تتجه الأنظار إلى موقف لبنان الرسمي من المبادرة الخليجية، المؤلفة من 12 بنداً والتي تأتي بنفَسٍ سعودي، ولا سيما لناحية شرط الالتزام اللبناني بالقرارات الدولية، على رأسها القراران 1559 و1701، فضلاً عن بنودٍ أخرى، ربطاً بالإصلاحات والانتخابات النيابية والنأي بالنفس عن الصراعات الخارجية، ونقاط تبقى كلاسيكية مقارنة بالشرط التعجيزي المرتبط بسلاح "حزب الله".
وبينما لا يزال لبنان يبحث في صيغة جوابه على المبادرة، قبل يوم السبت، موعد سفر وزير الخارجية، عبد الله بو حبيب إلى الكويت، رحّب الرئيس ميشال عون اليوم "بالمبادرة الكويتية الهادفة إلى إعادة الثقة بين لبنان والدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً، ولا سيما أن دولة الكويت كانت دائماً إلى جانب لبنان وقدمت له الدعم في مختلف الظروف التي مرّ بها"، وفق تعبيره.
وأشار عون إلى أن "الأجواء اللبنانية سيحملها معه وزير الخارجية إلى الاجتماع الوزاري العربي الذي سيعقد في الكويت في نهاية الأسبوع الجاري".
ويشكل البند المرتبط بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر/أيلول 2004، ويدعو إلى "حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها"، مادة خلافية بين القوى السياسية، ويحرج الرئيس عون، ويعدّ بنداً تعجيزياً غير قابل للتطبيق، خصوصاً أن موقف لبنان الرسمي يعتبر "حزب الله" حزباً سياسياً لبنانياً ممثلاً في الحكومة ومجلس النواب ولديه قاعدة شعبية. وهو الذي نجح في إلباس سلاحه رداء "الشرعية"، من بوابة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والمعادلة الثلاثية الذهبية "الجيش والشعب والمقاومة".
وتؤكد أوساط رئيس الجمهورية، لـ"العربي الجديد"، أن "عون رحب بالمبادرة ككل، وهي تمثل الكثير من الإجراءات التي دعا إليها عون، وذكرت في مقررات الحوار الوطني، وعلى رأسها الاستراتيجية الدفاعية، لكن هناك نقاط تحتاج إلى دراسة وتدقيق في معناها واتخاذ موقف منها، ولا سيما على صعيد سلاح حزب الله".
ولم يخفِ صهر الرئيس عون، رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، في كلمة له الثلاثاء أن "الورقة الكويتية تتضمن عناوين حساسة بعضها متوافق عليه بين اللبنانيين، وبعضها خلافي بينهم".
وقال مصدر مقرب من رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، لـ"العربي الجديد"، إن "الاتصالات مستمرة للاتفاق على صيغة واحدة ينقلها وزير الخارجية معه يكون متوافقاً عليها بين كل الأفرقاء، ولا تحدث أزمة لبنانية، ولا سيما أن لبنان بغنى اليوم عن أزمة جديدة، وخصوصاً بعد استئناف جلسات مجلس الوزراء".
رد تقليدي
ويتوقع أن يكون الرد على المبادرة الخليجية على الطريقة التقليدية، التي تتفنن من خلالها السلطة في اللعب على العبارات من خلال الترحيب عامة بالمبادرة، والاستناد إلى البيان الوزاري الذي يأتي على ذكر بنود شبيهة لناحية الإصلاحات وإقامة أفضل علاقات مع الدول العربية والخليجية خاصة، إلى جانب مواقفه الرسمية التي يعبّر عنها في هذا الإطار، ممثلة لبنان فقط، بغضّ النظر عن المواقف السياسية التي تصدر عن الأحزاب، وحكماً "حزب الله"، وعلى صعيد الإصلاحات وضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ومكافحة تهريب المخدرات وغيرها، وسط تقديرات بأن يلجأ لبنان إلى الاتكاء على دور الحزب اللبناني المحلي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بغضّ النظر عن جناحه العسكري الخارجي، مع التشديد على محاولة التفاهم مع الحزب على تهدئة الخطابات وعدم مهاجمة السعودية ودول الخليج.
ولم يصدر "حزب الله" بعد أي موقف رسمي من المبادرة الخليجية، ويتحفظ نوابه عن إعطاء مواقف للإعلام باسمهم بهذا الخصوص، بيد أن أوساط الحزب تؤكد "عدم رضاها عن المبادرة وتعتبرها تنفذ أجندة سعودية تهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على حزب الله، وإن لم يلتزم لبنان هذه الشروط التي تفرضها عليه، فإن النتائج ستكون وخيمة وتحمّلها حكماً لحزب الله".
ضوابط عربية
يعتبر العميد الركن، خالد حمادة، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "ما حملته الكويت ليست مبادرة، بل ضوابط عربية موضوعة لأجل إعادة العلاقة مع لبنان أو تصنيفه في موقع المعادي للدول العربية، وقد حملت مهلة معينة لم تكن مفتوحة، وبالتالي هي أقرب إلى مضبطة أسئلة لرسم الحدود بين الأصدقاء والخصوم والتزام البنود، ليس فقط إبداء الرأي بها".
ويرى حمادة أن "موقف لبنان حول القرار 1559 سيكون تكراراً واجتراراً للمواقف السابقة، بمعنى محاولة الالتفاف على هذه الضوابط"، لافتاً إلى أن "المبادرة أصلاً لم تدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء ما يدل على أنهم لا يريدون مناقشتها ويحصرونها فقط بالاجتماعات الجانبية لتكرار الكلام نفسه حول الحرص على العلاقات مع الدول العربية، ولا سيما الخليج وموقع حزب الله كشريحة لبنانية وما إلى ذلك بينما موضوع بهذه الأهمية والخطورة من حيث التداعيات يفترض أن يدرس ويناقش ويتخذ القرار على مستوى السلطة التنفيذية ومجلس النواب".
وحول الخطوات التي قد تتخذ بحق لبنان إن كان جوابه ضعيفاً وهشاً، يعتبر حمادة أن "الإجراءات ستكون حكماً غير مسبوقة ومؤذية كثيراً، سواء مرتبطة بحركة السفر أو التحاويل المالية، وقف استقبال الصادرات اللبنانية، تخفيض التمثيل الدبلوماسي وتدابير أخرى لن تقتصر هذه المرة على بعض دول الخليج، بل ستشمل دولاً عربية، وحتى دولية، باعتبار أن المبادرة نتاج عربي خليجي أميركي أوروبي دولي، فضلاً عن إمكان فرض عقوبات وقيود على أفراد ورجال أعمال وسياسيين وفقاً للنموذج الأميركي المعتمد".
ولا يستبعد حمادة اتخاذ خطوات على مستوى جامعة الدول العربية، مشيراً في السياق، إلى أن "لبنان يفتقر إلى أي نوع من المناعة حتى يقاوم أي اجراء عربي".
في المقابل، يغازل لبنان السعودية، وحاول أخيراً الرد على المبادرة الخليجية من خلال إظهار مدى جدية عملياته الأمنية لمكافحة عمليات تهريب المخدرات عبر المعابر اللبنانية، التي يتهم "حزب الله" بالسيطرة عليها، نحو دول الخليج وبخاصة السعودية. وأعلن وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، أمس الثلاثاء، ضبط شحنة كبتاغون كانت في طريقها إلى توغو قبل إعادة تهريبها إلى السعودية، كما أعلن في الفترة الماضية ضبط العديد من الشحنات تنفيذاً للمبادرة السعودية – الفرنسية وقتها، التي كانت تهدف إلى معالجة الأزمة التي انتجتها تصريحات وزير الاعلام المستقيل جورج قرداحي حول الحرب في اليمن.