بعد حادثة مقتل خلدون الزعبي، القيادي المحلي في مدينة طفس بمحافظة درعا جنوبيّ سورية في كمين لقوات النظام، تتجه لجان التفاوض في مجمل مدن المحافظة ومناطقها إلى عدم حضور أية اجتماعات للتفاوض مع ضباط النظام في مدينة درعا، والإصرار على عقد أية مفاوضات في مناطقهم.
وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن وجهاء مدينة جاسم الواقعة في الريف الشمالي، التي بدأت قوات النظام منذ أيام تحشد في محيطها، رفضوا بشكل متكرر طلب النظام الحضور إلى مدينة درعا (المحطة) من أجل التفاوض على مطالب قوات النظام، وأصروا على أن تجري المفاوضات في مدينة جاسم نفسها أو في محيطها.
وذكر أيمن أبو محمود، الناطق باسم "تجمع أحرار حوران" لـ"العربي الجديد" أن ضباط النظام استدعوا لجنة التفاوض أمس السبت للاجتماع بهم في مدينة درعا، لليوم الثاني على التوالي، لكن اللجنة رفضت الذهاب، لسببين: أولهما أن مزاعم النظام بوجود عناصر من تنظيم "داعش" داخل المدينة غير صحيحة بالمطلق، ولا يوجد مبرر للتفاوض حولها، والثاني عدم الثقة بنيّات النظام، خشية الغدر بالوفد كما حصل قبل أيام مع القيادي خلدون الزعبي ورفاقه الأربعة، الذين وقعوا في كمين لقوات النظام بعد انتهاء جلسة للتفاوض في مدينة درعا مع رئيس جهاز الأمن العسكري العميد لؤي العلي.
ونقل أبو محمود عن مصدر في لجنة التفاوض في جاسم نفيه بشكل قاطع وجود عناصر من تنظيم "داعش" في المدينة، معتبراً ذلك مجرد ذريعة من جانب النظام لابتزاز أهلها، "حيث باتت قوات النظام تلجأ إلى هذا السيناريو، ليس لأسباب أمنية، بل لفرض جزية على أهالي درعا، مدينة تلو الأخرى، تحت التهديد بالحصار والقصف والاجتياح، تارة بحجة وجود مطلوبين، وتارة أخرى بوجود عناصر من تنظيم داعش".
ودفعت قوات النظام يوم أمس السبت بتعزيزات جديدة إلى جنوب المدينة في منطقة "خربة أم ترع"، وذلك بعد يومين على وصول قوات من تل الجابية إلى محيط مدينة جاسم، شملت آليات عسكرية ونحو 150 عنصراً استقرت في مواقع شمالي المدينة، فيما تمركزت قبل ذلك قوات أخرى في منطقة "الصيرة" شمالي المدينة وفي بعض المزارع غربها، وأجرت عملية تفتيش استخدمت خلالها طائرات مسيَّرة صغيرة الحجم.
ووقعت في مارس/ آذار الماضي، اشتباكات بين مقاتلين محليين في جاسم وعناصر من فرع أمن الدولة حاولت التقدم في الحي الغربي للمدينة، تمكن حينها المسلحون المحليون من قتل 6 عناصر لقوات النظام، وتدمير عدة آليات لهم، قبل أن يتدخل عناصر "اللواء الثامن" المدعوم سابقاً من روسيا للتهدئة.
ابتزاز الأهالي
وقال الناشط الإعلامي حبيب كسابرة لـ"العربي الجديد" إن تحركات قوات النظام في محيط مدينة جاسم تأتي في سياق الضغط على الأهالي لتفادي التصعيد، حيث منعت تلك القوات نهاية الشهر الماضي المزارعين في المدينة من الوصول إلى أراضيهم الزراعية غربي المدينة، بعد أن ثبتت نقاطاً عسكرية جديدة لها في المنطقة.
ورأى كسابرة أن الابتزاز المالي هو الهدف الرئيسي لضباط النظام الذي يسعون لتمويل قواتهم وجيوبهم الخاصة من الأهالي، الذين ينظرون إليهم على أنهم ميسورو الحال، حيث يعمل عدد كبير من أبناء المدينة في الخليج العربي.
وأوضح أن ذلك مصدره نظرة النظام القديمة إلى أهالي درعا على أنهم يكتنزون الأموال، وقد اعتاد مسؤولو النظام وضباطه، حتى قبل الثورة السورية عام 2011، تلقي الرشى من أبناء المحافظة في كل صغيرة وكبيرة.
سيناريو متكرر
وتأتي التطورات في مدينة جاسم بعد انتهاء قوات النظام من حملة مشابهة في مدينة طفس غربي المحافظة، حيث حاصرت قوات النظام الشهر الماضي المدينة وقصفتها بقذائف الهاون، بحجة البحث عن مطلوبين. كذلك أغلقت الطريق الواصل بينها وبين مدينة درعا، ما سبّب خسائر كبيرة للمزارعين بسبب منعهم من الوصول إلى أراضيهم في موسم الحصاد، وذلك قبل أن تنسحب تلك القوات في 18 الشهر الماضي من محيط المدينة بموجب اتفاق توصلت إليه لجنة التفاوض في المدينة مع لجنة النظام الأمنية التابعة للنظام.
وقضى الاتفاق بإنهاء الحملة العسكرية على المدينة مقابل دخول قوات النظام وتفتيش عدد محدود من المنازل للتأكد من عدم وجود أشخاص من خارج المدينة. وأعقب ذلك إقدام قوات النظام على تصفية أبرز قادة المقاومة في المدينة بقيادة خلدون الزعبي، وذلك خلال كمين نصبته لهم بعد عودتهم من جلسة تفاوض مع رئيس فرع الأمن العسكري في درعا العميد لؤي العلي.
تصاعد عمليات الخطف
وفي سياق عمليات الابتزاز أيضاً، ذكر "تجمّع أحرار حوران" أن قوات النظام اعتقلت شابين من مدينة جاسم وطلبت من ذويهم دفع مبلغ مالي كبير مقابل الإفراج عنهم.
وأوضح المصدر أن حاجزاً يتبع لفرع الأمن العسكري اعتقل قبل يومين الشابين إسماعيل حسين الجباوي وعلي حسين علي التمر خلال وجودهما في مدينة الصنمين شماليّ درعا، ثم تواصل ضباط من الفرع في اليوم ذاته مع ذوي المعتقلين، وطلبوا مبلغاً مالياً كبيراً مقابل الإفراج عنهم، بعد تهديدهم بقتل الشابين إن لم يُدفَع المبلغ.
وأضاف أن ضباط فرع الأمن العسكري والمليشيات التي تشكلت في المحافظة بدعم من إيران باتوا "عصابات مسلحة، هدفها تنفيذ عمليات اغتيال، لذلك أعطاهم النظام صلاحيات واسعة، ومنها تمويل أنفسهم من طريق عمليات الخطف".
وذكر التجمع أن عصابة مسلحة خطفت الشاب خليل إبراهيم النصار من بلدة نمر شماليّ درعا، في أثناء ذهابه لشراء السماد الزراعي من مدينة جاسم، مطلع الأسبوع الفائت، ولم يتلق ذووه أي اتصال من الخاطفين لطلب فدية مالية. واختطف مجهولون أمس الأول الجمعة الشاب طارق حسين الرشدان من بلدة نافعة في منطقة خوض اليرموك، في أثناء ذهابه على الطريق الواصل بين بلدتي سحم الجولان وجلين بريف درعا الغربي، ليعثر عليه الأهالي صباح اليوم مصاباً بطلقات نارية في القدمين.
وسجّل مكتب التوثيق في "تجمع أحرار حوران" خلال شهر أغسطس/ آب الفائت، اختطاف 6 أشخاص من محافظة درعا، أفرج عن واحد منهم بعد اختطافه ليوم واحد، فيما قتل 3 بعد اختطافهم من قبل عصابات مجهولة، وبقي اثنان قيد الاحتجاز لدى عصابة خطف شرقيّ درعا طلبت من ذويهم مبلغاً مالياً قدره 400 مليون ليرة سورية (قرابة مئة ألف دولار).