نفت إيران ما نقلته وكالة "رويترز"، اليوم الخميس، عن دبلوماسيين مطّلعين على كواليس المفاوضات النووية المنعقدة في فيينا، عن اقتراب الأطراف جميعها من إقرار صيغة توافق تمنح الأولوية لملفات الأسرى وتخصيب اليورانيوم والأموال المجمّدة، على أن تكون العودة الكاملة إلى الاتفاق الأصلي بعد التأكد من تنفيذ الإجراءات الأولية، وخلال فترة زمنية لا تتجاوز 3 أشهر.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إن الاتفاق النهائي لعودة واشنطن للاتفاق النووي "مختلف جداً" عمّا وصفه بـ"التقرير المحرف"، معتبراً أن نشر "المعلومات الخاطئة" عبر الإعلام "عمل خطير".
وأضاف: "مع اقتراب الأيام الأخيرة (من المفاوضات) علينا أن نتوقع المزيد من التحريف".
من جهتها، أكدت وكالة "نورنيوز" المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني، أن الإفراج عن السجناء الأميركيين والأوروبيين في إيران "لا علاقة له بتاتاً مع المفاوضات الجارية في فيينا"، مشيرة إلى أن إيران قد أعلنت منذ البداية أنها "لن تقوم بأي نشاط لخفض إجراءاتها النووية ما لم تتخذ أميركا الخطوات اللازمة لرفع العقوبات".
واتهمت الوكالة "رويترز" بأنها تسعى إلى "إظهار نجاح الغرب بالمفاوضات"، مؤكدة أن "لا يوجد أي برنامج على جدول أعمال الوفد الإيراني للتفاوض المباشر" مع الولايات المتحدة الأميركية.
إلى ذلك، نقلت وكالات الأنباء الإيرانية عن المندوب الروسي في المفاوضات، ميخائيل أوليانوف، قوله، تعقيبًا على تقرير "رويترز"، أنه "مع اقترابنا من التوصل إلى اتفاق بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النوي) أصبح معارضو الاتفاق النووي أكثر فاعلية في الفضاء العام في محاولة لخلق أجواء غير صحية بشأن المرحلة النهائية من مفاوضات فيينا".
وكانت وكالات إعلام إيرانية نقلت عنه قوله: "نحتاج إلى المزيد من الوقت لإكمال النص النهائي للاتفاق"، مشيراً إلى أن المفاوضات في مراحلها الأخيرة، وأنها "مسار متعدد الأطراف وجميعنا ننتظر".
تقرير "رويترز"
وبحسب تقرير الوكالة، فإن مسوَّدة الاتفاق الواقعة في 20 صفحة تتضمن سلسلة إجراءات تبدأ بوقف إيران عمليات تخصيب اليورانيوم فوق نسبة نقاوة 5%، وهي نسبة قريبة من المدرجة ضمن الاتفاق النووي السابق والبالغة 3.67%، علماً أن طهران عاودت رفع نسب التخصيب تدريجاً، ردّاً على انسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق، حتى بلغت حاليّاً 60%؛ وهو ما يقرّبها من درجة نقاوة إنتاج الأسلحة الذرية.
في المقابل، تنصّ المسوَّدة، التي تحدثت عنها "رويترز" نقلاً عن مصادرها، على إلغاء تجميد نحو 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في بنوك كوريا الجنوبية بموجب العقوبات الأميركية.
وتشمل الاتفاقية أيضاً إطلاق سراح الأسرى الغربيين المحتجزين في إيران، وفق المقترح الذي قدّمه كبير المفاوضين الأميركيين روبرت مالي، شرطاً للصفقة.
وبمجرّد تنفيذ تلك المرحلة الأولية من الإجراءات والتيقن منها، ستبدأ المرحلة الرئيسية لرفع العقوبات، وتتقدّم تدريجاً حتى تبلغ لحظة "إعادة التنفيذ"، وفق وصف الدبلوماسيين، في إشارة إلى العودة للاتفاق الأصلي.
لكن الإطار الزمني لتطبيق تلك الإجراءات ليس محلّ اتفاق بعد.
رغم ذلك، قدّر مسؤولون أن المدة المقدّرة بين يوم إعلان صيغة الاتفاق والعودة إلى الاتفاق الأصلي تراوح بين شهر وثلاثة أشهر.
ولا تزال الاتفاقية المقترحة بانتظار قرار إيراني نهائي، على ما يقول الدبلوماسيون إياهم، مرددين أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة.
وتشمل القضايا التي لا تزال محل استعصاء مطالبة إيران بضمانات ألا تنسحب الولايات المتحدة مرة أخرى، بينما يقول مسؤولون غربيون إن منح ضمانات من هذا القبيل "يبقى أمراً شديد الصعوبة، في ظلّ تعسّر إلزام الإدارات الأميركية المستقبلية".
ومع ذلك، تنقل الوكالة، عن دبلوماسي من الشرق الأوسط ومسؤول إيراني، أن طهران منفتحة على قبول إجراء، وهو "أنه في حال انتهاك الولايات المتحدة الاتفاقية، فسيسمح لإيران بالتخصيب على نسبة 60% من النقاوة مرة أخرى".
استمرار المباحثات في فيينا
في غضون ذلك، تتواصل اللقاءات والمباحثات في فيينا على مختلف المستويات، سواء على مستوى لجان الخبراء أو رؤساء الوفود بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف.
وأجرى اليوم كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، مباحثات مشتركة مع كبار مفاوضي الترويكا الأوروبية، بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
كما قال المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف، في تغريدة على "تويتر"، إنه التقى اليوم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، وأجرى معه مباحثات بشأن الاتفاق النووي مع إيران.
وكان كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني قد قال، ليل الأربعاء- الخميس، إن بلاده اقتربت من التوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي "أكثر من أي وقت مضى"، مضيفاً: "لكن لا اتفاق على شيء ما لم يتم الاتفاق على كل شيء".
بدوره، قال مستشار الوفد الإيراني في فيينا محمد مرندي، لـ"العربي الجديد"، إن المفاوضات "اقتربت من اتفاق في فيينا أكثر من أي وقت، لكن إبرامه نهائياً مرتبط بقرارات الأطراف الغربية".
وقال مرندي إن هناك "خلافات باقية، لكنها قابلة للحل إذا قرّر الغربيون بعقلانية"، مضيفاً: "إذا اتخذت الأطراف الأميركية والأوروبية قرارات منطقية يمكننا التوصل إلى اتفاق خلال وقت قصير جداً".
وفي السياق، أعلنت الولايات المتحدة الخميس إحراز "تقدم كبير" في مفاوضات فيينا، معتبرة أن إمكانية ابرام اتفاق حول البرنامج النووي الايراني ممكنة "في غضون أيام" إذا أظهرت طهران "جدية" في هذا الشأن.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية لـ"فرانس برس": "باستطاعتنا، بل ينبغي علينا أن نتوصل إلى تفاهم بشأن العودة المتبادلة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة في غضون أيام"، في إشارة إلى اتفاق 2015 الذي يُفترض أن يمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية.
وقبل ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، يوم الأربعاء، إن الولايات المتحدة "في خضم المراحل النهائية" من المحادثات غير المباشرة مع إيران التي تستهدف إنقاذ الاتفاق المبرم عام 2015.
ووفق "رويترز"، فقد أضاف برايس للصحافيين: "في الحقيقة المرحلة الحاسمة التي سيكون عندها بمقدورنا تحديد ما إذا كانت العودة للامتثال بخطة العمل الشاملة المشتركة وشيكة أم لا".
وتُعقد حالياً الجولة الثامنة، وهي أطول الجولات ضمن محادثات فيينا، وقد انطلقت يوم 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتوقفت خلالها المفاوضات ثلاث مرات. وتؤكّد جميع الأطراف أن المفاوضات قد دخلت مرحلتها الأخيرة، وأن الاتفاق بات رهين قرارات سياسية للطرفين الرئيسيين، الأميركي والإيراني، اللذين يرميان الكرة كل إلى ملعب الآخر بالقول إن على الطرف الآخر اتخاذ تلك القرارات.