"مجلس السيادة" في السودان يلتقي وفد المجتمع المدني المصري... وتشكيك في الزيارة وتوقيتها
بدأ وفد من منظمات المجتمع المدني المصرية حملة لقاءات بمسؤولين سياسيين وشخصيات عامة في الخرطوم، في إطار تنشيط العلاقات السودانية المصرية.
ووفق بيان لمجلس السيادة السوداني، يرأس الوفد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي، ويضم ممثلين لمراكز الدراسات والبحوث المصرية وقادة المجتمع المدني المصري.
ومنذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في السودان، يسود اعتقاد وسط مناهضي الانقلاب في السودان بأن مصر ودوائرها الرسمية تقدم كل أشكال الدعم والمساندة للبرهان حتى قبل تنفيذه في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لتبدو زيارة الوفد المصري الحالي إلى الخرطوم محاولة لتحسين صورة مصر.
وعبّر مناهضو الانقلاب عن غضبهم إزاء ذلك حين قاموا، قبل أشهر في شمالي السودان، بإغلاق الطريق الرابط بين البلدين، ما أدى إلى وقف تصدير المواد الخام من مصر وإلى السودان.
وبدأ وفد منظمات المجتمع المدني المصري اجتماعاته في الخرطوم باجتماع غير رسمي مع ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة السوداني، هم الهادي إدريس، ومالك عقار، والطاهر حجر، وثلاثتهم قيادات في "الجبهة الثورية السودانية" التي تطرح مبادرة لجمع الصف الوطني وإنهاء أزمة ما بعد الانقلاب.
وقال أسامة سعيد، الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية في تصريح صحافي، إن اللقاء مع الوفد المصري تناول الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في معالجة الأزمة السياسية السودانية، وسبل تعزيز العلاقات الشعبية بين البلدين، مشيراً إلى أن الوفد اطلع على مبادرة طرحتها الجبهة الثورية في الأسابيع الماضية لإنهاء الأزمة السياسية في السودان.
وأمس الثلاثاء، أعلنت الآلية الثلاثية، التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية، تأجيل اجتماعات تحضيرية بين فرقاء الأزمة السياسية بعد رفض "تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير" المعارض للانقلاب المشاركة في الاجتماعات، بحجة أنها لا تؤدي إلى إنهاء الانقلاب وعودة المسار المدني الديمقراطي في البلاد، ما يفتح الطريق أمام المبادرات الوطنية ومنها مبادرة "الجبهة الثورية".
تقول أسماء الحسيني، مديرة تحرير صحيفة الأهرام، والمتخصصة في الشؤون السودانية، وأحد أعضاء الوفد، إن الوفد هو الأول من نوعه، منذ فترة طويلة من حيث الحجم، يزور السودان في ظل ظروف سياسية وأمنية واقتصادية صعبة جداً، مشيرة إلى أن الوفد يضم وزراء سابقين وسفراء ونواباً في مجلس الشعب وأساتذة جامعات وقيادات مجتمع مدني، وأنهم جمعياً يشعرون بما يمرّ به السودان من أزمة معقدة، مؤكدة أن الزيارة تظهر القلق المصري حيال التحديات في السودان التي تنعكس مستقبلاً على الأمن المصري.
وأضافت الحسيني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الوفد أجرى حتى الآن مقابلات مع مختلف الأطياف السياسية السودانية، بمن فيهم العسكر والمدنيون، ويحرص على لقاء لجان المقاومة، وكل الأطراف، وسيقابل كذلك رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، مشيرة إلى أن الرسالة الأساسية التي حملها الوفد المصري للشعب السوداني هي رسالة تضامن وتشجيع على التمسك بالحلول السياسية المتوافق عليها من الجميع، حتى يضمن السودان وحدته واستقراره وعدم الانزلاق إلى ما وصلت إليه دول أخرى.
ونفت الحسيني أن تكون مصر داعمة لأي طرف من أطراف النزاع السياسي في السودان، وأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية له، إنما تدعم فقط مصالح الشعب السوداني والمصالح المشتركة بين الشعبين، مؤكدة أن مهمة الوفد هي التأسيس لعلاقة إيجابية بين البلدين تستفيد من كل أخطاء الماضي، مشيرة إلى أن الوفد سيدفع بتوصيات إلى الجهات الرسمية والشعبية في مصر، بعد الزيارة، نافية بشدة وجود ملف سد النهضة ضمن أجندتها.
أما الصحافي السوداني محمد المصطفى فيشكك في طبيعة ومهام أعضاء الوفد المصري، وفي انتمائهم إلى منظمات مجتمع مدني مصري، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن الزيارة تريد أن تعطي انطباعاً مختلفاً عن الدعم المصري الواضح والظاهر للدعم المصري لانقلاب البرهان المرفوض من الشعب السوداني، ولن تنجح في ذلك بالمرة، وأنه لا مجال أمام مصر الرسمية وغير الرسمية سوى دعم خيارات الشعب السوداني في المدنية والديمقراطية، إن رغبت القاهرة فعلاً في تحسين صورتها أمام السودانيين، وفي بناء علاقات إيجابية بين البلدين، بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية.
وأشار مصطفى إلى أن توقيت الزيارة نفسه مشكوك فيه لأنها تأتي وسط غليان شعبي ضد الانقلاب في السودان، ويفهم منها أنها مجرد حملة إنقاذ للانقلابيين.
ميثاق "تأسيس سلطة الشعب"
على صعيد آخر، تمسكت لجان المقاومة في السودان بمبدأ هزيمة انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وعدم التفاوض معه والتأسيس لوضع دستوري جديد.
جاء ذلك في ميثاق سياسي وقّعته لجان المقاومة بولاية الخرطوم، يوم الأربعاء، وطلبت من القوى السياسية والتنظيمات المهنية والنقابية ولجان المقاومة في الولايات التوقيع عليه.
ونصّ الميثاق على تعيين رئيس وزراء جديد بعد سقوط الانقلاب، بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي المقرر تشكيله بموجب الميثاق نفسه، على أن يشكل المجلس التشريعي من لجان المقاومة وقوى الثورة الحية.
وأشار الميثاق إلى أنه يتوجب على رئيس الوزراء ترشيح حكومته وتقديمها للمجلس التشريعي لاعتمادها بصورتها النهائية، كما نص على تشكيل مجالس تشريعية في الولايات والمحليات لتقوم بتعيين السلطات في تلك المستويات ومراقبتها ومحاسبتها.
ولجان المقاومة السودانية هي تنظيمات قاعدية في الأحياء تقود الحراك الثوري المناهض للانقلاب العسكري وسبق لها أن ساهمت في إسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير عام 2019.
ونادى الميثاق السياسي بتحقيق العدالة الانتقالية وتطبيق المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، بما يشمل كل الجرائم والانتهاكات منذ الاستقلال، بما فيها جريمة فض الاعتصام، وغيرها من جرائم وقعت بعد انقلاب 25 أكتوبر الماضي.
واقترح الميثاق حل كل المليشيات وقوات الدعم السريع وإصلاح الجيش من أجل تكوين جيش وطني موحد يدافع عن الشعب والدستور، وإجراءات لإصلاح جهاز المخابرات وقوات الشرطة والمنظومة العدلية والحقوقية، وطالب بسحب القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن.
وترك الميثاق الباب مفتوحاً لتوقيع جميع التنظيمات على الميثاق، باستثناء القوى السياسية التي شاركت في نظام البشير، والقوى التي أيدت انقلاب 25 أكتوبر، كما شدد على القوى التي دخلت في شراكة مع العسكر خلال السنوات الماضية بتقديم نقد لتجربتها ونشرها قبل التوقيع، في إشارة إلى قوى إعلان الحرية والتغيير.
وسبق أن طرحت لجان المقاومة بالخرطوم ذات الميثاق على القوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة، لتنقيحه والتوصية بتعديله.