في الوقت الذي تعصف فيه أزمة الأرض والمسكن، وقضايا التمييز والعنصرية والجريمة ومشاهد سوداوية أخرى، بفلسطينيي 48، تعمل المؤسسة الإسرائيلية على تعميق أزماتهم والتمييز ضدهم، هذه المرة من خلال تعديل قانون "لجان القبول"، الذي يرتقي بحسب خبراء قانون إلى جريمة فصل عنصري، ويكرّس فصولاً جديدة من الأبارتهايد.
فقد صادق الكنيست، أمس الأول الثلاثاء، على توسيع قانون "لجان القبول" الذي يحدد من يسكن في عدد مما تسمى "البلدات الجماهيرية"، للالتفاف على قرار سابق للمحكمة العليا، يمنع "البلدات الجماهيرية" من تأجير أراضٍ لليهود فقط. ويساهم التعديل بزيادة عدد البلدات التي ترفض سكن فلسطينيي 48 فيها، لأسباب عنصرية، ولكن تحت غطاء قانوني، ويرفع عددها إلى 435 بلدة، تشكّل نحو 41 في المائة من مجمل المدن والقرى والبلدات في سائر الأراضي المحتلة عام 1948.
يساهم التعديل بزيادة عدد البلدات التي ترفض سكن فلسطينيي 48 فيها، لأسباب عنصرية
وبادر إلى تعديل القانون أعضاء في الكنيست من مختلف الأحزاب، وهم إسحاق كرويزر من حزب "القوة اليهودية" (يقوده إيتمار بن غفير)، وسميحا روتمان من "الصهيونية الدينية" (يتزعمه بتسلئيل سموتريتش)، وشارين هسكيل من "المعسكر الرسمي" المعارض الذي يرأسه بني غانتس. ووقّع رئيس الكنيست أمير أوحانا والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على القانون، الذي سيصبح نافذاً خلال 10 أيام.
وينص قانون الجمعيات التعاونية القائم اليوم (الذي يشمل قانون لجان القبول قبل التعديل الأخير) على أن بلدات النقب والجليل هي فقط التي تضم حتى 400 عائلة، وتُعرّف بأنها "بلدات جماهيرية"، يمكنها القيام بإجراءات تصنيف للسكان المحتملين من خلال لجان القبول، لفحص الموافقة على سكنهم فيها أو رفضهم.
وبحسب أحد التعديلات الأساسية التي دخلت على القانون، سيكون بإمكان بلدات خارج النقب والجليل أيضاً، إقامة لجان قبول، شرط أن تكون معرّفة من قبل الحكومة بأنها "ذات أولوية وطنية" على مستوى البناء والإسكان، ما قد يشير إلى التجمّعات السكانية ذات الأهداف الاستيطانية. وبموجب تعديل آخر في القانون، سيكون بإمكان البلدات التي فيها حتى 700 وحدة سكنية أيضاً، استقبال مرشحين للسكن من خلال إجراءات تشمل لجان قبول، وليس حتى 400 وحدة فقط.
ويضع القانون عدة معايير إضافية لفحص الطابع المجتمعي للبلدة، كما تقرر أنه بعد خمس سنوات من دخوله حيز التنفيذ، سيكون بإمكان وزير الاقتصاد أن يأمر بتطبيق القانون أيضاً على المناطق التي يوجد فيها أكثر من 700 وحدة سكنية.
ويمنع القانون القائم، من الناحية النظرية على الأقل، رفض قبول المتقدّمين للسكن في هذه البلدات، لأسباب تتعلق بالعرق، الدين، القوميّة، والميول الجنسية، لكنه يتيح رفضهم تحت بند "عدم التوافق مع النسيج الاجتماعي والثقافي"، وبالتالي فإنه عملياً يمنع قبول المواطنين العرب من فلسطينيي 48. ومع دخول التعديلات حيز التنفيذ ستزيد الأمر تعقيداً بالنسبة لهم، وهم الذين يعانون أصلاً من أزمة سكن خانقة، بسبب السياسات الإسرائيلية العنصرية.
أعلن مركز عدالة الحقوقي في الداخل الفلسطيني أنه سيتقدم بالتماسٍ إلى المحكمة العليا ضد القانون
وفي أعقاب إقرار القانون في الكنيست، الذي يسمح للبلدات الجماهيرية المكونة من 400 حتى 700 عائلة، بأن تقرر من يقطنها بحسب لجان القبول، أعلن مركز عدالة الحقوقي في الداخل الفلسطيني أنه سيتقدم بالتماسٍ إلى المحكمة العليا ضد القانون.
وقال المركز في بيان: "لا أحد يحاول إخفاء الغرض العنصري من القانون، وهو الاستمرار في الترويج لسياسة التهويد والسماح بإنشاء وتوسيع البلدات لليهود فقط". وتابع: "في جميع مراحل التشريع، أكد أعضاء الكنيست، بالاستعانة بتوصيات موظفي أجهزة مخابرات عامة، عزمهم على تعزيز نفس القيمة المنصوص عليها في القانون الأساسي: القومية، والتي بموجبها ستعمل الدولة على تعزيز وإقامة البلدات اليهودية حصراً. وبذلك أوضحوا أن استخدامهم لمصطلح "بلدة جماهيرية" يعني ترسيخ مبدأ الفصل العنصري بشكل ممنهج ومقنّن ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل وتعزيز الفوقية اليهودية".
غربلة سياسية تحت ذرائع اجتماعية
المحامية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان عبير بكر، والتي لديها تجربة شخصية مع لجان القبول، قالت لـ"العربي الجديد" إن الكنيست الإسرائيلي سنّ عام 2011 قانون لجان القبول للالتفاف على قرار صادر عن المحكمة العليا يرفض التمييز في تخصيص الأراضي والسكن في "البلدات الجماهيرية" لليهود. وأضافت: "جاء ذلك بعد عدة التماسات للمحكمة العليا، بعد تقدّم عائلات عربية للسكن في هذه البلدات بدافع الهروب من الضائقة السكنية أو لأسباب أخرى. وجاء القانون بعدة حجج منها أن بلدات معينة لديها نمط حياة معيّن ولها الحق في تحديد من يسكنها، ويحق لكل منها إقامة لجنة قبول".
وأوضحت بكر أنه بعد التماسات تقدّمت بها مؤسسات عديدة ضد القانون، منها "جمعية حقوق المواطن" ومركز "عدالة"، اعتبر معظم القضاة أن "القانون لم ينضج" ومنحته فرصة لفحص تأثيره على أرض الواقع من حيث التمييز ضد العرب وشرائح أخرى، فيما اعتبره 3 قضاة من أصل 9 بأنه قانون عنصري. ولفتت بكر إلى أن "القانون غير دستوري وتمييزي"، مضيفة أن "لجان القبول هي فقط وسيلة للغربلة والتمييز بين الناس على أساس عرقي وطبقي، وأن توسيع القانون ليشمل عدداً أكبر من البلدات التي تحتاج لجان قبول، هو إمعان في التمييز".
وأوضحت أن "تعديل القانون الذي تم أخيراً يمنح مجالاً للطعن فيه، والالتماس للمحكمة العليا مرة أخرى، ويعطي المجال لمراجعة قانونية من جديد، وبالتالي يتيح الطعن فيه من جديد، لكن هذا يتطلب أن تكون المؤسسات الحقوقية والقانونية جاهزة لهذه الخطوة".
وشرحت بكر أن الأسئلة والمبررات في لجان القبول تكون غير موضوعية في غالبيتها، وأنها واجهت شخصياً لجنة قبول عندما أرادت السكن في إحدى "البلدات الجماهيرية"، وقوبل طلبها بالرفض لأنها ردت على أحد أسئلة اللجنة بأنها لن تشارك بحفل شواء بمناسبة ما يُسمى إسرائيلياً "يوم الاستقلال". وأضافت: "كان واضحاً لنا أن الأساس قومي، وأنهم لا يريدون عرباً مع أجندات حقوقية أو سياسية، مع هذا قد يقبلون بعض من يتماهون معهم بالمواقف، أو قد يقبلون عائلات عربية قليلة جداً، في محاولة للتغطية على التمييز".
وتابعت: "نتحدث عن قانون يكشف وجه إسرائيل القانوني الدستوري وجبن المحكمة العليا التي ترددت في إلغاء قانون غير دستوري يكرّس الفصل العرقي والطبقي بين الناس بالأساس، ويكرّس الأساليب التي يتم فيها باسم القانون التمييز بين الناس على أساس عرقي، أي غربلة سياسية، ولكن تحت ذرائع اجتماعية".
بكر: القانون "يشكّل أداة للاستيلاء على الأراضي وتوطين اليهود وتكريس الفصل العنصري
ورأت بكر أن الكثير من فلسطينيي الداخل يترددون بالتقدّم بطلبات للسكن في مثل هذه البلدات وذلك في ضوء الرفض المتكرر، ما يؤثر على قرارات الكثير منهم، ويردعهم عن تضييع وقتهم على أمر لا فائدة مرجوة منه. وتابعت أن الأمر لا يقتصر على السكن، ولكنه أيضاً يزيد العنف بسبب الاكتظاظ في البلدات العربية والتضييق على المواطنين العرب من فلسطينيي الداخل في كافة المجالات والآفاق المحدودة، كما يساهم في انتشار العنف والسلاح والمشاكل الاجتماعية.
وخلصت بكر إلى أن القانون "يشكّل أداة للاستيلاء على الأراضي وتوطين اليهود وتكريس الفصل العنصري (الأبارتهايد)، وهذه جريمة يمكن تدويلها ويمكن محاكمة الدولة عليها". وختمت بالقول: "يجب علينا (المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل) تطوير أدوات دولية لأنها أدوات شرعية وأيضاً للأرشفة وللتاريخ".
كيف كانت البداية؟
رئيس المركز العربي للتخطيط البديل، حنا سويد، قال في حديث لـ"العربي الجديد" إن "هذه المستوطنات التي تُسمى بلدات جماهرية، أقيمت أصلاً عام 1983 بمبادرة أرئيل شارون بهدف تهويد الجليل. وأقيمت في مناطق مميزة عادة على رؤوس الجبال، وجلبوا إليها يهوداً من عدة مناطق ووعودهم بمستوى حياة مرتفع وامتيازات كثيرة، وتوخّوا أن تكون البلدات صغيرة حتى تكون فيها نوعية حياة مميزة". وأضاف: "بما أن هذه البلدات قريبة إلى البلدات العربية، أقيمت على أراضٍ تابعة لنفوذ البلدات العربية، جزء بملكية خاصة وأخرى على ما يُسمى أراضي دولة كانت مستخدمة من قبل البلدات العربية".
وشرح سويد أنه "نظراً للضائقة السكنية في البلدات العربية، بدأ جزء من المواطنين العرب التفكير بالسكن هناك، وكانت عدة محاولات من عائلات عربية للسكن في هذه المستوطنات، فتنبّه سكانها وبدأوا البحث في كيفية منع العرب بطريقة قانونية، وإقامة لجان قبول من سكان البلدات نفسها بالإضافة إلى ممثل عن الوكالة الصهيونية". ولفت إلى أنه "يحق للجان أن تأتي بمسوغات اجتماعية لتقول للناس لستم ملائمين للحياة في هذه البلدة، لذلك عدد العرب الذين تمكنوا من الدخول قليل جداً".
سويد: هذه المشاريع مدفوعة من قبل عدة أعضاء كنيست يصرّحون علانية بمشاريعهم التهويدية، من قبيل سموتريتش وبن غفير
وأشار سويد إلى أن "تعديل القانون يسمح بلجان قبول في البلدات التي فيها حتى 700 وحدة بدلاً من 400 وحدة، وهذا يعني قرية كبيرة، وبالتالي جاء التعديل لتوسيع نطاق منع العرب من السكن في البلدات الجماهيرية". ولفت إلى أن "هذه البلدات قائمة في خواصر البلدات العربية وجزء منها تمنع توسعها، كما أن احتياجاتها تضيّق على البلدات العربية. فعلى سبيل المثال فتح شارع لمستوطنة معيّنة قد يعيق توسيع بلدة عربية. ومن ناحية ثانية توسع البلدة العربية واقترابها من حدود البلدة اليهودية قد يثير مزاعم بأنها تشكّل خطراً على اليهود".
واختتم سويد بالإشارة إلى أن وزير القضاء ياريف ليفين قال في مسوغات القانون، إن القضاة لا يفهمون أنه عندما تدخل عائلات عربية إلى هذه المستوطنات، فلن يأتي اليهودي إليها. وأضاف أن هذه المشاريع مدفوعة من قبل عدة أعضاء كنيست يصرّحون علانية بمشاريعهم التهويدية، من قبيل الوزيرين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.