي 2" هو "شبكة" أصحاب المصالح المُمثلة للنخبة الروسية

تحديات رغم التماسك
ولفتت الدراسة إلى أن النخبة الحاكمة حافظت على تماسكها على الرغم من التحدي الثلاثي المتمثل بوباء كورونا، وتدهور العلاقات مع الغرب، ومحاولة المعارضة إطلاق احتجاجات جماهيرية واسعة في بداية العام الحالي. وعزت استقرار النخبة إلى تعزيز دور "السيلوفيكي" (أجهزة الأمن والجيش)، وأولوية الصراع الاقتصادي. وحسب الباحثين، فإن النخب ظلت مجمعة على استمرار بقاء بوتين على رأس الدولة، لكنها خاضت تنافساً محدوداً في ما بينها بغية الحصول على طرق جديدة لزيادة ثرواتها، ومما دعم الاستقرار هو التمثيل الواسع لمجموعات النفوذ المختلفة في "حكومة بوتين"، وحكومة الدولة.

وعلى الرغم من عدم وجود أي مخاطر على حصول "انقلاب" على بوتين من أعضاء المكتب السياسي، كما درجت العادة أيام الاتحاد السوفييتي، فإن الدراسة أشارت إلى أن الرئيس الروسي عمل على تطوير "فئة ذوي المهمات الخاصة" المحسوبين معه شخصياً، ومن ضمنهم النائب الأول لرئيس الوزراء أندريه بيلوأوسوف (المسؤول عن معالجة أزمة كورونا وتراجع الاقتصاد)، ونائب رئيس الوزراء يوري تروتنيف (المكلف بتطوير القطب الشمالي والشرق الأقصى)، وتاتيانا غوليكوفا (الفريق الاجتماعي في الحكومة)، ومسؤول ملف الطاقة ألكسندر نوفاك، ونائب رئيس ديوان الكرملين ديمتري كوزاك (السياسة الخارجية)، والمدير العام لصندوق الاستثمارات الروسية المباشرة كيريل دميترييف (إنتاج وتصدير لقاحات كورونا).

ووفقاً للمؤلفين، فإن استقرار "الطبقة العليا" من النخبة الروسية أملاه استقرار تصدير النفط والغاز، والجمود في سيناريو السياسة الخارجية "ما بعد القرم" (شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمّتها روسيا بالقوة عام 2014)، وتقوية "النموذج الرئاسي للحكم" بعد التعديلات الدستورية وزيادة نفوذ الأجهزة الأمنية.

في المقابل، حذر الباحثون من أن استقرار "المكتب السياسي 2" قد يتزعزع على المدى البعيد، واشاروا إلى عدة مخاطر أهمها: استمرار الصراع مع الغرب وعدم استقرار الفضاء السوفييتي السابق، وصولاً إلى نقطة الاشتباكات العسكرية المباشرة؛ وإدخال ضريبة الكربون في الاتحاد الأوروبي، ما يهدد بتقويض عائدات النفط والخامات؛ وتغيير الأجيال في السلطة وشيخوخة قادة المعارضة النظامية. وعلى المدى المنظور، فإن التحديات على تماسك النخبة تكمن في احتواء تأثيرات الموجة الثالثة من فيروس كورونا والانقسام الاجتماعي الناشئ حول قضية التطعيم الإلزامي المطبق عملياً من دون أساس قانوني، وتنظيم انتخابات مجلس الدوما (في سبتمبر/أيلول المقبل) وسط فيروس كورونا.

ومن أهم التحديات على المدى البعيد، حسب الدراسة، تراجع الدخل من بيع النفط والمواد الخام، ما قد يتسبّب في منافسات على الهيمنة على قطاعات اقتصادية جديدة مثل الطاقة البديلة، وقطاع النفايات لزيادة الدخل. كما أشار الباحثون إلى مشكلة كبيرة في المحافظة على التوازنات الحالية في ظل ارتفاع متوسط عمر "المكتب السياسي 2" إلى 65 عاماً، والمرشحين لدخوله إلى 61 عاماً.


يستبعد المراقبون احتمال حصول انقلاب ضد بوتين

وأشار الباحثون إلى أن "المكتب السياسي 2" استطاع الصمود في السنتين الأخيرتين في وجه التحديات قصيرة الأجل، لكن استقراره على المدى البعيد يبقى رهن عوامل عدة. ومع إشارة التقرير إلى تماسك النخبة وموقفها في دعم بوتين في صراعه مع الغرب الذي وصفه التقرير بـ"الحرب الباردة 2"، حذر الباحثون من الكلفة المرتفعة على الموازنة الروسية في ظل "استمرار الخلافات الحادة في العلاقات مع الغرب وعدم الاستقرار في الفضاء السوفييتي السابق، وصولاً إلى نقطة الاشتباكات العسكرية المباشرة التي تتطلب حاجة قصوى لدعم نظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، وتحقيق التوازن بين مصالح أرمينيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، وكذلك محاربة النفوذ المتزايد للصين في آسيا الوسطى". ورأت الدراسة أن الإنفاق الكبير من أجل الحفاظ على توازن السياسة الخارجية يمكن أن يقوّض العقد الاجتماعي بين السلطات والمجتمع، "الذي أضعف بالفعل بسبب إصلاح نظام المعاشات التقاعدية". ومع انتهاء عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اتسم بشقاق عبر الأطلسي، رأت الدراسة أن الصراع سوف يشتد مع الغرب وقد يتطور، ما يفرض تحديات جيواستراتيجية تهدد مصالح قسم من النخبة الحاكمة وبالتالي حصول خلافات.

وأفردت الدراسة مساحات واسعة لأجواء عدم الاستقرار في الفضاء السوفييتي السابق وتأثيراتها على النخبة في روسيا، ورأت أن روسيا أمام عدة تحديات في هذا الفضاء تتمثل في دخول كازاخستان وأوزبكستان في مرحلة تغيرات للنخب الحاكمة، واستمرار الأزمات السياسية العميقة في بيلاروسيا وأرمينيا وجورجيا ومولدافيا وقرغيزستان، إضافة إلى تبعات انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان التي لا تستبعد الدراسة تحولها إلى مركز لتوسع "الإسلام الراديكالي". وبخصوص بيلاروسيا، رأى الباحثون أن مشروع التكامل مع روسيا، والذي كان يُنظر إليه سابقاً على أنه أحد سيناريوهات توسيع النفوذ وترانزيت السلطة في روسيا، مهدد بسبب مناورات ألكسندر لوكاشينكو واستمرار قمعه للمعارضة والاكتفاء بإصلاحات شكلية لن تؤدي إلى الاستقرار سريعاً، لا سيما في ظل توسيع المواجهة مع الغرب واستخدام سلاج اللاجئين. وخلصت الدراسة إلى أن مشاريع التكامل في الفضاء السوفييتي السابق باتت مهددة، وأن فكرة التكامل السياسي بعد الاقتصادي باتت أقل شعبية.

كما حذرت الدراسة من أن فرض الاتحاد الأوروبي "ضريبة الكربون" يهدد بتقويض الشكل الحالي لتوزيع الموارد ضمن النخبة الحاكمة، فقد قدّر وزير الموارد الطبيعية والبيئة الروسي، ألكسندر كوزلوف، الخسائر المحتملة للمصدّرين الروس بنحو 3 مليارات يورو سنوياً في ظل غياب التحديث البيئي.

ومع زيادة النقمة الشعبية، واحتمال بروز حركات معارضة جديدة في البلاد، حذر الباحثون من أن الكرملين قد يفقد قدرته في التأثير على "المعارضة النظامية" نظراً لشيخوخة القادة الأساسيين في الحزب الشيوعي الروسي، والحزب الليبرالي الديمقراطي، و"حزب روسيا العادلة - من أجل الحقيقة". ومعلوم أن قيادات أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان دعمت بوتين بالكامل في سياساته الخارجية وصراعه مع الغرب منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014، ووقفت ضد المعارضة الليبرالية ورأت أنها تنفذ أجندة خارجية، كما أنها تدعم الكرملين في القرارات المصيرية الداخلية، وتكتفي بهامش صغير لانتقاد السلطات في قضايا ثانوية للحصول على أصوات بعض الشرائح من المواطنين الغاضبين على السلطة.


أعضاء "المكتب السياسي 2" أطلقوا بعض المشاريع للحصول على دخل إضافي 

مصادر جديدة للدخل
وذكر خبراء "مينشينكو للاستشارات" أن أعضاء "المكتب السياسي 2" أطلقوا بعض المشاريع في قطاعات جديدة للحصول على دخل إضافي للصمود في المواجهة مع الغرب، وعدم الدخول في صراعات داخلية قد تنتج عن إعادة توزيع النفوذ في القطاعات الاقتصادية القائمة. وأشار الخبراء إلى أن النخبة بنت استراتيجيات للبحث عن تعويض أي نقص من دخل صادرات الطاقة إلى أوروبا بعد فرض "ضريبة الكربون" ومن ضمنها تطوير قطاعي الأدوية والخدمات الرقمية، وتطوير الطاقة البديلة "الخضراء" وتصدير المواد الخام والصناعات إلى أسواق البلدان النامية. وأوضحت الدراسة أن روسيا استغلت إنتاج لقاح "سبوتنيك" من أجل إثبات عودتها كقوة عالمية في مجال الأدوية، وصدّرت اللقاح إلى البلدان التي عانت من تفشي كورونا مع انعدام فرصة الحصول على اللقاحات الغربية.

ومع تعرض قطاع الاتصالات وتقنيات المعلومات الصيني لضغوط من الولايات المتحدة، عزز رجال الأعمال في النخبة الروسية التعاون مع الشركات الصينية في هذا المجال. وتراهن النخبة الروسية على تطوير ممر البحر الشمالي كطريق تجاري بديل وزيادة صادرات الطاقة الخضراء من الغاز المسال المنتج في أقصى شمال وشمال شرقي روسيا إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. كما أطلقت روسيا خطة لتطوير قطاع الطاقة الكهروذرية، وخصصت عشرات المليارات لإنتاج مفاعلات جديدة صغيرة الحجم. في المقابل، تعمل النخبة على زيادة صادرات الفحم والنفط إلى بلدان شرق آسيا المحتاجة لطاقة رخيصة.

وفي مجال مختلف تسعى النخبة إلى زيادة مبيعات الأسلحة إلى بلدان العالم الثالث. وأوضحت الدراسة أن الاستراتيجيات المذكورة تضمن بقاء الحد الأدنى من الدخل للقطاعات القائمة، وفتح مجالات جديدة لتعويض أي نقص في المستقبل عبر الدخول في مشاريع جديدة، لكن الخطر الأكبر يكمن في تنافس بين النخب على هذه القطاعات، أو صعود شخصيات جديدة تطالب بعضوية في "المكتب السياسي 2" ما قد يخل بالتوازنات القائمة.


لم تتطرق الدراسة إلى سيناريو مصير "المكتب السياسي 2" في حال غياب بوتين

سيناريوهات المستقبل
توقعت الدراسة خمسة سيناريوهات لمستقبل "المكتب السياسي 2"؛ الأول والأرجح حسب الخبراء تثبيت التشكيل الحالي عبر استخدام الموارد الإدارية في توزيع الدخل في قطاعات جديدة من الاقتصاد وإنشاء تحالفات موسعة بين ممثلي المصالح المختلفة. الثاني سيناريو "الأرستقراطية الوراثية" والذي يمكن أن يظهر عند الاحتكام إلى تغليب العمل المؤسسي لحل الخلافات بين النخب بطرق غير مؤسسية. وفي السيناريو الثالث، رأت الدراسة أنه يمكن أن يتحوّل "المكتب السياسي 2" إلى شكل "غوسبلان" وهو اسم لجنة تخطيط الدولة في العهد السوفييتي لإدارة الاقتصاد، ما يسمح بتبسيط هيكل الاقتصاد، وتخفيف عدد أعضاء المكتب. أما السيناريو الرابع فهو إعادة بناء الاقتصاد، وتراجع النخب المسيطرة حالياً على الاقتصاد والممثلة في المكتب لمصلحة "رواد الصناعات الجديدة" (في مجال الطاقة النووية، وتقنيات المعلومات، والأدوية)، والنخب في الأقاليم والمناطق الروسية. وهذا السيناريو يفتح، حسب الدراسة، على سيناريو آخر هو الانتقال إلى تشكيل نخبة أوسع، تضم شخصيات في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق في حال نجاح مشاريع التكامل التي يسعى لها الكرملين.

ولم تتطرق الدراسة إلى سيناريو خامس عن مصير "المكتب السياسي 2" في حال غياب بوتين، وهل يستطيع ضمن تركيبته أن يختار شخصية لقيادة روسيا خليفة له تجمع بين دور الموازن لمصالح النخب ووجود دعم شعبي، وهي مهمة شبه مستحيلة في ظل عدم وجود أي شخصية يمكن أن تنافس بوتين بسبب طبيعة النظام السياسي المبني منذ عقدين. وبناء عليه فإن وجود "المكتب السياسي 2" رهن لبقاء بوتين في السلطة. وعلى الرغم من جواز المقارنة بين "المكتب السياسي 2" والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، فإن الأخير وبغض النظر عن الانتقادات، كان هيكلاً تعمّه المبادئ، بما في ذلك الأخلاقية، وكذلك ضوابط وتوازنات تضمن عمله بفعالية، إضافة إلى أن مصالح أعضائه كانت موجودة حصراً داخل الاتحاد السوفييتي. في المقابل فإن أعضاء "مكتب بوتين السياسي" يجتمعون لمصالح مؤقتة، كما أن أياً منهم قد يفكر بالفرار من المركب في أي لحظة، خصوصاً في ظل وجود استثمارات وأرصدة خارجية، وامتلاك كل منهم مطاراً خاصاً ضمن قصورهم الفارهة يمكن أن تنقلهم إلى "لندن غراد" (حي في العاصمة البريطانية لندن، يقطنه الأوليغارشيون الروس) أو الريفييرا الفرنسية.