استهداف الفصائل العراقية للمواقع الإسرائيلية يتجنب سورية: حسابات وغايات

07 أكتوبر 2024
كتائب حزب الله في بغداد، 22 سبتمبر 2024 (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

واصلت الفصائل العراقية المنضوية تحت اسم "المقاومة الإسلامية" للأسبوع الثاني على التوالي عملياتها ضد مواقع وأهداف للاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل، بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ كروز مطورة، وسط تأكيدات منها على استمرار تلك العمليات حتى توقف العدوان على غزة ولبنان. وعمدت "المقاومة الإسلامية" في العراق إلى تبنّي عملياتها عبر بيانات رسمية لها، للإشارة من خلالها إلى انطلاق عملياتها من داخل الأراضي العراقية، وهو ما أكده أيضاً مراقبون ومقربون من تلك الفصائل بالقول إن مقر انطلاق العمليات هو من أراضي أقصى غربي محافظة الأنبار العراقية، المحاذية لسورية والأردن، وهو شريط حدودي يمتد بطول أكثر من 300 كيلومتر.

هجمات معلّقة

ورغم امتلاك الفصائل العراقية حضوراً مهماً في الجغرافيا السورية، وأبرزها مواقع في حمص (وسط)، ودرعا وريف دمشق (جنوب)، للمشاركة في دعم قوات النظام السوري، إلا أن تجنبها استعمال مواقعها في سورية لتنفيذ الهجمات طرح عدة تساؤلات حول السبب، خصوصاً أن المسافة التي تقطعها المسيرات والصواريخ ستكون أقصر بنحو النصف، إلى جانب حقائق عسكرية تتعلق بدقة الإصابة وضمان تحقيق الهجوم هدفه. وأُعلن، الجمعة الماضي، عن مصرع جنديين إسرائيليين وجرح 24 آخرين بهجوم بواسطة طائرة مسيرة قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنها انطلقت من العراق، الأربعاء الماضي، وهو ما تأكد من بيان لـ"المقاومة الإسلامية" في العراق، تبنى الهجوم على موقع لجيش الاحتلال في الجولان السوري المحتل بواسطة طائرتين مسيرتين.


مصدر من الفصائل العراقية: روسيا لا تريد أن تتحول سورية إلى ساحة قتال

وتعهدت "المقاومة الإسلامية" بمواصلة عملياتها حتى انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، وتوعدت أخيراً في بيان، أول من أمس السبت، بمواصلة تلك الهجمات بواسطة الطائرات المسيرة المفخخة وصواريخ كروز المطورة التي تطلق عليها اسم "الأرقب"، وهو نوع من الصواريخ الذي يصل إلى مدى يقدر بنحو 700 إلى 800 كيلومتر وبرأس حربي متفجر طورته مصانع تلك الفصائل خلال السنوات الماضية. ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تبادر الفصائل العراقية إلى إطلاق أي هجمات من مواقع وجودها في سورية، القريبة من الأراضي الفلسطينية المحتلة مقارنة بالعراق، مع احتمالات تحقيق إصابات أكثر ضماناً، في مؤشر إلى احتمال تحفظ النظام السوري على إطلاق الفصائل الهجمات من الداخل السوري.

وتواصلت "العربي الجديد" مع أربعة مصادر من ممثلي الفصائل المسلحة في بغداد، رفضوا الحديث عن هذا الموضوع، لكن أحدهم أشار إلى أن "الوضع السوري لا يتحمل مزيداً من التعقيد، كما أن روسيا لا تريد أن تتحول سورية إلى ساحة قتال جديدة". وأكد المصدر أن "تمثيل الفصائل العراقية في سورية تراجع كثيراً خلال العامين الماضيين، لكن هناك ممثليات ومكاتب وعدداً قليلاً من المقاتلين ما زالوا هناك". وأضاف أن "القرار السوري يمضي باتجاه النأي بالنفس، وتدعم روسيا هذا الخيار"، مؤكداً أن "دور الفصائل المسلحة العراقية في سورية في الوقت الحالي، ليس كما كان عليه في السنوات الماضية، فقد تراجع كثيراً، وجزء منه يعود لتطورات الاتفاقات الإيرانية الروسية السورية بخصوص الشأن السوري، وترى روسيا أن ليس من مصلحتها تعميق الخلاف السوري الإسرائيلي".

من جهته، أشار عضو البرلمان العراقي، القيادي في منظمة بدر معين الكاظمي، إلى أن "الحرب الوحشية التي يقودها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام كامل، والممارسات الوحشية لجيش الاحتلال في مناطق جنوب لبنان، وقصف بنى تحتية ومواقع مهمة في اليمن، والتجاوزات المستمرة على السيادة السورية والعراقية، تجعل المقاومة الإسلامية في العراق تدافع عن كل المناطق التي يتم استهدافها من منطلق عقائدي ووطني وإسلامي، وبالتالي فإن إسرائيل لم تحترم الحدود والسيادة الوطنية لكل هذه الدول، ومن حق كل الدول استخدام حق الدفاع عن النفس وضرب الكيان الصهيوني".

وأضاف الكاظمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عدم استخدام الأراضي السورية من قبل الفصائل العراقية يعود إلى احترام القرار والسيادة السورية، إلى جانب حسابات أخرى"، لم يكشف عنها. وأوضح أن "الفصائل العراقية مارست دوراً مهماً عبر الضغط على الكيان الإسرائيلي، وكانت ضرباتها موجعة". بدوره، رأى أستاذ الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا مهند سلوم أن "جميع الفصائل المسلحة لم تستخدم الأراضي السورية لضرب أهداف في دول أخرى وخصوصاً الكيان الإسرائيلي"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النظام السوري لا يعتبر نفسه جزءاً من محور المقاومة، وهو يريد أن يبتعد عن المحور للمحافظة على نفسه".


مهند سلوم: النظام السوري لا يعتبر نفسه جزءاً من محور المقاومة

الفصائل العراقية في سورية

والفصائل العراقية التي ما زالت تحافظ على تمثيلٍ لها في سورية، تُوصف عادة بكونها الأكثر قرباً من طهران، أبرزها كتائب حزب الله، بزعامة أبو حسين الحميداوي، وهو القائد الذي خلف أبو مهدي المهندس، كما تمتلك حركة النجباء بزعامة أكرم الكعبي، المدرجة على لائحة الإرهاب الأميركية على غرار كتائب حزب الله، أعداداً من عناصرها في سورية لا تزيد عن خمسة آلاف مقاتل، بحسب مصادر "العربي الجديد"، بالإضافة إلى ممثلية تتبع لحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي. كما تنتشر فيها حركة أنصار الله الأوفياء، بزعامة حيدر الغراوي، فضلاً عن ممثليات لفصائل أخرى تمارس نشاطات أمنية وعسكرية محدودة، وأغلبها مجتمعة ضمن مظلة موحدة تمثل ائتلافاً مسلحاً واحداً أطلق عليه اسم "فصائل المقاومة الإسلامية في العراق"، بعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتتبنّى هذه الفصائل مختلف الهجمات على مواقع أميركية داخل العراق وفي الحسكة السورية، رداً على الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي.

وكان نحو 11 فصيلاً عراقياً مسلحاً قد انغمس في القتال دعماً للنظام السوري منذ مطلع عام 2012. ومن بين هذه الفصائل العراقية في سورية تستحوذ أربعة منها على غالبية مناطق الانتشار المحددة لها في الشرق السوري المحاذي للعراق، في محافظة دير الزور وبلدة البوكمال ومحيط منطقة التنف، وعلى حدود المنطقة الشمالية المتاخمة لإدلب، وفي مناطق من البادية السورية، إلى جانب مقار في ضواحي دمشق وحلب. لكن تمثيل الفصائل العراقية تراجع تدريجياً، وقلَّ بشكلٍ أكبر بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، برفقة رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي جمال جعفر (أبو مهدي المهندس)، بغارة أميركية في 3 يناير/ كانون الثاني من العام 2020.

المساهمون