استنفار أمني في محافظات مصرية يُقابل بتفسيرات متناقضة

25 ديسمبر 2024
ميدان التحرير، 22 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد القاهرة ومحافظات مصرية استنفاراً أمنياً مكثفاً في الميادين الرئيسية، مرتبطاً بذكرى ثورة 25 يناير وأعياد الميلاد ورأس السنة، مع انتشار مدرعات وتفتيش مواطنين.
- يعتبر الاستنفار الأمني جزءاً من استراتيجية الحكومة لإظهار الاستقرار وسط التحديات الإقليمية، مع تأثير الوضع الاقتصادي المتدهور على قلق النظام، مما يدفعه لاتخاذ إجراءات أمنية مكثفة.
- يرى بعض المحللين أن الاستنفار إجراء روتيني بمناسبة الأعياد، مع تراجع الزخم الرمزي لثورة يناير، مما يعزز الإجراءات الأمنية كإجراءات احترازية.

تشهد شوارع القاهرة وعواصم محافظات مصرية استنفاراً أمنياً مكثفاً، خصوصاً في الميادين والشوارع الرئيسية مثل ميدان التحرير ومحيط وسط القاهرة، فيما تنقسم تفسيرات الحدث بين من يربطه باقتراب موعد ذكرى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ومن يعتبر أن وجود استنفار أمني في محافظات مصرية يرمي إلى تضييق الخناق على البائعين الجائلين واقتراب حلول أعياد الميلاد ورأس السنة.

وقد رصدت "العربي الجديد" انتشار مدرعات وعربات أمن مركزي، بالإضافة إلى جنود مدججين بالسلاح في هذه المناطق. ويقول شهود عيان إن أشخاصاً بزيّ مدني، يُعتقد أنهم ينتمون إلى أجهزة الأمن السرية، فتشوا مواطنين وفحصوا هواتفهم المحمولة. وتُعد هذه الممارسات جزءاً من تكتيكات الأمن الموسمية التي تتكرر في أوقات معينة من كل عام، بما فيها ذكرى الثورة والاحتفالات الدينية. ويقول سياسيون، لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري من استنفار أمني في محافظات مصرية يعكس رسالة مزدوجة؛ إذ إنه داخلياً يهدف إلى تأكيد سيطرة النظام على الأوضاع الأمنية مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير، وهي ذكرى ذات دلالات رمزية كبيرة للنظام والمواطنين على حد سواء. أما إقليمياً، فيأتي الاستنفار في ظل توترات مستجدة على الساحة العربية، لا سيما في سورية، ما يعكس رغبة الحكومة المصرية في إظهار استقرارها الداخلي وسط التحديات الإقليمية المتزايدة.

تضييق على الباعة والمتاجر

في هذا الصدد، يعتبر محمد، وهو بائع جائل بوسط القاهرة، أن مثل هذه الإجراءات تؤدي إلى تضييق الخناق على الباعة الجائلين، الذين يعانون سنوياً من ممارسات أمنية تستهدف "تقفيل السنة" من خلال زيادة عدد القضايا والمحاضر المسجلة. ويتوقع في حديث لـ"العربي الجديد"، تصاعد هذه الحملة خلال الأيام المقبلة مع مداهمات تستهدف مصادرة بضائع الباعة غير المرخصين. ويقول نائل، وهو بائع في متجر قرب ميدان التحرير، إن الاستنفار الحالي يبدو أشد من أي وقت مضى، خصوصاً مع اقتراب احتفالات أعياد الميلاد وذكرى الثورة، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى تنبيهات متكررة تلقاها العاملون في المحال التجارية بوسط القاهرة، بضرورة التعاون مع أجهزة الأمن والإبلاغ عن أي نشاط مريب.

سعيد صادق: الوضع الاقتصادي الحالي بالتزامن مع التطورات الإقليمية يُضيف قلقاً للنظام

استنفار أمني في محافظات مصرية مرتبط بالتطورات الإقليمية

على الصعيد الإقليمي، يُقرأ وجود استنفار أمني في محافظات مصرية وفي القاهرة ضمن سياق أوسع يشمل تصاعد التوترات في سورية وتأثيرها على المنطقة. فمع تزايد التحركات الدولية والإقليمية بشأن الحل السياسي في سورية، تسعى مصر إلى تأكيد ثباتها واستقرارها الداخلي باعتبار ذلك جزءاً من معادلة التوازن الإقليمي. وفي ظل ما يحصل من استنفار أمني في محافظات مصرية يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور سعيد صادق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع الاقتصادي الحالي، بما في ذلك التضخم وهبوط قيمة العملة الوطنية، بالتزامن مع التطورات الإقليمية، مثل سقوط الرئيس السوري بشار الأسد وظهور أزمات كأزمة توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يُضيف قلقاً للنظام، خصوصاً مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير". ويوضح صادق أن "النظام يعتمد على الدعم الخارجي بشكل مشابه لما كان عليه نظام الأسد، رغم اختلاف الظروف الداخلية وطبيعة المعارضة في البلدين"، كما يُضاف إلى ذلك "التوتر في العلاقات مع السعودية، والذي يُعزى جزئياً إلى لقاء جمال مبارك مع بعض القيادات السعودية في لندن".

ويشير صادق إلى أن "سقوط النظام السوري أعطى زخماً وحماسة للمعارضة الإلكترونية، ورفع مستوى التذمر بين المواطنين في الداخل، خصوصاً مع انتشار صور قصر الرئاسة في العاصمة الإدارية الجديدة"، مضيفاً أنه "لهذا، يكرر النظام إجراءات أمنية مكثفة باعتبارها وسيلة للردع"، ويعتبر أن هذه الإجراءات "هي احتياطات مألوفة تحدث عادة قبل ذكرى يناير، لكنها هذا العام تلفت الأنظار أكثر بسبب الظروف الاقتصادية الداخلية والتوترات الإقليمية".

عمرو هشام ربيع: ذكرى ثورة يناير لم تعد تحمل الزخم الرمزي الذي كان موجوداً سابقاً

أما المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "حالة الاستنفار الأمني في الشارع لم تشهد زيادة كبيرة، وهي موجودة بالفعل بكثافة منذ فترة، ومع ذلك، قد تزيد قليلاً باعتبارها إجراءات احترازية بالتزامن مع بعض الذكريات المرتبطة بأحداث مثل 25 يناير أو 30 يونيو/ حزيران، وهذه بطبيعتها إجراءات احترازية وأمنية لتجنب أي مخاطر محتملة". ويضيف ربيع: "ذكرى ثورة يناير لم تعد تحمل الزخم الرمزي الذي كان موجوداً سابقاً، بل على العكس، أصبح هناك زخم سلبي تجاهها؛ رغم أنها مثبتة في الدستور، فإن إصرار الإعلام على تشويه أحداث 25 يناير وإثارة كراهية الناس تجاهها ساهم بشكل كبير في ذلك". ويتابع: "الخطاب الرسمي، وخصوصاً من الرئيس، يعزز هذا الاتجاه عبر تصريحات متكررة تفيد بأن ما حدث في يناير لن يتكرر مرة أخرى، وبلهجة تحمل نوعاً من التهديد والوعيد".

من ناحيته، يرى رئيس حزب الإصلاح والتنمية والنائب السابق محمد أنور السادات، في تصريحاته لـ"العربي الجديد"، أن "الاستنفار الأمني الذي نشهده في بعض المناطق الحيوية في القاهرة ومدن أخرى هو إجراء روتيني يحدث بشكل منتظم بمناسبة أعياد الميلاد عند المسيحيين، ورأس السنة الجديدة، وأيضاً أعياد الأقباط". وحول وجود استنفار أمني في محافظات مصرية، يوضح أن "هذه الإجراءات طبيعية للغاية ولا أعتقد أنها مرتبطة بأي تحركات شعبية مفاجئة أو مؤثرة"، مشيراً إلى أن "هدفها الأساسي هو الحفاظ على الأمن والاستقرار، وهو أمر معتاد يحدث في أوقات معينة من كل عام". ويضيف السادات أن "ثورة يناير تبقى في عقول ووجدان الكثير ممن عايشوها، لكنني لا أعتقد أن هذه الإجراءات تعكس استعداداً لها بمعناها المباشر"، موضحاً أنه "في يناير من كل عام، كما في مناسبات أخرى، يكون هناك دائماً نوع من الاستنفار الأمني".