أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأحد، أن بلاده تدرس الانسحاب كامل قواتها من أفغانستان بحلول الأول من مايو/ أيار المقبل.
وفي رسالة من بلينكن إلى الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، نشرت فحواها قناة "طلوع نيوز" الأفغانية عبر حسابها في موقع "تويتر"، قال بلينكن إن الولايات المتحدة تنظر في خيارات أخرى أيضاً، مضيفاً أن بلاده لم تستبعد أي خيار فيما يتعلق بأفغانستان.
وأوضح أنه من أجل الإسراع في محادثات السلام والوصول إلى تسوية ووقف دائم وشامل لإطلاق النار "تقوم الولايات المتحدة بمجهودات رفيعة المستوى مع الأطراف المعنية ومع الدول الإقليمية والأمم المتحدة، وتشمل هذه الإجراءات عدة خطوات".
وتتضمّن الخطوة الأولى التي أوضحها بلينكن أن تعقد الأمم المتحدة اجتماعاً لوزراء خارجية ومبعوثين من روسيا والصين وباكستان وإيران والهند والولايات المتحدة لمناقشة نهج موحّد لدعم السلام في أفغانستان.
ثم أشار في الخطوة الثانية إلى ضرورة مشاركة المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، مقترحات مكتوبة مع الرئيس الأفغاني وقادة "طالبان"، والتي تهدف إلى "تسريع المفاوضات التي تتعلق بالتسوية ووقف إطلاق النار".
وأضاف المسؤول الأميركي أن: "هذه المقترحات تعكس بعض الأفكار المطروحة في خريطة الطريق لعملية السلام".
وعن الخطوة الثالثة، قال بلينكن: "سيُطلب من تركيا استضافة اجتماع رفيع المستوى للجانبين خلال الأسابيع المقبلة، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام".
وحثّ بلينكن الرئيس الأفغاني أو "المعني بتمثيله" على حضور الاجتماع.
وأخيراً، أوضح بلينكن أن "الولايات المتحدة أعدت مقترحاً لخفض أعمال العنف لمدة 90 يوماً، والذي يهدف إلى منع هجوم الربيع من قبل طالبان بالتزامن مع جهودنا الدبلوماسية لدعم تسوية سياسية بين طرفين".
وطلب الوزير الأميركي من الرئيس الأفغاني "التفكير بشكل إيجابي" في مقترح الحدّ من العنف.
رسائل متباينة
وتأتي التحركات الأميركية في الوقت الذي بدأ فيه العد العكسي لتنفيذ الشرط الأبرز الذي تضمنه اتفاق السلام الذي وقعته "طالبان" والولايات المتحدة قبل عام من الآن في العاصمة القطرية الدوحة، ويقضي بسحب كامل القوات الأميركية من أفغانستان بحلول الأول من مايو/ أيار المقبل، وهو ما لا ترحّب فيه دوائر أميركية عدة وتوصي بمراجعته.
ومنذ تسلّم بايدن الحكم في يناير/ كانون الثاني الماضي، تواصل إدارته بعث برسائل متباينة حيال مستقبل اتفاق السلام والتعامل مع الأزمة الأفغانية، وإن كانت قد أبقت على خليل زاد، الذي عينته إدارة ترامب، وكان مهندس اتفاق الدوحة في فبراير/ شباط 2020، في منصبه، في إشارة إلى أن الإدارة الجديدة لا تريد القطع مع ما تم التوصّل إليه، ولكنها بالتأكيد ترغب في إعادة تقييم الاتفاق.
وقالت مصادر دبلوماسية وسياسية إنّ خليل زاد اقترح خلال الأيام الماضية تعديلاً على عملية السلام المتعثرة بين الحكومة و"طالبان" يشمل تشكيل حكومة مؤقتة، وعقد مؤتمر للأطراف الأفغانية الرئيسية، لكن خطته واجهت اعتراضات فورية من الحركة والحكومة. وكان المبعوث الأميركي قد بدأ في الأيام الأخيرة جولة تشمل كابول والدوحة وعواصم أخرى في المنطقة هي الأولى منذ بدأت إدارة بايدن بحث خياراتها لعملية السلام، وبينما ينفد الوقت المتبقي على الأول من مايو.
خيارات بديلة
وفي السياق، قالت المصادر لوكالة "رويترز" إنّ خليل زاد يحاول، في الوقت الذي تحقق فيه مفاوضات السلام القليل من التقدم ويتصاعد العنف في أفغانستان، بناء توافق حول خيارات بديلة مع جميع الأطراف الأفغانية والقوى الإقليمية. وقال مصدر دبلوماسي يتابع العملية عن كثب "تعتقد الولايات المتحدة أنّ مفاوضات الدوحة غير منجزة، وتحتاج إلى قوة دفع وإلى نهج بديل".
وفي كابول، اجتمع خليل زاد أخيراً مع رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبد الله عبد الله، والرئيس أشرف غني وقادة سياسيين آخرين، من بينهم الرئيس السابق حامد كرزاي، وقادة في المجتمع المدني. وقالت ثلاثة مصادر دبلوماسية ومصدران في فريقي القادة السياسيين الذين اجتمعوا مع خليل زاد ومصدران دوليان في كابول لـ"رويترز" إنّ أحد مقترحات المبعوث الرئيسية اتفاق حول حكومة مؤقتة أشير إليها باعتبارها حكومة تشاركية أو تمثيلية. وقال مسؤول سابق في الحكومة الأفغانية مطلع على الأمر إن خليل زاد وزع وثيقة تفصّل اقتراح التشارك في السلطة، وإنها تمثّل تنقيحاً لورقة وزعها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ونشرت صحيفة "هشت صبح" الأفغانية، في 3 مارس/ آذار الحالي، تفاصيل عن الاقتراح. وقالت إن خطة إدارة بايدن تقترح أن يتم تشكيل الحكومة الانتقالية التي بدورها ستشرف على صياغة دستور جديد وإجراء الانتخابات. وستنشئ الحكومة الجديدة لجنة الحقيقة والمصالحة، وهيئة للإشراف على دمج مقاتلي "طالبان" بالقوات الأفغانية، فضلاً عن لجان التنمية الاقتصادية واللاجئين ومكافحة المخدرات وغيرها. على أن يقدم "مجلس أعلى للفقه الإسلامي"، من خلال أعضاء معينين من قبل الطرفين، الإرشاد الديني بشأن التشريع.
وتمثّل اقتراح آخر في عقد اجتماع في صيغة مماثلة لمؤتمر بون عام 2001، يضم ممثلين من قطاع عريض من الأحزاب الأفغانية يجتمعون معاً في حين تدفعهم وكالات دولية ودبلوماسيون للوصول إلى حل. واجتمع قادة مناهضون لـ"طالبان" تحت إشراف دولي في مدينة بون الألمانية بعد أن أطاح الغزو الأميركي في عام 2001 الحركة، واتفقوا على تشكيل إدارة مؤقتة، وخريطة طريق لتشكيل حكومة دائمة وكتابة دستور جديد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في حديث للصحافيين، يوم الجمعة الماضي: "ندرس عدداً من الأفكار المختلفة التي قد تدفع العملية". وقال متحدث باسم وزارة الخارجية، أول من أمس السبت، إن "الولايات المتحدة لا تقدم أي مقترحات رسمية وتواصل مراجعة جميع الخيارات ذات الصلة لوضع القوة في المستقبل. ناقش السفير خليل زاد مجموعة من الطرق لدفع الدبلوماسية قدماً، لا أكثر".
وقال المصدران الدوليان إنّ خليل زاد يطلب من الأمم المتحدة القيام بدور ريادي والدعوة إلى المؤتمر. وقال مصدران إنّ المؤتمر قد يعقد في تركيا، لكن مصدراً ثالثاً حذّر من أن هذا المكان قد يواجه اعتراضاً من الدول الغربية، ويجرى النظر في دول أخرى من بينها ألمانيا وأوزبكستان. وواجهت خطط خليل زاد على الفور اعتراضات من كل من الحكومة الأفغانية و"طالبان". وكرّر غني رفضه التنحي لتشكيل حكومة مؤقتة خلال كلمة أمام البرلمان الأفغاني أول من أمس السبت. وحذر من أن أي انتقال للسلطة يجب أن يتم من خلال انتخابات كما يقضي الدستور. وقال مسؤولان دوليان في كابول إن معارضة غني القوية ستكون مشكلة بالنسبة للخطة. وقال أحد المسؤولين "المشكلة هنا هي أن غني يمكن أن يلوم الولايات المتحدة مباشرة... فمن خلال تحدي شرعيته والتفكير في حكومة مؤقتة فهذا يعني أنها (الولايات المتحدة) تقوّض العملية الديمقراطية".
والسؤال هنا هو ما إذا كانت كل من "طالبان" وحكومة غني ستوافقان على الجلوس مع بعضهما البعض في مكان يشبه بون. وبحسب مقال لجيمس تراوب بموقع مجلة "فورين بوليسي"، نشر يوم الجمعة الماضي، "من غير المرجّح أن تشكل الحكومة في كابول، التي تخشى الانسحاب الأميركي الكامل، عقبة لا يمكن التغلب عليها في هذا الشأن. أما طالبان، فقد ترى أنه من الأفضل لها انتظار انسحاب الأميركيين وتسجيل نصر عسكري قبل ذلك".
أموال مهدورة
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الآراء المتباينة في الولايات المتحدة بشأن الانسحاب من أفغانستان من عدمه، برز أخيراً تقرير يشير إلى إهدار مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين على مشاريع غير مجدية في أفغانستان، في انتقاد جديدٍ لسوء إدارة الحرب في هذا البلد. ووثق المفتش العام الأميركي الخاص في هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان "سيغار"، جون سوبكو، الإهدار الضخم خلال تقرير أرسله إلى المشرعين الأميركيين، الإثنين الماضي. وذكر التقرير أنه تم إنفاق 7.8 مليارات دولار على مشاريع في أفغانستان منذ عام 2008، مشيراً إلى أنه تم استخدام ما قيمته 1.2 مليار دولار فقط "على النحو المنشود". وهو ما أغضب أعضاء في الكونغرس وهيئات رقابية، بحسب "فورين بوليسي"، ووصف أحدهم هذا الوضع بالقول إن "الفساد تهديد كبير مثل طالبان".
(العربي الجديد، الأناضول، رويترز)