إيران تتحسب لتصعيد عسكري في شرق سورية

18 اغسطس 2024
جنود أميركيون في دير الزور، 25 مارس 2022 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تعزيزات عسكرية إيرانية في شرق سوريا**: المليشيات الإيرانية عززت قدراتها العسكرية في شرق سوريا، مستقدمة أسلحة وعناصر من العراق عبر معبر "السكك" غير النظامي، وأنشأت نقاط مراقبة جديدة واستأنفت الدورات العسكرية والتدريبات على الطائرات المسيّرة.

- **التوترات والمواجهات في ريف دير الزور الشرقي**: شهدت المنطقة مواجهات بين "قسد" المدعومة أميركياً وقوات النظام والمجموعات العشائرية المدعومة إيرانياً، مما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين. التوترات انخفضت بفضل وساطة روسية، لكن القصف المتبادل مستمر.

- **أهداف التعزيزات الإيرانية وردود الفعل**: التعزيزات الإيرانية تهدف لردع الأميركيين والإسرائيليين وتحسباً لأي محاولة لقطع "الشريان البري". المليشيات تسيطر على المنطقة من الميادين إلى البوكمال، مما يعكس تعقيد الأوضاع الميدانية.

تعزز المليشيات الإيرانية في شرق سورية قدراتها العسكرية تحسباً كما يبدو لأي تصعيد محتمل مع التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، في الطرف المقابل من نهر الفرات، في ظل استمرار التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة، وقوات النظام ومجموعات محلية مرتبطة بها من جهة أخرى في المنطقة.

وفي هذا الصدد، ذكرت شبكة "نورث برس" المحلية، أول من أمس الجمعة، أن المليشيات الإيرانية استقدمت إلى شرق سورية أسلحة وذخائر وعناصر من العراق عبر معبر "السكك" غير النظامي الذي تسيطر عليه مليشيا "حزب الله العراقي". وأكدت الشبكة المقربة من "قسد" أن الجانب الإيراني عزز مقار له في مدينة البوكمال القريبة من الحدود السورية العراقية بعناصر أجنبية وأسلحة متطورة خلال الأيام القليلة الماضية، مشيرة إلى أن المليشيات الإيرانية أنشأت نقاط مراقبة جديدة على الضفة اليمنى لنهر الفرات. ويعد معبر "السكك" الذي يقع جنوب معبر البوكمال النظامي، والذي أعيد فتحه في أكتوبر/تشرين الأول 2019، الشريان الرئيسي للمليشيات الإيرانية في سورية، إذ تدخل وتخرج منه البضائع المهربة والأسلحة والعناصر.

استئناف دورات عسكرية للمنتسبين

رشيد حوراني: التعزيزات الإيرانية تأتي تحسباً لأي محاولة أميركية لقطع الشريان البري للمليشيات

وفي السياق، ذكرت شبكات إخبارية محلية أن مليشيات الحرس الثوري الإيراني استأنفت، الخميس الماضي، الدورات العسكرية للمنتسبين المحليين الجدد بعد توقف دام قرابة شهر بسبب التوتر والتصعيد في ريف دير الزور الشرقي. وأكدت أن هذه المليشيات قبلت طلبات انتساب نحو 200 شخص، ونقلتهم إلى معسكر السيال لتدريبات اللياقة البدنية وحمل السلاح. وتستغل المليشيات الإيرانية الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة في سورية لتجنيد شبان في صفوفها مقابل رواتب شهرية زهيدة.

كما أكدت شبكة "فرات بوست" أن "مجموعات تابعة لـ"لواء فاطميون"، الأفغاني التابع للحرس الثوري الإيراني، تابعت تدريباتها على استخدام الطائرات المسيّرة تحت إشراف مهندس أفغاني قدم من ريف دمشق، مشيرة إلى أن "هذه التدريبات أجريت في محيط معسكر السيال وقرب قرية الحرية التي حولتها مليشيا الحرس الثوري إلى مربع أمني ونقطة تمركز عسكرية لعناصرها"، وفق الشبكة.

ولا يمكن عزل هذه التطورات عن مجمل الأوضاع الميدانية في ريف دير الزور الشرقي، الذي يشهد منذ الأربعاء 7 أغسطس/آب الحالي مواجهات واشتباكات على طرفي نهر الفرات، بين "قسد" المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وقوات النظام ومجموعات عشائرية محلية مرتبطة بها ومدعومة إيرانياً من جهة أخرى، في المنطقة. ولا يزال الجانبان يتبادلان القصف بشكل يومي، إلا أن وتيرة التوتر انخفضت خلال اليومين الأخيرين بسبب وساطة روسية أدت إلى تخفيف الحصار عن مربعين أمنيين في محافظة الحسكة، مقابل تخفيف التوتر في محافظة دير الزور.

وتشير الوقائع إلى أن الجانب الإيراني هو من دفع باتجاه هذه المواجهات التي تأتي في سياق التوتر بين الإيرانيين والأميركيين، حيث يتقاسم الجانبان السيطرة على ريف دير الزور الشرقي، إذ تسيطر المليشيات الإيرانية على المنطقة الواقعة جنوب نهر الفرات والمعروفة محلياً بـ"الشامية"، بينما يسيطر الأميركيون عن طريق "قسد" على شمال النهر أو ما يُعرف محلياً بـ"الجزيرة". ولم تستطع المجموعات المحلية المرتبطة بإيران تحقيق أي نتائج على الأرض خلال المواجهات التي أدت إلى مقتل عشرات المدنيين خصوصاً شمال النهر، بسبب الرفض الشعبي الواسع لهذه المجموعات، التي تهدف إلى تمهيد الطريق أمام عودة النظام إلى ريف دير الزور شمال نهر الفرات، الأمر الذي يلقى استياء لدى عموم سكان هذا الريف.

ولطالما شهد ريف دير الزور الشرقي منذ أواخر عام 2017 مناكفات عسكرية بين المليشيات الإيرانية والقوات الأميركية، خصوصاً المتمركزة في حقلي العمر وكونيكو النفطيين شمال نهر الفرات. وتلجأ هذه المليشيات إلى قصف القواعد الأميركية بين وقت وآخر، إلا أنها في الأيام القليلة الماضية دعمت هجوم مجموعات محلية من جنوب نهر الفرات إلى شماله، ما دفع "قسد" للقيام بهجوم معاكس أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من هذه المجموعات المرتبطة بالشيخ القبلي إبراهيم الهفل، الذي بات يُنظر إليه أنه أداة جديدة من أدوات الإيرانيين في شرق سورية.

الهدف من التعزيزات إلى شرق سورية

ورأى المحلل العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التعزيزات الإيرانية المتواصلة في شرق سورية تأتي تحسباً لأي محاولة أميركية لقطع "الشريان البري" للمليشيات الإيرانية في سورية. وأشار إلى أن العملية التي نفذتها "قسد" جنوب نهر الفرات "كانت رسالة أميركية واضحة إلى أن أي تصعيد قد يقابله رد أكبر"، معرباً عن اعتقاده أن الجانب الإيراني يبدو حريصاً على عدم توسيع دائرة التصعيد.

عبد الجبار العقيدي: هذه التعزيزات رسائل ردع للأميركيين إلى حد بعيد

من جهته، رأى المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العقيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التعزيزات الإيرانية في محافظة دير الزور "دائمة والأمر ليس جديداً"، مضيفاً: "هذه التعزيزات الأخيرة رسالة واضحة من طهران إلى الولايات المتحدة والإسرائيليين بأنها قادرة على الوصول إلى القواعد والجنود الأميركيين في شرق سورية في حال دعمت واشنطن أي هجوم إسرائيلي على إيران". وتابع: أعتقد أن هذه التعزيزات رسائل ردع للأميركيين إلى حد بعيد. كل ما يحدث في شرق سورية مرتبط في النهاية بالأوضاع في قطاع غزة.

وتسيطر المليشيات الإيرانية بشكل كامل على المنطقة الممتدة من مدينة الميادين، جنوب شرق مدينة دير الزور، إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، المقدّرة بنحو 60 كيلومتراً، وما بينهما من قرى وبلدات. وأبرز هذه المليشيات: "لواء فاطميون" الذي يضم مرتزقة من أفغانستان، و"لواء زينبيون" الذي يضم مرتزقة من باكستان، بالإضافة إلى "لواء الإمام علي" و"حركة النجباء" وقوات من الحرس الثوري الإيراني، ومليشيات أخرى من "الحشد الشعبي" العراقي. كما تدعم هذه المليشيات مجموعات محلية في شرق سورية تضم عناصر من أبناء هذا الريف المثقل بالأزمات منذ سيطرة "داعش" عليه في العام 2014 وتراجعه بدءا من 2017 وانتهاء بمطلع عام 2019.