استعادة الوحدة السياسية بين الضفة وغزة تقلق اليمين الإسرائيلي

24 مايو 2021
تصاعدت الدعوات لتشرف السلطة على إعادة الإعمار بغزة (Getty)
+ الخط -

تصاعدت بعد العدوان الإسرائيلي على غزة الدعوات الدولية إلى إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، لتتولى الإشراف على إعادة الإعمار فيه. وقد وردت هذه الدعوات على لسان كل من الرئيس الأميركي جون بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن في اتصالهما برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أثناء الحرب، وكذلك صدرت عن عدد من المسؤولين الأوروبيين. 
وعلى الرغم من أن الأميركيين والأوروبيين لم يقولوا ذلك بصراحة، فإن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، من باب إعادة الإعمار، تعدّ أحد استخلاصات العدوان الأخير على القطاع، على اعتبار أن استعادة السلطة مكانتها كجهة الحكم الرئيسية في القطاع، كما كانت عليه الأمور قبل تفجر الانقسام الفلسطيني، قد توفر بيئة سياسية تقلص من فرص اندلاع حروب ومواجهات على غرار العدوان الأخير.

تتطلب عودة السلطة الفلسطينية لتتولى زمام الأمور في غزة وجود غطاء سياسي

ومن الواضح أن عودة السلطة الفلسطينية لتتولى زمام الأمور في قطاع غزة تتطلب وجود غطاء سياسي، يتمثل بوجود حكومة تشارك فيها حركة "حماس"، سواء بالتوافق أو نتاج انتخابات عامة. من هنا يكتسب إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعمها إجراء اتصالات غير مباشرة مع "حماس"، وحديث مسؤولين في الاتحاد الأوروبي عن وجود أهمية كبيرة لإجراء اتصالات مع الحركة بشكل مباشر، على اعتبار أن هذا التطور قد يمثل مؤشراً على حدوث تغيير في الموقف الأوروبي من تشكيل حكومات تابعة للسلطة الفلسطينية بمشاركة "حماس". مع العلم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا يرفضان تشكيل حكومة فلسطينية لا تعترف بشروط اللجنة الرباعية الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل، والالتزام بالاتفاقات الموقعة معها، ونبذ المقاومة بوصفها إرهاباً. ومن بين ما يرجح أن تحولاً ما قد طرأ على الموقف الأوروبي من مسألة التعاطي مع حكومات تشارك فيها "حماس"، حقيقة أن أحد العوامل التي دفعت عباس إلى إصدار مرسوم إجراء الانتخابات، كانت الضغوط الأوروبية عليه.

وعلى الرغم من أنه يرجح على نطاق واسع أن تواصل الولايات المتحدة الاعتراض على تشكيل حكومة تشارك فيها "حماس"، إلا أن من غير المستبعد أن تتعايش واشنطن مع هذه الحكومة في حال ضمت شخصيات مقربة من الحركة، وليست من قيادات فيها. وقد حظيت الدعوات الأوروبية والأميركية إلى إعادة السلطة لقطاع غزة بدعم بعض الجهات الإسرائيلية، التي تحاجج بأن هذه الخطوة تحقق هدفاً أمنياً من الطراز الأول لتل أبيب، يتمثل في ضمان عدم استخدام "حماس" أموال الدعم ومشاريع إعادة الإعمار في تعزيز قوتها العسكرية. 
لكن إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وتشكيل حكومة فلسطينية تكرس استعادة الوحدة السياسية بين الضفة والقطاع، يواجه برفض واضح من قبل ممثلي اليمين الإسرائيلي، في الحكومة والمعارضة، على حد سواء. فحكومات اليمين، بقيادة بنيامين نتنياهو، رأت في الانقسام الفلسطيني الداخلي فرصة ذهبية تسمح بتسويغ رفض التعاطي مع مشاريع التسوية التي طرحت لحل القضية الفلسطينية. وقد كانت الحجة، التي استندت إليها حكومات اليمين في رفض مشاريع التسوية، أنه لا يمكن إنجاز هذه الحلول وتنفيذها في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي، على اعتبار أن الاتفاقات مع السلطة ليست ملزمة لحركة "حماس". 

منح الانقسام الفلسطيني حكومات اليمين هامش مناورة لبناء أنماط علاقات مع السلطة و"حماس" تخدم مصالح تل أبيب

وتعد هذه الحجة الرد الكلاسيكي الذي عكفت عليه حكومات وممثلو اليمين الإسرائيلي في رفض فكرة حل الدولتين. في الوقت ذاته، فإن الانقسام الفلسطيني منح حكومات اليمين الإسرائيلي هامش مناورة كبيرا في بناء أنماط علاقات مع السلطة في الضفة و"حماس" في غزة تخدم مصالح تل أبيب. ففي مواجهة القطاع اعتمدت حكومات اليمين نمط علاقة يقوم على الجمع بين اتفاقات التهدئة والمواجهات العسكرية. وفي المقابل استفادت من دور السلطة في مجال حفظ الأمن وتأمين العمق الإسرائيلي، عبر التعاون بين الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية التابعة إلى رام الله، دون أن يكون الأمر مرتبطا بأي تقدم على مسار التسوية، في حين واصلت تل أبيب إرساء الحقائق على الأرض في الضفة الغربية بما يخدم مصالحها، عبر الاستيطان والتهويد.
وتفسر استراتيجية اليمين هذه حرص نتنياهو بشكل خاص على إحباط اتفاقات المصالحة التي توصلت إليها حركتا "فتح" و"حماس". ويشهد الكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت، في تحليل نشره موقع "المونيتور"، أن نتنياهو وجه تهديدات مباشرة للسلطة في أعقاب اتفاق المصالحة التي توصلت إليه "فتح" و"حماس" في القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بأنه لن يسمح لها بوضعه موضع التنفيذ.

المساهمون