كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" معطيات جديدة متعلقة بمحاولات تحسين العلاقات التركية المصرية أخيراً، مع تعدد تصريحات مسؤولين أتراك، لم تقابلها الإدارة المصرية بردود رافضة. وذكرت المصادر أن هناك مجموعة من العوامل الدولية والمتغيرات التي خلقت أخيراً مناخاً مواتياً لتحسين العلاقات بين الطرفين بما يضمن تحقيق مصالحهما. وأشارت إلى أن تجاهل مصر، من قِبل كل من اليونان وقبرص والحكومة الإسرائيلية، في اتفاقية للربط الكهربائي بينها، أدى إلى شرخ في التحالف المصري اليوناني القبرصي، والذي اعتبرته القاهرة امتداداً لاتفاق سابق في العام الماضي بين الأطراف الثلاثة، تجاهل مصر أيضاً، لنقل الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب شرق المتوسط "إيست ميد".
المناقصة التي أعلنت عنها مصر أخيراً للتنقيب عن الغاز حملت رسالة ودّية لتركيا
وأوضحت المصادر أن المناقصة التي أعلنت عنها مصر أخيراً للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، حملت بين طياتها رسالة ضمنية للتجاوب مع المساعي التركية. كما حملت أيضاً رسالة غضب مصرية للحليف اليوناني، الذي يعد في حاجة ماسة لمصر في الوقت الراهن، في ظل معركته على الحدود البحرية مع تركيا. وقالت المصادر إن المشاريع في قطاعات الطاقة بين الأطراف الإسرائيلية، واليونانية، والقبرصية، أخيراً، والتي استُبعدت منها القاهرة، كان من الممكن أن تساهم في تغيير الوضع الاقتصادي بالنسبة لمصر، في وقت تسعى فيه القيادة السياسية لجعل مصر مركزاً إقليمياً للطاقة. ولفتت في الوقت ذاته إلى أن توطيد التحالف بين القاهرة وأثينا في مجال الطاقة، كان من شأنه إغلاق الباب بشكل كامل أمام أنقرة في الوقت الراهن.
وكشفت المصادر أن اتصالات جرت بين الجانبين المصري والتركي، أخيراً، على صعيد استخباراتي معنية بملفات الحدود البحرية والطاقة، بهدف تنسيق بعض المواقف الخاصة بهذا الصدد. وأكدت أن تلك الاتصالات تضمّنت بشكل واضح ترحيباً تركياً، بالموقف الخاص باحترام الجرف التركي، ونوّهت إلى أن الأمر لم يقتصر على التصريحات المعلنة من المسؤولين الأتراك. وأوضحت أن "القاهرة تدير في الوقت الراهن سياسة متزنة، ومنضبطة بشأن التصريحات الرسمية الخاصة بكافة الأطراف الإقليمية، بعيداً عن الممانعة أو التماهي في التحالفات"، لافتة إلى سوء تقدير بعض الحلفاء لمواقفهم تجاه التعاون مع مصر أخيراً. وذكرت أنه "بدلاً من أن يقدر بعض الحلفاء حجم التضامن المصري معهم، باتوا يقدمون على خطوات من شأنها عدم تحقيق المصالح المشتركة".
ووقّعت الحكومات القبرصية واليونانية والإسرائيلية، في 9 مارس/آذار الحالي، اتفاقاً مبدئياً لمد أطول وأعمق كابل كهرباء تحت الماء سيقطع قاع البحر المتوسط بتكلفة نحو 900 مليون دولار، ويربط الشبكات الكهربائية للأطراف الثلاثة. وقال وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، على هامش توقيع الاتفاق في العاصمة القبرصية نيقوسيا، إن المشروع سيوفر مصدراً احتياطياً للكهرباء في أوقات الطوارئ. فيما قالت وزيرة الطاقة القبرصية ناتاسا بيليدس إن المشروع "خطوة حاسمة على طريق إنهاء عزلة الجزيرة على صعيد الطاقة، وبالتالي اعتمادنا على الوقود الثقيل".
وبحسب وزارة الطاقة الإسرائيلية، فإن قدرة الكابل ستكون بين ألف وألفي ميغاوات، ومن المتوقع إتمامه في 2024 وسيكون الأطول والأعمق لنقل الكهرباء تحت مياه البحر، بطول نحو 1500 كيلومتر وعمق يصل إلى 2700 متر. وسيغطي المشروع 3 قطاعات من البحر المتوسط: نحو 310 كيلومترات بين إسرائيل وقبرص، ونحو 900 كيلومتر بين قبرص وجزيرة كريت اليونانية، ونحو 310 كيلومترات إضافية بين جزيرة كريت والبر الرئيسي لليونان.
غضب مصري على الثلاثي اليونان وقبرص وإسرائيل
في المقابل، أخطرت تركيا كلا من اليونان وإسرائيل، والاتحاد الأوروبي، بضرورة الحصول على إذنها بخصوص الأنشطة التي تمس جرفها القاري شرقي البحر المتوسط. وجاء ذلك عبر مذكرات احتجاج أرسلتها أنقرة للأطراف الثلاثة، على خلفية مرور المسار المفترض للكوابل البحرية في مشروع ربط شبكات الكهرباء الإسرائيلية، واليونانية، والقبرصية، من الجرف القاري لتركيا شرقي المتوسط.
وتعترض تركيا على تلك الخطوة كون مسار الكوابل البحرية بين جزيرتي قبرص وكريت، يمر من الجرف القاري التابع لها، وفقاً للخرائط الواردة في الوثائق المتعلقة بالمشروع، في وقت يتعين فيه على الأطراف المعنية الحصول على إذن من أنقرة بخصوص الأنشطة التي تمس جرفها القاري، في حال كان مد الكوابل المارة منه، يتطلب دراسة أولية وفق القانون الدولي، أو إبلاغ تركيا قبل مدة معقولة بشأن تلك الأنشطة ونطاقها في حال لم تكن تستدعي دراسة أولية.
يذكر أنه في يناير/ كانون الثاني 2020 وقّع قادة قبرص واليونان وإسرائيل على اتفاق أولي في أثينا، يمهد الطريق أمام مد خط أنابيب الغاز المعروف باسم "إيست ميد" بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا. وهو الاتفاق الذي أغضب القاهرة وقتها ووصفه مراقبون بأنه يقضي على طموح القاهرة بتحول مصر لمركز إقليمي للغاز، ومن ثم نقله إلى أوروبا.