يواجه نحو 1200 فلسطيني في منطقة مسافر يطا بالضفة الغربية المحتلة خطر التهجير لفسح المجال لمنطقة إطلاق نار للجيش بعد معركة قانونية استمرت عقوداً، وانتهت الشهر الماضي، في أعلى محكمة للاحتلال الإسرائيلي.
ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماساً تقدم به أهالي 12 تجمعاً سكنياً في قرية مسافر يطا، جنوب الخليل، ضد قرار الاحتلال الإسرائيلي بطردهم من مناطق سكناهم، ما سيؤدي إلى تشريد أكثر من 1200 فلسطيني، بينهم 500 طفل.
وفتح الحكم الطريق أمام واحدة من أكبر عمليات النزوح منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية في حرب 1967، لكن السكان يرفضون المغادرة، على أمل أن يمنع صمودهم والضغط الدولي على الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ عمليات الطرد.
وقالت وضحة أيوب أبو صبحة، من سكان الفخيت، وهي واحدة من عدة قرى صغيرة يقول رعاة ومزارعون فلسطينيون إن لهم صلة تاريخية بهذه الأرض: "البلاد هاي بدهم يأخذوها منا عشان يبنوا مستوطنات". وأضافت: "مش رايحين نطلع من هون".
وفي ثمانينيات القرن الماضي، أعلن الاحتلال الإسرائيلي مسافر يطا منطقة عسكرية مغلقة عُرفت باسم "منطقة إطلاق النار 918". وقالت في المحكمة إن هذه المساحة التي تبلغ 7400 فدان على طول الحدود بين الاحتلال الإسرائيلي والضفة الغربية كانت "بالغة الأهمية" لأغراض التدريب، وإن الفلسطينيين الذين يعيشون هناك هم "سكان موسميون فقط".
وقالت وضحة بصوت منكسر وهي جالسة في إحدى الخيام القليلة الباقية، التي أضاءها مصباح واحد: "حزن كتير إجانا السنة هاي".
وتعيش هذه التجمعات في هذا الجزء من جنوب الخليل في كهوف تحت الأرض في المعتاد. وعلى مدى العقدين الماضيين، بدأوا أيضاً في بناء أكواخ من الصفيح وغرف صغيرة فوق الأرض.
وقالت وضحة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي دأبت على هدم هذه الأكواخ الجديدة منذ سنوات، لكن الآن بعد أن حصلوا على دعم المحكمة، من المرجح أن تبدأ عمليات التهجير.
وعلى بعد خطوات، تحولت متعلقات عائلتها إلى حطام بعد وصول الجنود بالجرافات لهدم بعض الأكواخ.
وخلصت المحكمة العليا للاحتلال إلى أن السكان "فشلوا في إثبات مزاعمهم بوجود إقامة ثابتة" قبل إعلانها منطقة إطلاق نار. واعتمدت المحكمة على صور جوية ومقتطفات من كتاب عام 1985 استشهد به الجانبان كدليل.
والكتاب يحمل عنوان "العيش في مغارة جبل الخليل" من تأليف عالم الأنثروبولوجيا الإسرائيلي يعقوب حبكوك، الذي أمضى ثلاث سنوات في دراسة حياة المزارعين والرعاة الفلسطينيين في مسافر يطا.
وامتنع حبكوك عن التعليق وأحال رويترز على كتابه، لكنه قال إنه حاول تقديم رأي خبير نيابة عن السكان بناءً على طلب من أحد محاميهم، ومنعته من القيام بذلك وزارة الأمن الإسرائيلية، حيث كان يعمل في ذلك الوقت.
انتقادات دولية
بالمقابل، نددت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بحكم المحكمة وحثتا الاحتلال الإسرائيلي على وقف عمليات الهدم والتهجير.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، في بيان، إن "إنشاء منطقة إطلاق نار لا يمكن اعتباره 'سبباً عسكرياً إلزامياً' لنقل السكان الواقعين تحت الاحتلال".
وفي نص اجتماع وزاري عام 1981 حول المستوطنات، كشف عنه باحثون إسرائيليون، اقترح وزير الزراعة في ذلك الوقت آرييل شارون، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للوزراء، أن يوسع الجيش الإسرائيلي مناطق التدريب في جنوب تلال الخليل لنزع الأراضي من الفلسطينيين.
وقال شارون: "نريد أن نقدم لكم المزيد من مناطق التدريب" نظراً "لانتشار القرويين العرب من التلال باتجاه الصحراء".
وأبلغ جيش الاحتلال الإسرائيلي رويترز بأن المنطقة أُعلِنَت منطقة إطلاق نار "لمجموعة متنوعة من الاعتبارات العملياتية ذات الصلة" وأن "الفلسطينيين انتهكوا أمر الإغلاق بالبناء دون تصاريح على مر السنين".
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن السلطات الإسرائيلية ترفض معظم طلبات الفلسطينيين للحصول على تصاريح بناء في "المنطقة ج"، وهي مساحة من الأرض تشكل ثلثي الضفة الغربية يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل، وحيث تقع معظم المستوطنات اليهودية. وفي مناطق الضفة الغربية الأخرى، يمارس الفلسطينيون حكماً ذاتياً محدوداً.
وأظهرت بيانات الأمم المتحدة أيضاً أن الاحتلال الإسرائيلي حدد ما يقرب من 30 بالمائة من (المنطقة ج) كمناطق إطلاق نار عسكرية. ووضع تحديد هذه المناطق من أكثر التجمعات الفلسطينية ضعفاً في خطر متزايد للتهجير القسري.
في غضون ذلك، استمرت المستوطنات في المنطقة بالتوسع، ما زاد من تقييد حركة الفلسطينيين والمساحة المتاحة للسكان للزراعة ورعي الأغنام والماعز.
وقال محمود علي النجاجرة من قرية المركز، وهي قرية صغيرة أخرى معرضة للخطر: "الزيتون هذا كله إلي"، مشيراً إلى بستان على مسافة قريبة. وأضاف: "وين نطلع من هون؟".
وكانت أشجار الزيتون البالغ عددها 3500 التي زرعها قبل عامين قد بدأت بالنمو.
وقال النجاجرة لرويترز: "بدنا نعمر بس نستنا شوي نشوف هالوضع... على الموت ولا نطلع من هون".
(رويترز، العربي الجديد)