ألقت أزمات المواطن المعيشية، لا سيما أزمة الكهرباء، بظلالها على المشهد السياسي الليبي هذه الأيام، بل وطغت على حالة الانسداد السياسي والترقب الخاص لما ستؤول إليه الخلافات حول الإطار الدستوري للانتخابات.
وانعكس ذلك في التصريحات الأخيرة لرئيسي الحكومتين؛ عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وفتحي باشاغا، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، وكذلك رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي طالب النائب العام ورئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب ورئيس هيئة الرقابة الإدارية بفتح تحقيق عاجل في أسباب استمرار انقطاع الكهرباء.
وأفاد الناطق باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، في منشور عبر صفحته في "فيسبوك" ليلة أمس الأحد، بأن عقيلة صالح "طالب بالتحقيق العاجل في أسباب استمرار انقطاع الكهرباء على المواطنين لساعات طويلة، والنقص الحاد في توفر الوقود، الأمر الذي ترتبت عليه زيادة معاناة المواطن".
وشدد صالح على الجهات المُخاطَبة بـ"تحمل مسؤولياتها وإحالة المسؤولين عن أزمة الكهرباء إلى القضاء لمحاسبتهم، وإعلان نتائج التحقيقات للشعب".
ومن جانبه، أعلن باشاغا، اليوم الإثنين، عن تشكيل لجنة وزارية، برئاسة نائبه علي القطراني، للبحث والتقصي في أزمة الوقود والكهرباء وإيجاد الحلول العاجلة لها.
ووفق مكتب باشاغا الإعلامي، ستكون اللجنة في انعقاد دائم حتى انتهاء الأزمة، على أن تقدم تقارير يومية عن عملها لباشاغا.
وجاءت تصريحات صالح وقرار باشاغا بعد كلمة للدبيبة، أثناء لقائه بأعضاء المجلس البلدي لمدينة مصراته ليل الأحد، أثار خلالها مسألة تعدين عملة "بيتكوين" الرقمية في ليبيا، وحذر من تأثيرها على قدرات الشبكة الكهربائية، كاشفاً عن معلومات وصلت إليه تفيد بأن "ليبيا تعد ثاني دولة على مستوى العالم في تعدين هذه العملة" الذي يستوجب استهلاكاً مفرطاً للطاقة.
وقدم الدبيبة، خلال كلمته، اعتذاراً لليبيين بسبب مشكلة الكهرباء، وربط استمراره في السلطة بحل هذه المعضلة، قائلاً: "أتعهد ما دمت في مكاني بحل هذه المشكلة في أسرع وقت".
واعتبر الدبيبة أن جزءاً مهماً من الأزمة يرجع إلى عدم إجراء عمليات صيانة للشبكة والمحطات، قائلاً إن "الكهرباء استنفدت أموالاً كثيرة خلال العشرين سنة الماضية من دون أي اهتمام بالصيانة".
ويعبر المحلل السياسي مروان ذويب عن استغرابه حيال تركيز قادة البلاد الشديد على أزمة الكهرباء هذه الأيام، على حساب أكبر تهديد سياسي أمام البلاد يتمثل في ضيق الأفق المتاح أمام إجراء الانتخابات.
وكانت لجنة مشتركة، مكونة من أعضاء مجلسي النواب والدولة، قد فشلت في الاتفاق التام حول القضايا الخلافية في مشروع الدستور، خلال ثلاث جولات احتضنتها القاهرة، أعقبه فشل آخر لرئيسي المجلسين عقيلة صالح وخالد المشري أثناء لقائهما في جنيف.
وتزامن هذا الفشل مع خروج احتجاجات شعبية، غطت أغلب المدن والمناطق الليبية، تطالب بحل المجلسين وتدخّل المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للقضاء في فرض حالة طوارئ، وقيادة البلاد نحو الانتخابات بعد صياغة قوانين تنظمها.
وعلى الرغم من إعلان صالح والمشري عزمهما تجديد اللقاء بينهما بعد إجازة عيد الأضحى للمضي نحو تفاهم تام حول القضايا الخلافية في مسودة الدستور، إلا أنهما حتى الآن لم يعلنا عن موعد اللقاء المرتقب ومكانه.
ولا يستبعد ذويب وقوف جهات سياسية، على رأسها عقيلة صالح، وراء ما وصفه بسياسة "تشتيت الانتباه الواقعة حالياً من خلال تركيزه ورئيس الحكومة الموالية له فتحي باشاغا على الأزمات المعيشية، لإلهاء الرأي العام عن الاستحقاق الأصيل لهذه المرحلة وهو الإعداد للانتخابات".
وفي توضيح أكثر، قال ذويب لـ"العربي الجديد": "قادة المرحلة الحالية، على خصامهم، متفقون على أن الانتخابات ستقصيهم إلى الأبد، وسيفعلون أي شيء في سبيل تمطيط المشهد وضمان البقاء في السلطة، والآن أزمة الكهرباء هي وسيلتهم لذلك، ولهذا اتجه الكل إليها ومثّل كل منهم دور البريء من تلك الأزمات من جانب، والقادر على حلها من جانب آخر".
وركز صالح حديثه عن أزمة الكهرباء على فشل الدبيبة وحكومته في "إدارة السلطة التنفيذية"، خاصة في ما يخص الكهرباء والأزمات المعيشية الأخرى، كارتفاع الأسعار وغياب السيولة النقدية في البنوك، وبرر بذلك حجب مجلس النواب الثقة عن حكومة الدبيبة وتكليف الحكومة الجديدة، التي يتفق مع رئيسها فتحي باشاغا على تحميل حكومة الوحدة كامل المسئولية واتهامها بالفشل.
ومن جانبه، أرجع الدبيبة أبرز أسباب انقطاع الكهرباء إلى فقدان 1000 ميغاوات نتيجة إغلاق الحقول النفطية وتوقف إمدادات الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، مؤكداً، في أكثر من مناسبة، أن مجلس النواب وباشاغا هما من يقف وراء وقف تدفق النفط والغاز.
وبالإضافة لتحول المشهد بين قادة الأطراف لاستثمار أزمة الخدمات المعيشية في تبادل الاتهامات، إلا أن الناشط السياسي رمزي المقرحي يرى أن أحد أسباب تحويل الاهتمام بملف الأزمات المعيشية، وأبرزها الكهرباء، هو نجاح الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي شهدتها البلاد في الدفع بهذا الملف إلى دائرة الاهتمام، خصوصاً أن أزمة الكهرباء أحد محركاتها الأساسية، وفق رأيه.
وقال المقرحي لـ"العربي الجديد": "أزمة الكهرباء اشتدت هذا العام، وكانت أبرز عناوين الاحتجاجات، ولكن في تصوري أن محاولة قادة البلاد نقل المشهد إلى الغوص به في ملف أزمة الخدمات المعيشية هي محاولة لإلهاء الشارع عن مطالبه الأخرى، وأهمها إزاحة كل الأجسام السياسية".
وحول تأثير ذلك على اللقاء المرتقب بين صالح والمشري، قال المقرحي: "قوة صوت المحتجين وكثافة الاحتجاجات ستجعلان لقاء المشري وعقيلة صالح محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لهما، فلو اتفقا على اللقاء مجدداً فسيتوجب عليهما الفصل الحقيقي والواضح في القضايا الخلافية في مشروع الدستور، لأنهما لو ذهبا في طريق المماطلة المعروف في تعاملهما السياسي السابق؛ فمن المرجح بشكل كبير أن ينفجر الشارع مرة أخرى"، مشيراً إلى أن غياب صوت المجلس الأعلى للدولة ورئيسه خالد المشري كل هذه المدة دليل واضح على مخاوف القادة في مجلسي النواب والدولة من حراك الاحتجاجات.