أقرّ مجلس النواب الأردني، أخيراً، مشروع تعديل الدستور، بأغلبية 104 أصوات من أصل 112 نائباً، في إطار الإصلاحات التي أوصت بها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وأقرتها الحكومة.
وكشفت نقاشات المجلس أن كثيراً من التعديلات الجوهرية هي محاولة لمنع الأحزاب، التي قد تصل مستقبلاً إلى الحكومة، من اتخاذ القرارات في القضايا السيادية والسياسية الخارجية.
دعا صالح العرموطي الأحزاب السياسية إلى حل نفسها
وشمل التعديل 30 مادة، أبرزها تلك المتعلقة باستحداث "مجلس الأمن القومي والسياسة الخارجية"، إذ يختص بالشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية.
كما شمل توسيع صلاحيات الملك المتعلقة بالحالات التي يمارس فيها صلاحياته بإرادة ملكية منفردة. ونصت الفقرة 2 من المادة 40 من الدستور بعد التعديل، على ممارسة الملك صلاحياته بإرادة ملكية، دون توقيع من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين.
صلاحيات الملك في التعديل الدستوري
ويسمح التعديل للملك بممارسة صلاحيته في الحالات التالية: اختيار ولي العهد، وتعيين نائب الملك، وتعيين رئيس مجلس الأعيان وأعضائه، وحل المجلس، وقبول استقالة أو إعفاء أي من أعضائه من العضوية، وتعيين رئيس المجلس القضائي وقبول استقالته، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها وقبول استقالاتهم.
كما يُسمح له بتعيين وقبول استقالات وإنهاء خدمات كل من قائد الجيش، ومدير المخابرات، ومدير الأمن العام، وقاضي القضاة، ورئيس المجلس القضائي الشرعي، والمفتي العام، ورئيس الديوان الملكي، ووزير البلاط، ومستشاري الملك.
رئيس اللجنة القانونية النيابية المحامي عبد المنعم العودات، الذي يعتبر عراب التعديلات في المجلس، أشار، خلال النقاشات، إلى أن التعديلات الدستورية تأتي في ظل تطوير الحياة الحزبية والانفتاح على حياة سياسية جديدة.
واعتبر أن التعديلات الدستورية، المتعلقة بتعيين قائد الجيش والمفتي ورئيس المجلس القضائي، وتعيينهم من قبل الملك، تأتي لإبعاد المؤسسات الدينية والعسكرية عن التجاذبات السياسية والحزبية.
سعيد ذياب: التعديلات الدستورية ومخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية ردة على الإصلاح السياسي
وهو ما ذهب إليه أيضاً النائب علي الخلايلة، الذي قال إن تعيين قاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي والمفتي العام، وإنهاء خدماتهم، من دون تنسيب أي جهة، ينأى بهم عن التجاذبات الحزبية المقبلة.
في المقابل، حذر النائب ينال فريحات من أن "مصطلح التجاذبات الحزبية أصبح شمّاعة لإقصاء الديمقراطية الحقيقية من البلاد".
حل الأحزاب السياسية نفسها
أما النائب صالح العرموطي فدعا، خلال النقاشات البرلمانية، الأحزاب السياسية في الأردن، إلى حل نفسها.
وأشار إلى أنه في ظل التخوف من التجاذبات السياسية لن تكون هناك حكومات حزبية أو برلمانية، ولن يكون لها دور، والتخوف من التجاذبات السياسية شيطنة للأحزاب، فلا داعي للأحزاب، لأنه لن يكون لها أي دور في المستقبل.
وفي هذا الإطار، قال الأمين العام لحزب "الوحدة الشعبية الديمقراطي" الأردني، سعيد ذياب، لـ"العربي الجديد"، إن المشكلة لا تكمن في تشكيل الحكومات الحزبية أو عدمها، فالتعديلات الدستورية ومخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية ردة على الإصلاح السياسي.
واعتبر أن هذا التعديل يقود إلى تجريف الدستور وتفريغه من مضمونه، ويضرب ركناً أساسياً في الدستور يقول إن نظام الحكم برلماني وراثي ملكي، في تحول لنظام فردي أشبه بالنظام الرئاسي، فيما الشعب لم يعد مصدر السلطات.
واعتبر ذياب أن التعديلات ومخرجات القوانين تضرب مبدأ التعددية الحزبية، رغم الحديث الرسمي عن الرغبة في تطويرها. وأشار إلى أن الشروط التي فرضت في قانون الأحزاب تتناقض مع النص الدستوري الذي يسمح للأردنيين بتشكيل الأحزاب ما دامت غاياتها ووسائلها سلمية، وذلك عبر اشتراطات صعبة تتعلق بالعضوية.
إعادة تشكيل الخريطة الحزبية في الأردن
وأضاف ذياب أن الحديث عن عدم الرغبة بوجود الأحزاب الأيديولوجية، ووضع عقبات في طريق تشكيلها، ورغبة السلطات بأحزاب برامجية، يعني أنهم يريدون إعادة تشكيل الخريطة الحزبية بما ينسجم مع رغبات الحكم.
وبالتالي نحن لسنا أمام عملية إصلاح أو تشكيل حكومات برلمانية، بل صورة مشوهة لأحزاب وانتخابات، وحكم سلطوي مستتر خاضع للدولة العميقة.
وأشار إلى أن هناك توجساً حقيقياً حول أهداف التعديلات الدستورية، وهل هي فعلاً حماية من التجاذبات الحزبية؟ ووصف بعض التصريحات الرسمية والنقاشات في البرلمان بأنها تشكيك في انتماء الحزبيين في الأردن لوطنهم، والتعامل مع الأحزاب كمؤسسات غير وطنية، وأعداء للوطن، وهو ما يتناقض مع الحديث الرسمي عن الرغبة بوجود أحزاب وحكومات برلمانية.
الحديث عن الحكومة البرلمانية أمر مضحك
الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" الأردني، مراد العضايلة، رأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما قدمته الحكومة في التعديلات الدستورية نسف كل ما قامت به اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
واعتبر أن الحديث عن الحكومة البرلمانية أصبح أمراً مضحكاً.
مراد العضايلة: لم يعد هناك دور للحكومات في ظل هذه التعديلات
وقال العضايلة إنه "لم يعد هناك دور للحكومات في ظل هذه التعديلات. فمجلس الأمن القومي فوق الحكومة، إذ سحب صلاحياتها الداخلية والخارجية".
وتساءل: ماذا بقي للحكومة من ولاية عامة وكل هذه المهام ستناط بمجلس الأمن القومي، موضحاً أن أغلب المفاصل المهمة المتعلقة بالشؤون الخارجية والقضايا السياسية الداخلية بيد المجلس.
وبحسب العضايلة فإن الكلام عن الحكومة الحزبية أصبح لا قيمة له، والحديث عن حكومة برلمانية بلا جدوى.
وأكد أن من قدم التعديلات الدستورية نفذ ما أراد. واعتبر أن الحديث عن تخصيص 65 في المائة من مقاعد مجلس النواب للأحزاب لن يتم، على أقرب تقدير، إذا نفذت الوعود، قبل 12 سنة، وحتى ذلك الحين يبقى الأمر غير موثوق به.
واستهجن العضايلة تقديم المناقشات حول التعديلات الدستورية على قانوني الانتخاب والأحزاب. وأشار إلى أنه حتى في المستقبل لا أحد يستطيع التكهن إذا أرادت السلطات هندسة الانتخابات، كما تريد، مثلما جرى في انتخابات سابقة.
وفي السياق، انتقد ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية الأردنية، في بيان أمس الأحد، التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب. وقالت الأحزاب، عقب اجتماعها الدوري، إن هذه التعديلات "تشكّل في مضامينها تطاولاً على صلاحيات السلطات الثلاث كما هو منصوص عليها في الدستور، وتمسّ بمبدأ الفصل بينها، إضافة إلى أنها تعارض المبدأ الدستوري الأهم الذي ينصّ على أن الشعب هو مصدر السلطات".
وأضافت أن إقرار (المواد ذات الصلة) من شأنه أن يعرقل مسيرة التحديث والإصلاح الديمقراطي المنشود، كما سينعكس بصورة سلبية على مجمل القوانين الناظمة للحياة السياسية، في هذا المجال.
ويضم الائتلاف أحزاب: البعث العربي الاشتراكي، والبعث العربي التقدمي، والحركة القومية للديمقراطية المباشرة، والشعب الديمقراطي، والشيوعي، والوحدة.
يذكر أن هناك نحو 50 حزباً سياسياً مرخصاً في الأردن. وينص قانون الانتخاب الجديد، الذي سيشرع مجلس النواب في مناقشته قريباً، بأن هناك 30 في المائة من القوائم خصصت للأحزاب، وعلى طريقة القائمة النسبية المغلقة على مستوى المملكة، في الانتخابات المقبلة.
ويتضمن القانون أن هذه النسبة ستصبح 50 في المائة في الانتخابات التي تليها، ومن ثم في 65 في المائة في نهاية المطاف.