خيبة أمل أصابت الكثير من الأحزاب الأردنية بسبب التوصيات التي رفعتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وشملت مسودتي مشروعي قانونين جديدين للانتخاب والأحزاب السياسية، إلى حد اعتبار بعض الأحزاب أن هذه المخرجات تنطوي على مخالفات دستورية وتكرّس الإقصاء، وتستهدف إضعاف البرلمانات المقبلة ونوابها.
وبعدما عهد ملك الأردن عبد الله الثاني، في يونيو/حزيران الماضي، إلى رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي برئاسة اللجنة التي تتألف من 92 عضواً "يمثلون مختلف الأطياف السياسية والفكرية وشتى القطاعات، لتحديث المنظومة السياسية في البلاد"، أعلنت اللجنة، الأحد ما قبل الماضي، النتائج والتوصيات التي توافقت عليها، حول مشروعي قانوني الانتخابات والأحزاب، والتعديلات الدستورية المتصلة حكماً بالقانونين وآليات العمل النيابي، إضافة إلى التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، ودور أكبر للشباب والمرأة في الحياة العامة.
في ما يتعلق بقانون الانتخاب، دعت اللجنة في مخرجاتها إلى اعتماد نظام مختلط يشمل مستويين من التمثيل، الأول وطني ويسمى الدائرة العامة، والثاني محلي ويسمى الدوائر المحلية. ويتشكل مجلس النواب من 138 مقعداً، على أن تقسم المملكة إلى 18 دائرة انتخابية محلية يخصّص لها 97 مقعداً، ودائرة عامة واحدة، وتكون هذه الدائرة محصورة في الأحزاب السياسية، ويخصص لها 41 مقعداً. وتعتمد نظام القوائم النسبية المغلقة، مع وجود نسبة حسم مقدارها 2.5 في المائة من مجموع المقترعين على مستوى الدائرة الانتخابية العامة. كما أوصت اللجنة بإلغاء حكم الجمع بين عضوية مجلس الأمة (النواب والأعيان) والمنصب الوزاري، وخفض سن الترشح لمجلس النواب من 30 عاماً إلى 25 عاماً.
أما مقترح قانون الأحزاب، فاشترط ألا يقل عدد المتقدمين لتأسيس الحزب عن 300 عضو، وعقد المؤتمر التأسيسي خلال مدة لا تتجاوز السنة، شرط ألا يقل عدد الأعضاء عن الألف، ويكونون من سكان 6 محافظات على الأقل، فيما نسبة الشباب بين 18 و35 سنة لا تقل عن 20 في المائة، والسيدات 20 في المائة.
وقوبلت مخرجات اللجنة بتحفظ كبير من الأحزاب، حتى أن استطلاعاً أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أخيراً، أظهر أن 68 في المائة من الأردنيين لا يثقون في اللجنة الملكية، وأن 69 في المائة غير متفائلين بمخرجاتها.
وأصدرت الأحزاب القومية واليسارية، بياناً لها، اعتبرت فيه أن مخرجات اللجنة تنطوي على مخالفات دستورية، وتكرس الإقصاء واحتكار القرار. ويضم ائتلاف هذه الأحزاب: البعث العربي الاشتراكي، والبعث العربي التقدمي، والحركة القومية للديمقراطية المباشرة، والشعب الديمقراطي، والشيوعي، والوحدة.
لكن، مقابل التحفظات على مخرجات اللجنة، فإن حزب "جبهة العمل الإسلامي"، أكبر الأحزاب الأردنية عدداً وتمثيلاً في البرلمان، رأى أن المخرجات في ما يخص قانوني الأحزاب والانتخاب خطوة في الاتجاه الإيجابي، ويجب إكمال كافة مراحلها للوصول إلى حكومات برلمانية.
ذياب: المواد الأساسية في مشروعي القانونين تكرّس الإقصاء وتعزز احتكار القرار ولا تلبي متطلبات التعددية السياسية
من جهته، قال الأمين العام لحزب "الوحدة الشعبية الديمقراطي" الأردني، سعيد ذياب، لـ"العربي الجديد"، إن المواد الأساسية في مشروعي القانونين تكرّس الإقصاء وتعزز احتكار القرار ولا تلبي متطلبات التعددية السياسية. وأضاف "كأن الهدف غير المعلن من القانونين تطويع أحزاب المعارضة وإلغاء وجودها، وتوفير البيئة المناسبة لأحزاب ليبرالية ذات برامج بعيدة عن الرؤية الأيديولوجية للحياة السياسية، وهذا الاستهداف يعبّر عن عدم احترام لمبدأ التعددية، ومحاولة للتهرب من الاستحقاقات الديمقراطية".
ولفت ذياب إلى أن مواد القانون فرضت شروطاً جديدة تنطوي على مخالفات دستورية واضحة، فللأردنيين حق تأليف الأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية، ولم يضع الدستور عدداً للمؤسسين أو يسمح بالتدخّل في ذلك، ولذا الهدف ليس تطوير الحياة الحزبية والبرلمانية بقدر تطويع العمل الحزبي. ورأى أن مقترح القانون الجديد يفسح المجال للتدخّل في تفاصيل الحياة الحزبية الداخلية، خصوصاً عندما يشترط أن يكون هناك مندوب عند اجتماع اللجنة التنفيذية للأحزاب، مما يتسبب في انتفاء خصوصية الحياة الحزبية. ولفت إلى أن قانون الانتخاب وضع عتبة مرتفعة لدخول الأحزاب إلى البرلمان، في ظل انتخابات تأسيسية لما يسمى بالحكومات البرلمانية، مضيفاً أن الشعوب التي نجحت في بناء ديمقراطية أطلقت العنان للتعددية، وتركت للناس حرية الاختيار.
وحول التعديلات الدستورية، قال ذياب إنها "جاءت لتخدم القوانين التي وضعوها، فالتعديلات التي نريدها هي العودة إلى دستور عام 1952"، معتبراً أنه "جرى استلاب الكثير من الحقوق السياسية للمواطنين في التعديلات السابقة، والمطلوب إعطاء الدستور مكانته بأننا دولة نيابية ملكية، وليس إجراء تعديلات شكلية".
من جهتها، اعتبرت الأمينة العامة لحزب "أردن أقوى" النائبة السابقة في مجلس النواب، رلى الفرا، تعديلات اللجنة انقلاباً على الدستور ونظام الحكم النيابي. وقالت، في حديث مع "العربي الجديد": "كحزب، انتقدنا مخرجات اللجنة المرتبطة بقانون الانتخاب والأحزاب، والتعديلات الدستورية، فيما نتطلع بعين الرضا النسبي إلى مخرجات لجنتي المرأة والشباب".
ووصفت الفرا توصيات قانون الانتخاب بأنها أقل بكثير من الهدف المطلوب وهو التحوّل إلى حكومات برلمانية منتخبة، متسائلة "كيف يمنع الجمع بين النيابة والوزارة، والهدف الوصول إلى حكومات برلمانية؟". واعتبرت أن توصيات لجنة الأحزاب كارثية، فهي تصادر الحق الدستوري للمواطنين في تشكيل الأحزاب، فالدستور اشترط أن تكون غايات الحزب مشروعة، ووسائله سلمية، وأي اشتراطات أخرى هي مصادرة لحق الناس في تشكيل الأحزاب. ووصفت التوصيات التي خرجت بها اللجنة، ومنها أن يكون في الحزب ألف عضو مسجلين و20 في المائة نساء و20 في المائة من الشباب، والأعضاء موزعين على 6 محافظات، بأنها شروط تعجيزية، متهمة بعض أعضاء اللجنة بعدم فهم طبيعة العمل الحزبي.
وبحسب الفرا، فالتعديلات الدستورية المقترحة هي انقلاب على الدستور وعلى الركن النيابي في الحكم، وإذا وضعت جنباً إلى جنب مع توصيات لجنة الانتخاب فهي لا يمكن أن تسمح بوصول أي حزب إلى أكثرية نيابية تؤهله لتشكيل حكومة أو حتى تسمية رئيس وزراء، معتبرة أنّ الهدف الخفي للجنة والذي يتناقض مع المعلن، هو إضعاف البرلمانات المقبلة ونوابها، وضمان عدم وصول أي حزب لتشكيل الحكومة.
ورأت أن التعديلات تنسف فكرة الحكومة البرلمانية وتجعلها وهماً وسراباً لا يمكن الوصول إليه، وتوصل نواباً منزوعي الدسم إلى البرلمان، لا يملكون الحصانة الحقيقية عند انتقادهم الحكومة، ولن تكون لديهم القدرة لترشيح رئيس وزراء من بينهم، إذ يحتاجون إلى 25 في المائة من أعضاء المجلس لطرح الثقة بدلاً من 10 نواب حالياً. وأضافت أن النواب سيكونون غير قادرين على إجراء تعديل على قوانين الأحزاب والانتخاب بعد تحصينها بالتعديلات، أي سيكونون نواباً بلا صلاحيات، معتبرة أن هذه التعديلات جاءت بعد إملاءات خارجية، لكن جرى الالتفاف على هذه الإملاءات ووضع شروط تمنع الأحزاب من الحصول على الأغلبية برلمانية.
الكيلاني: هناك مواد أقرت تُعتبر مجزرة للأحزاب، وتتعارض مع الدستور
من جهته، قال الأمين العام لحزب "الحياة" عبدالفتاح الكيلاني: "نحن جزء من مجموعة من الأحزاب كانت في اشتباك إيجابي مع اللجنة خلال مرحلة النقاش والبحث في المهام، وحاولنا التجويد في المخرجات، إلا أنه تم فرض بعض مواد القانون على الرغم من رفضها من اللجان بالتصويت وليس بالتوافق". واعتبر الكيلاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن توصيات اللجنة والتعديلات المقترحة على القوانين تمس كل الشعب، مضيفاً أن هناك مواد أقرت تُعتبر مجزرة للأحزاب، وتتعارض مع الدستور، فمثلاً هناك نص على أن الحقوق المكتسبة لا تمس، ولكن قانون الأحزاب الجديد اشترط على سبيل المثال ألف عضو للحزب، وهذا مساس بحقوق مكتسبة للأحزاب المرخصة، خصوصاً في ظل الطلب من الأحزاب القائمة توفيق ذاتها مع القانون الجديد، وفي حال عدم التوافق يتم إلغاء الحزب، إضافة إلى اشتراط نسبة لحضور النساء والشباب.
وأسف الكيلاني لأنه "لا يوجد شباب يريدون الانضمام إلى الأحزاب في ظل القبضة الأمنية على الأحزاب ومنتسبيها"، مشيراً إلى أن مجرد وجود نص يمنع الملاحقة على أساس حزبي لن يغير من الواقع، فالشباب يبتعدون عن الأحزاب خوفاً من عدم قبولهم في الوظائف مستقبلاً. وتابع: "أحياناً نشعر بأن بعض الشروط مقصودة لدفع الأحزاب التي لا يرغبون في وجودها إلى الحل، وبعض أعضاء اللجنة دفعوا المخرجات لما يتوافق مع توجهاتهم".
ولفت إلى أنّ التعديلات الدستورية لم تُعرض على اللجنة، وبعض الأعضاء قُرئت عليهم في الجلسة الأخيرة، مضيفاً أن هذه التعديلات يجب أن تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم والاتفاق على العلاقة بين الطرفين، معتبراً أن هذا الإجراء لم يكن في الوضع السليم. وتابع: "في كل الدول الديمقراطية هناك حكومة برلمانية، فكيف تمنع عضو البرلمان أن يكون وزيراً، وهو الذي انتُخب من الناس وفق برنامج محدد، فالأصل أن الأحزاب السياسية تسعى للوصول إلى السلطة وتداولها بطريقة سلمية وهي التي تشكل الحكومات، والرقابة تكون من خلال المعارضة".