في منتصف فبراير/شباط كانت إربين ضاحية تُقدم خدمات جيدة تقع في غابة صنوبر عند الأطراف الشمالية الغربية للعاصمة كييف؛ أما الآن، بعدما استعادتها القوات الأوكرانية، فهي بقعة مقفرة دمرها القصف الروسي خلال الهجوم على أوكرانيا الذي بررته موسكو بـ"اجتثاث النازية" في هذا البلد.
قاومت إربين الغزو الروسي بكل قوتها، قاطعة الطريق على القوات الروسية في زحفها على كييف على بعد حوالي 20 كيلومتراً.
استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على المدينة التي تملأ الجثث حدائقها الخضراء في ما مضى، فيما تنسحب القوات الروسية على عجل من محيط العاصمة.
Irpin, Kyiv oblasts#Ukraine🇺🇦 pic.twitter.com/X9nFcjIoCc
— Aleph א 🇺🇦 (@no_itsmyturn) April 2, 2022
كان ذلك انتصاراً باهظ الثمن حوّل المدينة خراباً إذ دمّر جميع مبانيها تقريباً وهدم أجزاء هائلة من مباني حديثة زاهية الألوان.
Inside #Irpin - the commuter town near #Kyiv - where Russian forces have been driven out. Now given the honorary title " Hero City of Ukraine". But liberation has come at a cost. With thanks to @Colmonews @Wburema @myroshnichenko_ @n_sosnytska @dariasipigina pic.twitter.com/XpPFi0JKeU
— Orla Guerin (@OrlaGuerin) April 2, 2022
وقال جندي أوكراني معلّقاً على الدمار "إنها نهاية العالم"، فيما يصف بوغدان، الناجي من أنقاض إربين، الجنود الروس الذين هزموا في إحدى المعارك الحاسمة في حرب أوكرانيا بكلمة واحدة: "فاشيون".
وقال العامل لمراسلي "فرانس برس" "كنا نسمع نيران قذائف الهاون كل 20 إلى 30 ثانية. وهكذا طوال اليوم. إنه مجرد تدمير".
جسدت إربين أهوال الحرب في الأيام الأولى للغزو الذي أمر به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وانتشرت حول العالم صور عائلة قتل أفرادها بقذيفة أثناء محاولتهم الفرار، وآلاف الأشخاص يحتمون تحت جسر مدمر.
ولم يعد بإمكان وسائل الإعلام منذ ثلاثة أسابيع الوصول إلى المدينة بعد مقتل صحافي أميركي فيها، إذ أعلنت السلطات الأوكرانية أنّ التوجه إليها خطير جداً.
في وسط المدينة اليوم، بالقرب من لافتة كتبت عليها عبارة "أحب إربين" محاطة بقلب أحمر، يروي سكان قلائل بقوا في المدينة كيف نجوا من شهر كامل من القصف المتواصل.
وقال بوغدان الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً "اختبأنا في قبو. أطلقوا صواريخ غراد وقذائف هاون وقذائف دبابات. وتعرضنا أنا وزوجتي لقصف بقذائف الهاون مرتين. لكننا أحياء وبصحة جيدة".
ويتجول فيكتور كوتشيرك (51 عاماً) في شارع تقطعه جبّالة متفحّمة، طالباً سجائر. وقال "بمجرد أن نسمع صوت رصاصة، نهرع على الفور إلى ملاجئنا تحت الأرض" موضحاً أنّ "مصابيح الثريات تفككت وسقطت بسبب الانفجارات. أثناء القصف كنا نجلس في زاوية حيث الجدران سميكة".
ولا يزال رجال الإنقاذ يعملون على انتشال الجثث وتغليفها في أكياس لنقلها عبر جسر تعرّض للتفجير يربط المدينة بكييف.
وتغطي الجسر عشرات السيارات المحترقة والمخترقة بالرصاص، يحاول رجال الإنقاذ إزاحتها من المكان.
في الأيام الأخيرة، حررت القوات الأوكرانية عدداً من المدن والبلدات التي احتلها الروس قرب العاصمة، بعد أن أعلنت روسيا الحد من هجماتها على كييف.
ويبدو أنّ الانسحاب الروسي يتسارع حالياً، على الأقل في هذه المنطقة، لأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد أنّ موسكو تستعد لشن هجوم في شرق البلاد وجنوبها.
وأحصى مراسلو وكالة "فرانس برس" ما لا يقل عن 13 مركبة مدرعة روسية مدمرة في محيط قرية دميتريفكا، على بعد خمسة كيلومترات جنوب غربي إربين.
⭕️🇺🇦#Ukraine: Russian military equipment sunk in Irpin river. (Footage from drone) pic.twitter.com/gfZ77QWJnT
— 🅻-🆃🅴🅰🅼 (@L_Team10) April 2, 2022
وكانت ثلاث جثث متفحمة على الأقل لجنود روس ممددة تحت حطام قافلة من ثماني دبابات وعربات مصفحة، فيما شوهدت ساق مبتورة بجانب آلية.
وبدت بزات عسكرية روسية ومقتنيات شخصية مبعثرة أرضاً، بينها ترجمة روسية مُجلدة بغلاف أحمر لدراسة للبريطاني إدوارد غيبون تعود إلى القرن الثامن عشر، بعنوان "تاريخ تدهور الإمبراطورية الرومانية وسقوطها".
وتشير أوكسانا فورمان (47 عاماً) إلى حفرة كبيرة في مطبخها أحدثتها قذيفة روسية سقطت قبل يومين، موضحة أنّ دبابة روسية عادت إلى الخلف فصدمت جدار حديقتها متسببة بانهياره.
وقالت أوكسانا التي لجأت إلى قبو أحد الجيران "كان هناك هدير هائل، وضجيج مركبات، كل شيء كان يرتجف. ثم بدأ تساقط القذائف الواحدة تلو الأخرى".
في إربين، حيث أكدت السلطات مقتل 200 مدني على الأقل، يعتبر السكان أنّ انتصار أوكرانيا في المعركة نسبي. وقال بوغدان "استعدنا إربين، واستعدنا أشياء كثيرة، لكن الحرب لم تنته بعد".
(فرانس برس)