أزمات غزة تنفجر تباعاً... والحلول بانتظار لقاء وطني

13 ابريل 2017
الجمهور المناوئ لـ"حماس" هو الذي تضرر (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

تبدو الساحة الفلسطينية، وساحة غزة خصوصاً، مقبلة على المجهول أكثر من أي وقت مضى، مع تصاعد الاتهامات بين حركتي "حماس" و"فتح"، بشأن الأزمات الأخيرة التي باتت تضرب حياة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع المحاصر.

وبدأت الأزمات الأخيرة، التي لم تغب عن غزة بأشكال مختلفة طوال السنوات العشر الماضية، مع اقتطاع مفاجئ من رواتب نحو 60 ألف فلسطيني يتلقون رواتبهم من السلطة الفلسطينية. وقد طاولهم الحسم جميعاً بنسب قاربت 30 في المائة. وأحدث قرار الحسم أزمة اقتصادية عميقة وإرباكاً لدى جميع الأوساط، لكن الأزمة تحولت سريعاً إلى تبادل اتهامات وتهديدات من السلطة إلى غزة، بإجراءات أكثر قسوة مع حركة "حماس" التي تقود القطاع بشكل منفرد منذ أكثر من عشر سنوات.

وبدأت الاتهامات مع إطلاق السلطة الفلسطينية تحذيرات من خطورة اللجنة الإدارية الحكومية التي شكلتها "حماس"، ومن ثم مزاعم سعي الحركة إلى فصل غزة عن الضفة، ولم توفر معها اتهامات بالارتباط بأجندات خارجية لمصالح ضيقة. وفهمت "حماس"، وفق مصادر "العربي الجديد"، أنّ تقليص الرواتب، ومن ثم إلغاء تخفيضات الضرائب الخاصة بوقود محطة التوليد، وإلغاء جزء من الضمان الاجتماعي للأسر الفقيرة في غزة، رسائل "حرب" من السلطة لتهديد حكمها في غزة. وعقدت "حماس" لقاء مع الفصائل الفلسطينية في غزة، أمس الأربعاء، وأطلعتهم على رؤيتها لحل الأزمات الأخيرة، بعد تلويح السلطة بمزيد من الإجراءات ضدها. وأعلنت أنها مستعدة لإنهاء عمل اللجنة الإدارية (حكومة الظل) إذا تسلمت حكومة التوافق عملها في غزة بشكل كامل. ودعت الحركة إلى حوارات فلسطينية داخلية، تكون بشراكة الكل الوطني، من أجل أنّ يشهد الجميع على ما يجري خلال هذه اللقاءات، لتفكيك الأزمات وإعادة الحياة إلى ملف المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، ناجي شراب، إن المشهد السياسي الفلسطيني يتجه نحو المزيد من التعقيد ومزيد من الانقسام، وتعزيز الفجوة السياسية القائمة بين غزة والضفة الغربية، وخصوصاً أن أزمة الرواتب ليست لأسباب مالية بحتة. ويؤكد شراب، لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة الحالية، وتقليص الرواتب، يظهر أن لها بعداً سياسياً، وخطوة في إطار خطوات للضغط على حركة "حماس"، والتراجع عن بعض القرارات التي اتخذتها أخيراً، مثل تشكيل اللجنة الإدارية التي تعتبر بمثابة حكومة. ويضيف أستاذ العلوم السياسية أنه لا يمكن فهم هذه الأزمة إلا في سياق الانقسام السياسي القائم منذ عشر سنوات، والذي نشأت عنه أزمات رواتب موظفين وحروب متلاحقة، في الوقت الذي خرج الانقسام من شكله السياسي، وأضحت هناك كيانات مستقلة. ويشير شراب إلى أن هناك شكلاً من أشكال الاستقلالية في القطاع، عبر تشكيل لجنة إدارية وفرض رسوم واتخاذ قرارات منفردة، في الوقت الذي بات على الحركتين المضي بشكل قوي وجريء نحو معالجة الأزمات واستئصال عقد الانقسام القائمة.


ويرى أن استراتيجية التهديد التي بدأت تتصاعد، عبر المزيد من الأزمات للقطاع، كأزمة الكهرباء والصحة والتعليم، لن تجدي نفعاً مع حركة "حماس" التي تسيطر على غزة منذ منتصف عام 2007 وستُقابَل بمزيد من العناد. ويشير إلى أن واقع "حماس" الآن يمكّنها من الاستمرار لعشر سنوات مقبلة، وخصوصاً أنها باتت أفضل من المراحل الأولى للحصار الإسرائيلي الذي فرض منذ فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006، وبعد أن سيطرت على القطاع بشكل كامل في يونيو/ حزيران 2007. ويوضح أن اتباع استراتيجية خلق الأزمات أمام الغزيين قد يفتح الباب على مصراعيه لتعزيز خيار الحرب الذي لا يتمناه مليونا مواطن في غزة، خصوصاً في حال تفاقم الأزمات بشكل كامل وتعقّد الأوضاع السياسية بين "فتح" و"حماس". ويستبعد شراب أن ينجح وفد "فتح" القادم للقطاع نهاية إبريل/ نيسان الحالي، في التوصل إلى حل في ظل الشروط القائمة حالياً، ولا سيما تعقد ملف أزمة الموظفين، خصوصاً موظفي حكومة غزة السابقة، الذين تشترط "حماس" تولي السلطة مسؤوليتهم.

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أن هناك مجموعة أزمات تواجه غزة، ضمنها تقليص الرواتب وأزمة الكهرباء وتشديد الحصار المفروض على القطاع ضمن سلوك متصاعد من قبل السلطة الفلسطينية. ويقول المدهون، لـ"العربي الجديد"، إن الرؤية الحالية للسلطة الفلسطينية تأتي ضمن سياسة جديدة تتبعها وتنسجم مع الرؤية الأميركية والإسرائيلية، ما يظهر أن السلطة ماضية في تعزيز سياسة التقليص من الرواتب وتعزيز الفصل بين غزة والضفة الغربية. ويشير إلى أن السلطة الفلسطينية بررت إعلانها عن الحسومات بوجود أزمة مالية لديها، ثم سارعت لتحميل حركة "حماس" واللجنة الإدارية المسؤولية الكاملة بعد حالة الغضب الواسعة في صفوف حركة "فتح" وأنصارها في القطاع الذين رفضوا الحسومات. ويؤكد المدهون أن "حماس" هي أقل المتضررين من أزمة الرواتب، لأن الجمهور الذي يناوئ الحركة ويخاصمها هو الذي تضرر، وهذا الجمهور متفهم أنها ليست طرفاً في التقليص الذي لحق برواتبهم، والذي تجاوز نسبة 30 في المائة. وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، فإنه من المبكر الحديث عن انفجارات في القطاع نتيجة الأزمات التي ستتفاقم بفعل تقليص الرواتب، إلا أنه لم يستبعد أن يكون الانفجار، حال وقوعه، موجهاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً أن الجميع في غزة باتوا مأزومين.

وبشأن الشروط التي يجري الحديث عنها قبيل زيارة وفد "فتح" إلى القطاع، يشير المدهون إلى أن الحديث عن شروط غير مناسب في الحياة السياسية الفلسطينية، على الرغم من المرونة الكبيرة التي أبدتها "حماس" خلال الفترة الماضية في ملف المصالحة. ويرى أن الأفضل للسلطة الفلسطينية هو أن تقدم مبادرة متكاملة لحركة "حماس" من أجل المصالحة وإنهاء الانقسام، عبر إشراك كافة القوى والفصائل الوطنية بها، ما يضمن مشاركة واسعة ويقلل من استفراد "فتح" و"حماس" بالقرارات والشروط. ويرجع أسباب الحسومات المالية التي حلت برواتب موظفي السلطة في غزة إلى توجهات دولية وإقليمية من أجل تعزيز فصل غزة عن الضفة الغربية، بالإضافة إلى معاقبة جمهور السلطة في غزة غير القادر على التحرك ضد حركة "حماس".