حذر مسؤولون فلسطينيون ومرجعيات دينية ووطنية في القدس المحتلة، اليوم الخميس، من انفجار وشيك في المدينة المقدسة، في ضوء الاقتحامات الكثيفة التي نفذها ولا يزال ينفذها المستوطنون للمسجد الأقصى المبارك برعاية قوات الاحتلال الإسرائيلي وحمايتها، وظهور ما يوصف بتطور نوعي وخطير يتعلق بهذه الاقتحامات وسعي القائمين عليها إلى فرض أمر واقع جديد يمهد لسيطرتهم التدريجية على المسجد ابتداءً باقتطاع المنطقة الشرقية منه، التي باتت هدفاً مفضلاً للمستوطنين المقتحمين من جمعيات الهيكل المزعوم.
وفي هذا السياق، عبّر رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، وأبرز المرجعيات الدينية فيها، الشيخ عكرمة صبري، عن قلقه الشديد من هذه الاقتحامات، سواء من حيث كثافتها أو طبيعة المقتحمين الذين يعدون من أكثر الفئات اليمينية المتعصبة المدعومة من شرطة الاحتلال ومن أعضاء كنيست مثل إيتمار بن غفير، الذي دعا بالأمس صراحة إلى السيطرة على الأقصى وتخليصه من أيدي الأوقاف الإسلامية.
وأضاف صبري، في حديث لـ"العربي الجديد": "نحن أمام تطور ووضع خطير يحاولون من خلاله فرض أمر واقع في المكان لتحقيق أهدافهم في السيطرة على مسجدنا الذي لا نعترف بأي سلطة عليه غير سلطة الأوقاف الإسلامية وإدارتها".
أما المدير العام لأوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب، فقال لـ"العربي الجديد: "هذا تصعيد غير مقبول. لن نسمح باستمراره أبداً، ونحن كأوقاف أصحاب الصلاحية المطلقة على المكان، على تواصل يومي مع الأشقاء في المملكة الأردنية الهاشمية، وعلى رأسهم العاهل الأردني، ونضعهم في صورة ما يجري ليقوموا بما هو مطلوب عربياً وإسلامياً ودولياً لوقف اعتداءات الاحتلال على مسجدنا".
ارتفاع كبير في أعداد المقتحمين للأقصى منذ الأول من أغسطس /آب المنصرم ولغاية اليوم، تجاوز الثلاثة آلاف مقتحم
من ناحيته، حذّر القيادي في حركة "فتح"، حاتم عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، من التوجهات الإسرائيلية الخطيرة تجاه المسجد الأقصى ودعم الحكومة الإسرائيلية لغلاة مستوطنيها ومتطرفيها. وقال: "عليهم أن يكفوا يدهم عن أقصانا.. وكما دافعنا عنه في الماضي وبالأمس القريب سندافع عنه اليوم وغداً، ولن نمكنهم من فرض أمر واقع جديد فيه، ونحمّل الحكومة الإسرائيلية أية تداعيات تنتج من اقتحامات المستوطنين وما يجري من تغول على مقدساتنا ومواطنينا".
ويقول مسؤولون في الأوقاف الإسلامية إن هناك ارتفاعاً كبيراً في أعداد المقتحمين للأقصى منذ الأول من أغسطس/آب المنصرم ولغاية اليوم، تجاوز ثلاثة آلاف مقتحم. وتترافق تلك الاقتحامات مع ممارسات استفزازية مثل أداء صلوات تلمودية علنية وتقديم شروحات وتبريك أطفال المستوطنين على أيدي حاخامات داخل باحات المسجد، إضافة إلى تركيز الاقتحامات في المنطقة الشرقية من المسجد، التي تضم المصلَّيين المرواني وباب الرحمة، إضافة إلى النفخ في البوق مرتين، وهي سلوكيات لم تكن بهذا الحجم والاتساع في السابق.
وتترجم هذه الاقتحامات بدلالاتها وتوجهاتها قرارات كانت قد اتخذت قبل شهرين حين عقد "اتحاد منظمات المعبد"، و"منتدى جبل المعبد" في حزب "الليكود"، مؤتمراً صحافياً داخل الكنيست الإسرائيلي بمشاركة عضو الكنيست اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، وأعضاء آخرين، منهم ماي غولان، وحاخامات وقادة "جماعات المعبد" المتطرفة للتشجيع على تنفيذ اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى المبارك، والمطالبة بترميم جسر باب المغاربة الذي يربط ساحة البراق بساحات الأقصى.
وخلال هذا المؤتمر دعا بن غفير إلى تنفيذ خطة تهدف إلى استبدال طريق جسر المغاربة بحجة وجود مخاطر عدة، باستخدام وسائل أكثر إبداعية لتنظيم الاقتحامات للأقصى، ومنها بناء تلفريك يمتد من حدود "الحي اليهودي" إلى الأقصى، ما سيخفف أيضاً من أزمة المرور بالمنطقة.
ودفعت هذه التوجهات المرجعيات الدينية الرئيسية في القدس، والمؤلفة من مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، والهيئة الإسلامية العليا، ودار الإفتاء، وديوان قاضي القضاة في القدس، ودائرة الأوقاف الإسلامية وشؤون المسجد الأقصى المبارك، إلى إصدار بيان مشترك قبل نحو أسبوع، حذرت فيه من الاقتحامات المتواصلة من قبل المستوطنين للأقصى.
واتهمت هذه المرجعيات المستوطنين المتطرفين "بالسعي إلى محاولة فرض أمر واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك ضمن مخطط حكومي واضح بهدف تغيير الوضع الديني والتاريخي والقانوني القائم للمسجد الأقصى المبارك منذ أمد، الذي سيؤدي حتماً إلى أمور لا تحمد عقباها".
ولقيت هذه التحذيرات التي أطلقتها المرجعيات الدينية خلال الأيام الأخيرة صدى لدى العديد من العائلات المقدسية التي تبارى أبناؤها في إعمار المسجد الأقصى وأداء جميع صلواتهم فيه، خاصة صلاة الفجر، وإعلان بيعة الدفاع عنه وحمايته من أخطار المستوطنين والاحتلال وما يقومون به.
وفي هذا السياق، أكد عوض السلايمة، مسؤول ملف المقدسات في إقليم فتح بالقدس، حيث شاركت أعداد كبيرة من أبناء العائلة من القدس والخليل في إعمار المسجد الأقصى يومياً على استمرار هذا التوجه المبارك لجميع العائلات المقدسية وتطويره وتعزيزه مستقبلاً لضمان أوسع مشاركة من المقدسيين في الدفاع عن مسجدهم وحمايته من تغول المستوطنين.