أدانت "الحركة المدنية الديمقراطية" في مصر (تجمع لأحزاب وشخصيات ليبرالية ويسارية)، الحكم الصادر عن محكمة جنح أمن الدولة "طوارئ"، الاثنين، بسجن المنسق العام للحركة، المعارض البارز يحيى حسين عبد الهادي، لمدة 4 سنوات، لاتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة عمداً داخل وخارج البلاد".
وأوردت الحركة، في بيان، أن الحكم بسجن عبد الهادي هو "إشارة سلبية" من النظام الحاكم، مع إشارات أخرى، منها تأخر إطلاق سراح العديد من سجناء الرأي، وما جرى من انتهاكات في المرحلة الأولى من الانتخابات النقابية العمالية خلال الشهر الجاري، في محاولة لإجهاض الدعوة إلى "الحوار الوطني الشامل"، وما يوجبه من تدابير وأجواء لازمة لبدء الحوار.
وأضافت "الحركة المدنية" أنها تلقت خبر الحكم بسجن عبد الهادي بـ"حزن بالغ"، والذي شغل موقع المنسق العام للحركة في فترة تأسيسها، وأعلن بيانها الأول، وتصدى بشجاعة لمحاولات تشويهها وترويعها، مستطردة بأنه "مثال للوطنية والنزاهة والإخلاص طوال تاريخه، منذ أن كان ضابطاً في القوات المسلحة المصرية، وجندياً من جنودها البواسل في حرب تحرير سيناء عام 1973".
وتابعت أن عبد الهادي كان مديراً لـ"معهد إعداد القادة"، الذي فتح أبوابه بحرية لكل تيارات المجتمع على أساس مبدأ الحق في التعددية والتنوع، ودارت في رحابه مناقشات مهمة حول حاضر ومستقبل مصر، فضلاً عن أنه "فارس المعارك" ضد الفساد دفاعاً عن المال العام، إثر فضحه صفقة بيع "عمر أفندي" الفاسدة إبان عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك.
وأكدت الحركة أن التقارير الأمنية "الملفقة" طاولت جميع المحكوم عليهم باتهامات كاذبة من سجناء الرأي، والذين لم يكونوا يوماً من دعاة الإرهاب، أو من المشاركين في أهداف الجماعات المتطرفة، بل كانوا دوماً في "الصف الأول للوطنية المصرية"، وفق البيان.
وجددت الحركة مطلبها بضرورة إسقاط تهم مثل "نشر أخبار كاذبة"، و"مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها"، عن جميع سجناء الرأي، ورفع القيود عن الحريات على وجه أعم، خاتمة بأن عبد الهادي "كان وسيظل رقم 1 في الكشوف التي قدمتها للمعارضين السلميين الذين تطالب بإخلاء سبيلهم فوراً، نظراً لتاريخه الوطني الكبير".
إلى ذلك، أصدرت لجنة العفو الرئاسي بياناً تؤكد فيه احترامها لمواد الدستور والقانون، وأحكام القضاء المصري واجبة النفاذ، مدعية أنها "تدافع دوماً عن استقلال السلطة القضائية في البلاد، وعدم التغول في اختصاصاتها".
وقالت اللجنة إنها تلقت خبر الحكم على عبد الهادي بالسجن لمدة 4 سنوات، وكانت قد نظمت زيارة له في محبسه خلال إجازة عيد الفطر أخيراً، وهو ما دفعها إلى التواصل مع مؤسسة الرئاسة لإعمال الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية بالعفو عنه.
وأضاف البيان أن "اللجنة تلقت رداً ببحث إدراجه ضمن قائمة العفو الرئاسي، التي من المقرر أن تصدر خلال أيام". وتابعت اللجنة أن "سيادة القانون ستظل دائماً هي الحاكمة لجميع أعمالها".
والحكم على عبد الهادي يمثل إشارة لها دلالة هامة، كونه انتمى إلى ما يعرف بـ"معسكر 30 يونيو"، والذي وقف إلى جوار السيسي في انقلابه على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي عام 2013، وسرعان ما أقصي من المشهد السياسي بعدما أدى دور "المحلل الثوري" لأحد أكثر الانقلابات دموية في تاريخ مصر.
وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارات بالعفو عن مجموعة محدودة من الناشطين السياسيين، ارتباطاً بحديثه عن إطلاق "حوار وطني" مرتقب للتباحث حول الأزمة الاقتصادية. ولم تمثل غالبية الأسماء المفرج عنها سوى مجموعة من الشباب المنتمين إلى أحزاب وتيارات سياسية بعينها، شاركت في تأييد السيسي خلال السنوات الأولى من حكمه، ثم انتقلت إلى صفوف "المعارضة الناعمة" بفعل ممارسات الإقصاء والتهميش.
وعبد الهادي واحد من وجوه الثورة المصرية، وأحد محاربي الفساد قبل أعوام من اندلاعها، كما يُعد أحد أبرز المعارضين للخصخصة (بيع الشركات العامة للقطاع الخاص)، حيث شارك في عضوية لجنة تقييم شركة عمر أفندي، والتي توصلت إلى تقدير ثمنها بما يقارب 1300 مليون جنيه، بعد خفض القيمة بنسبة تراوح ما بين 20 و30 بالمائة لتسهيل الصفقة.
وفُوجئ عبد الهادي بتجاهل هذا التخمين، واعتماد تقييم آخر بـ450 مليون جنيه ارتفع إلى 550 مليوناً، إضافةً إلى توقيع اللجنة على ما يشبه اعتذاراً عن تقريرها الأصلي، واعتماد القيمة المنخفضة. وحينها تقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير الاستثمار السابق محمود محيي الدين، يتهمه فيه بتسهيل الاستيلاء على المال العام لصالح شركة "أنوال" السعودية، وإهدار 600 مليون جنيه من أموال المصريين.
وبدأت صفحة أخرى في حياة عبد الهادي، بعدما اختاره المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري ليكون ضمن اللجنة التنسيقية لحركة "كفاية"، لما وجد فيه من شخصية شعبية تتصدى لعمليات البيع لأصول الشركات، مناهضاً للخصخصة. ولذلك اختير ليقود الحركة الشعبية "لا لبيع مصر"، مع أبو الصناعة المصرية الوطنية الراحل عزيز صدقي.
وكان عبد الهادي قد أحيل إلى محكمة جنح أمن الدولة، المشكلة بموجب قانون الطوارئ في مصر، بتهمة "إذاعة بيانات في الخارج والداخل تؤدي إلى إضعاف الثقة المالية للدولة والنيل من هيبتها"، على خلفية مقال واحد نشره على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
وخضع عبد الهادي للتحقيق بشأن مقاله عام 2018 أمام نيابة مدينة نصر، وخرج بكفالة مالية، ثم أعيد حبسه على ذمة تحقيقات القضية رقم 277 لسنة 2019 (حصر أمن دولة)، ثم تدويره على ذمة القضية رقم 1356 لسنة 2019، وإحالته إلى المحاكمة لاحقاً على ذمة القضية رقم 558 لسنة 2021.