- تعكس ردود الفعل الإسرائيلية قلقًا من تأثير الاحتجاجات على الأمن القومي، مع تحذيرات من تهديدات محتملة تستدعي مواجهة حازمة.
- تحليلات تشير إلى أن قوة الحركة الاحتجاجية الطلابية قد تعود جزئيًا إلى ضعف إدارة الجامعات وتوجهها نحو الاستقامة السياسية، مما يفتح المجال لتأثيرات مباشرة على النقاش الوطني في الولايات المتحدة حول دعم إسرائيل.
الانطباع العام الذي يخرج به المرء من قراءة ردات الفعل الرسمية والإعلامية في إسرائيل على موجة الاحتجاجات ضدّ الحرب العدوانية الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي تشهدها جامعاتٌ عديدةٌ في العالم، لا سيّما في الولايات المتّحدة، هو أننّا إزاء تطوّرٍ دراماتيكيٍ سيكون له ما بعده. إذ لوحظ منذ بدء هذه الموجة، مثلما نوهت وسائل إعلامٍ إسرائيليةٌ عدّةٌ، أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي امتنع عن الحديث مع الإسرائيليين عن المواجهات مع إيران، قبل "عيد الفصح العبري"، أو أن يطرح أمامهم خطة عودة النازحين إلى منازلهم في منطقة الشمال ومنطقة "غلاف غزّة"، أو أن يبلّغ عائلات الأسرى بآخر المستجدات، قد وجد وقتًا لتسجيل فيديو باللغة الإنكليزية، يقارن فيه ما بين التظاهرات المعارضة لإسرائيل في جامعاتٍ أميركيةٍ عدّةٍ، وبين ما جرى في الجامعات الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي، في ما اعتبرت جهاتٌ إسرائيليةٌ مسؤولةٌ، بمن فيها ذات العلاقة بالجالية اليهودية في الولايات المتّحدة، أنه لا يمكن النظر إلى هذه التظاهرات إلّا على أنها كرةٌ ثلجيةٌ يمكن أن تتضخم لتشكّل تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي، ما يُحتّم مواجهتها منذ الآن بكلّ حزمٍ ومثابرةٍ.
داخل السياق نفسه؛ أجمعت ردات الفعل الإسرائيلية على أن هذه التظاهرات لن تهدأ عندما تنتهي الحرب على قطاع غزّة، ويمكن أن تتخطى حدود الجامعات الأميركية، وتتحوّل إلى خطابٍ عامٍ واسعٍ في الولايات المتّحدة، كما أنّها امتدت إلى جامعاتٍ أوروبيةٍ، وإلى سائر دول الغرب. وقبل أيّ شيءٍ من شأنها أن تصبح إحدى السمات الأساسية في بلورة تطلعات الطلبة الجامعيين الحاليين، الذين يمثّلون، بكيفيةٍ ما، الجيل المقبل للزعامة في الولايات المتّحدة وفي الدول الغربية.
في ضوء ذلك فإن الحركة التقدمية ليست مجرّد ثورةٍ شبابيةٍ طفوليّةٍ وهامشيةٍ بل تهديدٌ ماثلٌ ومهمٌّ بوسعه أن يصوغ من جديد سياسة الدولة الأعظم في العالم
لم تقتصر الدعوات إلى المواجهة على التلويح بمعاداة السامية، التي تحولت في الخطاب الصهيوني إلى تهمةٍ جاهزةٍ لكلّ من ينتقد سياسة إسرائيل والصهيونية، بل أيضًا كان هناك تشديدٌ على أن من ينبغي أن يواجه هذه الظاهرة هو مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بالتعاون مع وزارة الخارجية، ناهيك عن أن المواجهة يجب أن تكون جذريةً وتنطوي على استهدافٍ مباشرٍ للجهات الواقفة وراء التظاهرات، بكلّ الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية المُتاحة. في هذا الإطار، أشير إلى أبرز المكونات المطلوبة للمواجهة الدبلوماسية والاقتصادية، مما تراكم حتّى الآن من ردات الفعل الإسرائيلية يمكن استخلاص ما يلي:
أولًا، كان ثمّة من أشار (قناة التلفزة الإسرائيلية 12 مثلًا) إلى أن إسرائيل سبق لها أن شخّصت وجود معضلةٍ حيالها في جامعات الولايات المتّحدة، وهي آخذةٌ في التفاقم، بسبب نشاط الـBDS، إلى درجة إنشاء وزارةٍ جديدةٍ هي وزارة الشؤون الاستراتيجية، التي كان جزءٌ من مهماتها محاربة تأثير حركة المقاطعة في الجامعات. ووفقًا للقناة فإنّ ما يحدث الآن من حركةٍ احتجاجيةٍ طلابيةٍ جامعيةٍ يمثّل دليلًا قاطعًا على الفشل الذريع الذي منيت به مهمات هذه الوزارة.
ثانيًا، يتفق كبار المحللين في قناة التلفزة نفسها مع التقدير السالف بأن ما تشهده الجامعات ينطوي على دلالاتٍ لا تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية القريبة فقط، ووجهة المؤسسات الأكاديمية في الأعوام المقبلة فقط، إنما أيضًا بما هو مُقدّرٌ له أن يؤثر في السياسة الأميركية العامّة مستقبلًا. وما ينطبق على الجامعات الأميركية ينسحب على الجامعات في شتى أنحاء العالم، لا سيّما دول الغرب.
بحسب ما يؤكد الوزير وعضو الكنيست السابق، إيتسيك شمولي، الذي يتولى حاليًا منصب المدير العام لفيدرالية نيويورك اليهودية في إسرائيل، في سياق متصل، فإن ما هو آخذٌ بالتشكّل أمام أبصار الجميع هو خطرٌ جديدٌ في هيئة انهيارٍ محتملٍ للتحالف الاستراتيجي القائم بين إسرائيل والولايات المتّحدة، عندما يقوم جيل الطلبة المتظاهرين باحتلال مواقع القوّة في مجتمع الولايات المتّحدة وسياستها واقتصادها في الأعوام المقبلة. وفي ضوء ذلك فإن الحركة التقدمية ليست مجرّد ثورةٍ شبابيةٍ طفوليّةٍ وهامشيةٍ بل تهديدٌ ماثلٌ ومهمٌّ بوسعه أن يصوغ من جديد سياسة الدولة الأعظم في العالم.
أجمعت ردات الفعل الإسرائيلية على أن هذه التظاهرات لن تهدأ عندما تنتهي الحرب على قطاع غزّة
ثالثًا، بموجب تحليلات إسرائيلية عدّةٍ؛ فإن أحد أبرز الأسباب التي أتاحت إمكان التظاهرات الطلابيّة يعود إلى ما يوصف بأنّه ضعف إدارة الجامعات، وهذا الضعف هو حصيلة عشرات الأعوام التي ابتعدت خلالها الجامعات عن "البحث عن الحقيقة" (شعار جامعة هارفرد)، أو عن "أنوار وظلمات" و"أخلاق وعدل" (شعار جامعة ييل)، واستبدلت هذه المبادئ بمزيجٍ من "الاستقامة السياسية"، أي الامتناع عن الإدلاء بأيّ شيءٍ يخرج عما يُعتبر صحيحًا في السياسة العامة في ذلك الوقت من جهةٍ، وتيار WOKE الذي يصنف العالم إلى ظالمٍ ومظلومٍ، ويكون فيه المظلومون على حقٍّ ومن دون علاقةٍ بالوقائع من جهةٍ أُخرى. وفي قراءة القائلين بهذا الحكم، شكّل الظهور البائس لرؤساء جامعات هارفرد وبنسلفانيا وMIT في جلسة الاستماع أمام الكونغرس نموذجًا لتراخي الإدارة في مواجهة المتظاهرين.
بطبيعة الحال لم تتوقع أيٌّ من ردات الفعل الإسرائيلية أن تنجح احتجاجات الحركة الطلابية في وقف الدعم الأميركي للحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزّة، وسحب الجامعات الأميركية لاستثماراتها مع/ من إسرائيل، ولكنها في الوقت عينه شدّدت على مسألتين مهمتين:
الأولى، نجاحها في أن تضع موضوع دعم الولايات المتّحدة المطلق لإسرائيل وجرائمها في صلب الجدل الوطني.
الثانية، أنّ التحوّلات الجارية داخل قواعد الحزب الديمقراطي، خصوصًا بين الشباب، تبدو عميقةً، ولذا فإنّ تأثيرها مطروحٌ ربّما على المستقبل القريب.