خصصت صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية غلاف عدد نهاية الأسبوع لتناول الوضع الفلسطيني تحت عنوان "دبلوماسي كبير: إسرائيل ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، والدبلوماسي الذي أشارت إليه الصحيفة هو وزير الخارجية النرويجي الأسبق ومدير "المجلس النرويجي للاجئين" الذي يعمل في غزة، يان إيغلاند، الذي فتح النار أيضاً على سياسات الدنمارك حيال الحرب على غزة.
ويشعر إيغلاند، الذي عرف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين أثناء المفاوضات السرية في أوسلو، بـ"خيبة أمل كبيرة" بسبب مواقف رئيسة حكومة الدنمارك، ميتا فريدركسن، معتبراً أن الحرب على غزة "هي أكبر كارثة حلت بالبشرية بالنسبة لجيلي".
وكانت مجلة تايم اختارت إيغلاند، في عام 2006، من ضمن قائمة الـ 100 شخصية الأكثر تأثيراً في العالم، بحسب الصحيفة الدنماركية التي اعتبرت أنه يمثل اليوم "أحد أكثر الأصوات موثوقية في عالم المنظمات غير الحكومية".
وقدم إيغلاند شرحاً موسعاً للحرب على غزة مشدداً في حديثه لصحيفة "إنفورماسيون" على أن "سحق غزة هو أعظم كارثة حصلت للبشرية منذ جيل كامل، مضيفاً "أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق أسطوري في غزة".
"إنه نفاق"
وتحدث إيغلاند عن المنشورات التي ألقاها جيش الاحتلال الإسرائيلي على سكان غزة ويطلبون فيها منهم الانتقال فوراً من مناطقهم "حذرنا منذ البداية أن هذا ليس إجلاءً إنسانياً سليماً ومنظماً، ولكنه تهجير قسري للأشخاص الذين لا يمكن نقلهم بأمان إلى أماكن آمنة، وهذه جريمة حرب في نهاية المطاف. اتفاقية جنيف تقول ذلك بوضوح".
وتقول إنفورماسيون إن "إيغلاند (66 عاماً) يشعر بالغضب الشديد والسخط وخيبة الأمل لأن الغرب يظل صامتاً. فهو لا يفهم لماذا لا يتصرف الزعماء الغربيون بقسوة أكبر ضد إسرائيل. وهو يعتقد أن الصمت سيطارد الغرب ودول الناتو لسنوات عديدة قادمة".
وأكد إيغلاند للصحيفة الدنماركية "أن الأعمال الإرهابية لا تبرر القصف الإسرائيلي الجماعي وقتل 10 آلاف طفل في غزة"، مشدداً على أنه لا يستطيع أن يتذكر "مكاناً في العالم كان فيه هذا العدد الكبير من الناس محاصرين في مثل هذه المساحة الصغيرة وتحت مثل هذا القصف الذي لا يرحم ولفترة طويلة كهذه، مع مثل هذا الرد الهادئ من الغرب".
ويقول إيغلاند إنه "ربما يمكن مقارنة المناطق المحاصرة في سورية، لكن في سورية أدان الغرب "القصف الهمجي" لبشار الأسد وفلاديمير بوتين،" وتساءل "وإذا كان قصف بوتين للمدن وقطع الكهرباء والمياه في شرق أوكرانيا عملاً همجياً، فلماذا لا يكون الأمر نفسه عندما تفعل إسرائيل ذلك بشعب غزة؟"، مضيفاً، ما بات يهتف فيه الشارع في أوروبا والولايات المتحدة،: "إنه نفاق".
ويملك إيغلاند خبرة طويلة ومعرفة كبيرة بكلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني "لدي العديد من الأصدقاء في إسرائيل، ودرست في الجامعة العبرية في القدس بالسبعينيات. كان اسحق رابين صديقاً، وشمعون بيريز هو أحد معارفي الجيدين. لقد ساعدت في تسهيل عملية أوسلو في التسعينيات".
ومن ضوء خبرته وعمله على الملف يقول إيغلاند محذراً "صدقوني عندما أقول إن ما تفعله إسرائيل الآن يقوض أمن إسرائيل لسنوات عديدة قادمة. فما تفعله الآن هو أعظم تطرف جماعي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وسيأتي بنتائج عكسية"، مشدداً في حديثه لصحيفة "إنفورماسيون" على أن "أولئك الذين يدعمون إسرائيل (في الغرب) ينتهي بهم الأمر إلى ارتكاب خطيئة مميتة، فدعمها غربياً دون قيد أو شرط يلحق الظلم بالإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء".
وأضاف إيغلاند موضحاً "من خلال حرمان الفلسطينيين من الأمن وحقوق الإنسان والكرامة والأرض وإجبارهم على العيش تحت الاحتلال، فإننا نساعد على ارتكاب خطيئتين في وقت واحد: نحن نقوض العدالة للفلسطينيين، ونقوض أمن إسرائيل لأننا يجب أن نفعل ذلك".
مواقف "مبتذلة" لرئيسة الحكومة الدنماركية
في نفس السياق، ذهبت إنفورماسيون نحو افتتاحية، هي الأقسى، مرافقة لتخصيص غلافها للحرب على غزة، إذا انتقدت بشكل لاذع موقف رئيسة الحكومة، ميتا فريدركسن، ووصفته بـ"المبتذل" مقارنة بمواقف رئيس حكومة النرويج، وهو من نفس معسكر الاجتماعي الديمقراطي (يسار وسط).
ونوهت الصحيفة بمواقف الملكة حين قالت، في كلمتها بمناسبة العام الجديد، "علينا أن نتذكر أننا جميعاً بشر، وهذا ينطبق على اليهود والفلسطينيين، حيث يشعر كل منهم في الدنمارك بالخوف حين يرن الهاتف متسائلين: هل من أخبار سيئة عن العائلة؟".
وفي المقابل قدمت إنفورماسيون صورة أخرى عن مواقف حكومة فريدركسن "وزراؤنا الديمقراطيون الاجتماعيون لم يجدوا أنه من المناسب التذكير، على وجه التحديد، بأن الصدمتين موجودتان لدى السكان الدنماركيين. وأن ضحايا الحرب الإسرائيلية الشديدة وجرائم الحرب في غزة لديهم أقارب في الدنمارك. فنحن لدينا حوالي 25 ألف فلسطيني في البلاد (جالية فلسطينية في الدنمارك) فروا من الحرب والتهجير والاحتلال. ويعيش آلاف اللاجئين من جديد صدماتهم الخاصة، وهم يشاهدون حلفاءنا يقصفون المدن ويدمرون المنازل التي ربما استغرق بناؤها عمراً طويلاً".
وبعد أن عرجت على معاناة الفلسطينيين التاريخية، وما سمته "اضطهاد اليهود في الغرب"، رأت الصحيفة أن الدروس من النرويج لم يجر الاستفادة منها في الدنمارك "فعلى ما يبدو أن سياسة الهجرة جعلت من المستحيل على الوزراء الديمقراطيين احتضان تعاطف الدنماركيين الفلسطينيين الذين يعانون مع أصدقائهم وأقاربهم في غزة، فهؤلاء لا يتظاهرون بسبب دعم الإرهاب، بل لأنهم مثل السلطات الإنسانية والمجتمع الدولي يجدون أن عواقب الحرب غير معقولة على الإطلاق".
وقارنت "إنفورماسيون" مواقف الحكومة الدنماركية مع مواقف رئيس حكومة النرويج، يوناس غار ستورا، في كلمته للشعب النرويجي، بمناسبة العام الجديد، حين ذكر تلقيه رسالة من مراهقة من أصل فلسطيني في الرابعة عشر من عمرها من مدينة بيرغن "فهي تبكي على مقتل الأطفال الأبرياء، الذين لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم ولدوا في غزة، فأجبتها أن حياة جميع الناس مهمة وعلى قدم المساواة".
ومع أن الصحيفة أشارت إلى تغير طرأ على مواقف فريدركسن "تحت تأثير الضغط الدولي والرأي العام والاحتجاجات، حيث انتقلت (فريدركسن) من صدمة الإرهاب إلى وضع الزهور على أرواح الأطفال الفلسطينيين، إلا أنها في كلمتها بمناسبة العام الجديد لم تتجاوز التأثير المثبط لسياسة الهجرة على نظرتها للعالم والاعتراف بأن ذلك القسم من البلاد، الذي يمثل صدمة اللاجئين والفلسطينيين هو أيضا جزء من البلاد (الدنمارك)، ويبدو أنها لم تفهم الجوهر الأخلاقي للاحتجاجات".